تؤكد المستشارة بجمعية "يفا" المعنية بتحسين جودة حياة النساء المصابات بفيروس العوز المناعي وغيره من الأمراض الخطيرة اجتماعياً، في روسيا، آنا سيتنيكوفا، أن فيروس كورونا أودى بحياة عدد من المصابين بفيروس العوز المناعي ممن لا يتلقون مضادات الفيروسات القهقرية، لافتة إلى أن هذا العلاج حيوي للمصابين كونه يتيح التحكم في مستويات الفيروس في الدم، ويحول دون تطوره إلى مرض نقص المناعة المكتسب "الإيدز".
وتقول سيتنيكوفا لـ"العربي الجديد": "يصاب مرضى فيروس العوز المناعي، شأنهم في ذلك شأن غيرهم، بفيروس كورونا، لكن إصابتهم تمر عادة من دون مضاعفات كبيرة في حال كانوا يتلقون العلاج بمضادات الفيروسات القهقرية، ولم أرصد في إطار عملي وفيات بين هؤلاء حتى الآن. لكن هناك وفيات بين من يمتنعون عن تلقي العلاج، رغم أنه يتم توفيره على نفقة الدولة، وتتراوح دوافعهم في ذلك بين من يدمنون تعاطي المخدرات، وآخرين ينكرون وجود الإيدز من الأساس في مقابل إيمانهم بمؤامرة شركات الأدوية، ويصعب على المرء استيعاب أنه مريض في حال لم تظهر عليه علامات ظاهرة، وفيروس العوز المناعي قد يستمر من دون أعراض لسنوات".
وتلفت إلى وجود توصيات طبية للمصابين بفيروس العوز المناعي في روسيا بتلقي التطعيم ضد كورونا، كما أنهم لم يعودوا يعانون من التمييز أثناء التعامل مع المؤسسات الطبية على عكس ما كان الأمر عليه قبل بضع سنوات، وأصبحت هناك درجة أعلى من التسامح معهم من قبل أرباب العمل.
وتقول سيتنيكوفا إنها شخصياً أصيبت بفيروس العوز المناعي في عام 2006، وحين كانت شابة في الثانية والعشرين من عمرها، وتمكنت من التعايش مع المرض، كما أنجبت ابناً سليماً، وتروي قصتها مع الفيروس موضحة: "في البداية، كنت أعاني من تمييز في التعامل، حتى مع أطباء الأسنان، ولكن الوضع بدأ يتحسن خلال العقد الثاني من القرن الحالي، وقررت أن أوظف خبرتي لمساعدة نساء أخريات مصابات على التعايش مع الفيروس، وليس فقط النجاة منه، وتتيح الأدوية الحديثة المتاحة خفض مستوى الفيروس في الدم إلى حد أنه لا يشكل خطراً على صحة الزوج، ويتيح إنجاب أطفال طبيعيين، والعيش حتى الشيخوخة".
وتضم جمعية "يفا" حالياً 63 خبيراً، يكاد يكون جميعهم من النساء، وتشمل خمس منظمات غير ربحية لها فروع في 39 مدينة روسية، وتهدف إلى تمكين المصابات من الاستفادة من الخدمات الطبية والاجتماعية المتاحة، ومواجهة مظاهر التمييز.
وتشير تقديرات الهيئة الفدرالية الروسية لحماية المستهلك "روس بوتريب نادزور"، إلى أن معدل الإصابة بفيروس العوز المناعي في روسيا أعلى منه في الاتحاد الأوروبي بمقدار عشرة أضعاف، بينما يكبد انتشار الفيروس الاقتصاد الروسي خسائر سنوية فادحة، تقدر بما يعادل 3 مليارات دولار، بما يشمل النفقات المباشرة من الدولة لتغطية تكاليف علاج المصابين، وصرف معاشات الإعاقة، وكذلك النفقات غير المباشرة المتعلقة بالوفيات المبكرة.
ومع ذلك، تظهر أرقام وزارة الصحة الروسية تراجع عدد حالات الإصابة الجديدة من 85.5 ألف إصابة في عام 2017، إلى نحو 60 ألفا في العام الماضي، والذي شهد تراجعاً في الاحتكاك بين البشر بسبب قيود التباعد الاجتماعي، وكذلك في وتيرة إجراء اختبارات الدم بسبب القيود المفروضة على خلفية انتشار جائحة كورونا.
بدوره، قال مدير المركز الفدرالي لمكافحة الإيدز، فاديم بوكروفسكي، في حديث سابق لصحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية المعارضة: "يجري تسجيل عشرات آلاف الحالات الجديدة، وعلى سبيل المثال، يتم تسجيل 4100 إلى 4500 إصابة جديدة في بريطانيا سنوياً، وفي ألمانيا أقل من ذلك قليلاً، ويقارب مجموع عدد سكان هذين البلدين عدد سكان روسيا. لكن في بريطانيا يجري الترويج لاستخدام الواقي الذكري، وبرامج تقليص الأضرار، مثل برامج الوقاية بين الرجال مثليي الجنس، ومقدمي الخدمات الجنسية، ومتعاطي المخدرات، كما تم إدخال مادة إلزامية خاصة بالتربية الجنسية في المدارس، وتنفق بلدان أوروبا الغربية أموالاً طائلة على برامج الوقاية، في حين أنه ليست هناك أية برامج مماثلة في روسيا، ومن هنا ينبع هذا الفارق في الأرقام".
وظهرت الموجة الأولى لانتشار مرض الإيدز في روسيا خلال فترة انتشار إدمان الهيروين في نهاية تسعينيات القرن الماضي، إذ كان الفيروس ينتقل عبر استخدام الحقن في تعاطي المخدرات، كما أدى قرار الحكومة بإلزامية إجراء اختبارات الإيدز للملتحقين بالجيش والمساجين، والمتبرعين بالدم، والنساء الحوامل، والأجانب، إلى ارتفاع عدد الإصابات المسجلة رسمياً.
أما الموجة الثانية الحالية من انتشار الإيدز، فإنها ناجمة عن انتقال الفيروس عبر العلاقات الجنسية بين الجنسين من دون وقاية، إذ بلغت نسبة حالات الإصابة بهذه الطريقة 65 في المائة خلال عام 2020، في مقابل أقل من الثلث عن طريق تعاطي المخدرات.
ولما كانت الكيانات الإدارية الواقعة في سيبيريا، ومنطقة الأورال الفاصلة بين قارتي أوروبا وآسيا هي البؤرة الرئيسية لانتشار فيروس العوز المناعي في روسيا، بلغت نسبة الإصابات الجديدة في مقاطعة كيميروفو (كوزباس) السيبيرية في عام 2019، 206 حالات جديدة من بين كل 100 ألف من السكان، ما يعني أنه يكاد يكون هناك مصابون بكل عمارة سكنية، وفق "نوفايا غازيتا" واعتبرت الصحيفة هذه الأرقام قريبة من معدلات الدول النامية، مثل غامبيا وهايتي، واصفة الوضع بأنه "كارثة بدون مبالغة".
ومن اللافت أنّه على عكس الوضع قبل عقدين، حين كانت الشريحة العمرية بين 15 إلى 20 سنة تستحوذ على ربع الإصابات الجديدة، فإن 80 في المائة من الإصابات الجديدة في عام 2019 جاءت في الشريحتين العمرية بين 30 إلى 40 سنة، وأيضاً فوق الـ40 سنة، وفق أرقام المركز الفدرالي لمكافحة الإيدز.