في العاصمة القاهرة، قررت السلطات المصرية غلق مستشفى خاص متخصص في علاج أمراض العيون، بعد وفاة مريضة من جراء الحقن بمادة صبغية لتصوير قاع العين من دون إجراء اختبار حساسية، حسب بيان رسمي لنقابة أطباء مصر، أكد أن حدوث الحساسية من هذه الصبغة يتوقف على الجهاز المناعي للمريض، وأنه لا علاقة للطبيب أو المنشأة بحدوثها من عدمه.
بعد تلك الواقعة بأيام، توفي مريض في مستشفى معهد ناصر الحكومي، وأكدت عائلته أن الوفاة كانت نتيجة حروق أصابته بسبب حريق اندلع في إحدى غرف الرعاية المركزة بالمستشفى الشهير، وأدى إلى إصابة المريض البالغ 48 سنة بحروق بالغة في الجسم.
وحسب بيان رسمي للمستشفى، فإن الحريق شبَّ في إحدى غرف الرعاية المركزة، وتسبب فيه تماس كهربائي في جهاز طبي كان قريباً من المريض الذي دخل المستشفى قبل الحريق بيوم واحد، وأدى الحريق إلى اشتعال السرير الذي يرقد عليه المريض الراحل.
وأسرع الفريق المناوب من الأمن الصناعي وقسم الكهرباء إلى السيطرة على الحريق قبل أن يمتد إلى أماكن أخرى في المستشفى الواقع على كورنيش النيل، كما قام الأطباء وهيئة التمريض بالبدء في علاج الحروق التي أصيب بها الرجل، لكنه توفي بعد ساعات متأثراً بالحروق الشديدة التي خلّفها الحريق في جسده.
في مقابل حالات الإهمال الطبي تلك، سجلت حالات اعتداء على أطباء داخل مستشفيات أثناء تأدية عملهم، ففي مستشفى سوهاج الجامعي، كانت إحدى المريضات محجوزة في قسم العناية المتوسطة لعلاجها من غيبوبة سكري، وبعد تلقّيها الرعاية الطبية اللازمة، وتحسّن حالتها، تم تحويلها إلى القسم الداخلي الباطني لاستكمال العلاج، لكن الأمر أغضب أفرادا من عائلتها الذين طلبوا إبقاءها في العناية، فلما رفض الفريق الطبي ذلك، اعتدى أحد أشقائها ووالدتها المرافقة لها لفظياً على طبيبتين وطبيب، وكانت الحجة هي رغبتهم في إبقائها في الرعاية المتوسطة نظراً لمنع دخول الرجال إلى قسم السيدات في المستشفى.
وقضت محكمة جنح سوهاج في جلستها المنعقدة يوم 11 مايو/أيار الجاري، بحبس السيدة والرجل لمدة شهر لكل منهما، بعد إدانتهما بتهمة التعدي على موظفين عموميين أثناء تأدية عملهم.
وفي واقعة اعتداء أخرى على أطباء، اعتدى أهالي مريض بدنياً على طبيب في مستشفى القاهرة الجديدة، ما ترتب عليه إصابة الطبيب بإصابات عدة، من بينها كسر في عظام الجمجمة، وتجمع دموي في الجيوب الأنفية، وارتجاج في المخ، وكدمات في الرأس، فضلاً عن إحداث تلف في معدات المستشفى، وتعطيل الفريق الطبي عن علاج المرضى.
وتأتي وقائع الإهمال الطبي والاعتداء على الأطباء المتكررة في وقت تعاني فيه مصر من عزوف كثير من الأطباء عن العمل في المستشفيات الحكومية، وكذلك بالتزامن مع حالات استقالات واسعة تهدد المنظومة الصحية.
وأصدرت نقابة أطباء مصر، في وقت سابق، تقريراً ضم أرقاماً "مفزعة" على حد وصفها، رصدت فيه عدداً هائلاً من استقالات الأطباء من مستشفيات القطاع الحكومي خلال السنوات الثلاث الماضية، إذ استقال 11 ألفا و536 طبيباً خلال الفترة من بداية عام 2019 حتى 20 مارس/آذار 2022، وتزامن ذلك مع طفرة في أعداد الأطباء الذين غادروا البلاد للعمل في الخارج، سواء لزيادة الطلب على الأطباء خلال جائحة كورونا، أو هرباً من الأجور المتدنية وظروف العمل السيئة في مصر.
ورصدت إحصائيات نقابة أطباء مصر في تقرير حديث، أن عدد الأطباء المتاحين مقارنة بعدد المرضى في عموم البلاد انخفض إلى 8.6 أطباء لكل 10 آلاف مريض، بينما المعدل العالمي يشترط أن لا يقل المعدل عن 23 طبيبا لكل 10 آلاف مريض.
