فرق الإنقاذ والفرق الطبية كانت في معركة حياة أو موت، في أعقاب الانفجار الذي دمر مرفأ بيروت، وترك بصمات كارثية على المستشفيات
في العاصمة اللبنانية بيروت، هبّ المسعفون من مختلف الجهات، لا سيما الدفاع المدني اللبناني (وزارة الداخلية) والصليب الأحمر اللبناني لإنقاذ المصابين بانفجار مرفأ بيروت، وهو الميناء الرئيسي في لبنان. ولم تكن فرق الإنقاذ في منأى من الإصابات والوفيات، بل سقط 10 عناصر من فوج إطفاء بيروت قتلى في الانفجار الذي سبقه حريق حاول الفوج إطفاءه، كما قُتلت ممرضة مرافقة معهم. ليلة الانفجار كانت أصوات سيارات الإسعاف تلاحق بعضها وهي تنقل الجرحى إلى المستشفيات، فيما كسرت أضواء سيارات الصليب الأحمر عتمة الشوارع وهي تجري دوريات في جهات مختلفة من بيروت بحثاً عن أيّ جرحى لم تصل أخبارهم بعد.
يقول الأمين العام للصليب الأحمر اللبناني، جورج الكتاني، إنّ الجمعية تمكنت من إسعاف ونقل 1600 جريح على الأقل، من أصل أكثر من 4000 نقلتهم مختلف الجهات الإسعافية. ويلفت إلى أنّ من بين الجرحى من لم تتطلب حالته النقل، بل عولج في مكانه. ويشير إلى أنّ الصليب الأحمر استعان خلال كارثة الانفجار، للمرة الأولى في تاريخه، بآلياته من خارج بيروت وجبل لبنان (المحافظة المحيطة بالعاصمة)، للتعاون مع الآليات الموجودة في المحافظتين، وبذلك وصل عدد سيارات إسعاف الجمعية، أمس الأول، إلى 75 سيارة عاملة فعلياً، بالإضافة إلى 50 سيارة كانت جاهزة للعمل. كذلك، يلفت إلى نقطة بارزة وهي أنّ مستشفيات العاصمة ومحيطها وصلت في لحظة معينة من الليل إلى كامل قدرتها الاستيعابية، ما حدا بسيارات الإسعاف إلى نقل المصابين إلى مستشفيات بعيدة عن العاصمة.
أمام مستشفى "الجامعة الأميركية في بيروت" كان كثير من أهالي المفقودين في الانفجار قد توافدوا منذ الليلة الأولى، بحثاً عن أيّ خبر عنهم، فقد أعلن أنّ في المستشفى جثامين مجهولة الهوية. لم يخلُ الوضع هناك من مشاحنات بين الأهالي الذين يريدون الدخول، ورجال الأمن الذين كانوا يحافظون على نظام الدخول بالاتفاق مع الكوادر الطبية في المستشفى، التي أدخلت الأهل على دفعات. لكنّ أحداً لم يتعرف إلى هويات الجثامين، كما إلى جثث عدة في مستشفيات أخرى. وفي هذا الإطار، قال وزير الصحة حمد حسن، صباح اليوم، إنّ هناك احتمالات لارتفاع عدد قتلى الانفجار (كان 108 تقريباً) بدليل "وصول اتصالات إلى وزارة الصحة سألت عن مئات الأسماء" يمكن أن يكون قسم كبير منهم في عداد المفقودين.
بالحديث عن المستشفيات، كان مستشفى "بيروت الحكومي - الكرنتينا" يتهيأ لافتتاح قسم كورونا المخصص للأطفال، قبل أن يصاب بصميمه في انفجار مرفأ بيروت. مباني المستشفى لم تسقط بالكامل لكنّ التجهيزات بمعظمها تحطمت وبات بعضها ركاماً. المستشفى في الأساس مخصص في معظمه للأطفال، لكنّه يقدم كثيراً من الخدمات الخارجية الخاصة بمرضى الأمراض المزمنة، لا سيما في الصيدلية الملحقة به. المشهد انقلب بين لحظة وأخرى، لكنّ الأهمّ يبقى أنّ طواقم المستشفى تمكنت من إنقاذ الأطفال المرضى ونقلهم إلى مستشفيات عدة، من بينها "رفيق الحريري" و"الحياة".
هذا المستشفى الحكومي (الكرنتينا) ليس الوحيد المتضرر، بل إنّ ثلاثة مستشفيات خاصة خرجت عن الخدمة تماماً ووقعت فيها خسائر بشرية، وهي مستشفى "الروم" و"الجعيتاوي" و"الوردية". في "الوردية" سقط ممرض قتيلاً، فيما كانت خسارة مستشفى "القديس جاورجيوس" الشهير باسم "الروم" أكبر بكثير، فعلى صعيد الكادر الطبي، توفي ستة ممرضين، من بينهم خمس ممرضات، بالإضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين. كذلك، قتل وأصيب العشرات من المرضى ومرافقيهم، إذ كان يضمّ