والإهمال الطبي والاعتداء على الأطقم الطبية، وجهان لعملة واحدة في مصر، هي غياب تشريعات المسؤولية الطبية وحماية الأطقم الطبية، ففي غياب قانون يوضح طبيعة العلاقة بين الطبيب والمريض، ومفهوم الخطأ الطبي؛ يتصدى قانون العقوبات المصري لجريمة الإهمال الطبي، إذ تنص المادة 244 منه، على أن "من تسبب خطأ في جرح شخص، أو إيذائه بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله، أو رعونته، أو عدم احترازه، أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه (11 دولارا أميركيا)، أو بإحدى هاتين العقوبتين".
وطبقاً للمادة نفسها "تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين، وغرامة لا تجاوز ثلاثمائة جنيه (16 دولارا)، أو إحدى هاتين العقوبتين إذا نشأ عن الإصابة عاهة مستديمة، أو إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث، أو رفض وقت الحادث مساعدة من وقعت عليه الجريمة، أو عن طلب المساعدة مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة الحبس إذا نشأ عن الجريمة إصابة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة، تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين".
وتجدد تلك الوقائع المطالبة بسرعة إصدار قانون المسؤولية الطبية، والذي تقدمت به نقابة الأطباء إلى رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، وأمدته بنسخة كاملة من مشروع القانون الذي أعدته النقابة للتأكيد على الضرورة الملحّة لتشريعه، حتى تستقيم المنظومة الصحية، ويتم ضبط آليات تقديم الخدمات الصحية.
وتشمل أهم بنود مشروع قانون المسؤولية الطبية المعروض على مجلس النواب، إنشاء هيئة لتقرير المسؤولية عن الضرر الطبي، تكون مستقلة عن الجهات التنفيذية، وتعد جهة استشارية تتبع النائب العام، وتضم هذه الهيئة ممثلين عن كل من المرضى، ومصلحة الطب الشرعي، ومجلس القضاء، ونقابة الأطباء، ووزارة الصحة، وقطاع المستشفيات الجامعية، وتقوم الهيئة بالتنسيق مع اللجان النوعية في التخصصات المختلفة لتحديد وقوع الضرر على المريض نتيجة خطأ من مقدم الخدمة، وتحديد جداول التعويض المالي لمتلقي الخدمة تبعاً للضرر الواقع عليه.
ويلغي مشروع القانون العقوبة السالبة للحرية (الحبس) في حال وقوع ضرر على المريض أثناء ممارسة المهنة للمرخص لهم المتبعين فقط للقوانين واللوائح المقننة لممارسة المهن الطبية، وأما ما دون ذلك فيتم مناظرتهم أمام جهات التحقيق بالقوانين المختصة. ومن المفترض أن يحدد مشروع القانون نفسه العقوبات على الأطقم الطبية بدلاً من تلك المنصوص عليها في قانون العقوبات، إذ لا توجد عقوبات رادعة للاعتداء على الأطباء في القانون المصري، وتقتصر عقوبة الإهانة بالإشارة أو باللفظ أو التهديد، على "الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه"، بينما تقتصر عقوبة الاعتداء على الأطباء بدون ضرب، على الحبس مدة لا تزيد على ستة شهور، أو بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه.
وتقتصر عقوبة الاعتداء بالضرب على الأطباء على الحبس مدة لا تزيد على سنتين، أو غرامة لا تتجاوز مائتي جنيه، فإذا حصل الضرب أو الجرح باستعمال أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخرى، أو بلغ الضرب أو الإصابات درجة الجسامة، فإن العقوبة المنصوص عليها هي السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، وتكون العقوبة هي السجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة إذا أفضى الضرب أو الإصابة إلى الموت.
أما عقوبة احتجاز طبيب في القانون المصري، فهي الأشغال الشاقة المؤبدة إذا استخدم الجاني القوة أو العنف أو التهديد أو الإرهاب، وتكون العقوبة الإعدام إذا نجم عن الفعل موت الطبيب.
ولا يضم القانون المصري عقوبة مخصصة لجرائم تخريب المستشفيات، لكنها تعامل معاملة المؤسسات والمرافق الحكومية، وينص القانون على أن يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل من خرب عمداً مباني أو أملاكاً عامة، أو مخصصة لمصالح حكومية، أو للمؤسسات العامة، أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام، وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة إذا وقعت الجريمة في زمن هياج أو فتنة، أو بقصد إحداث الرعب بين الناس، أو إشاعة الفوضى، وتكون العقوبة الإعدام إذا نجم عن الجريمة موت شخص كان موجوداً في تلك الأماكن.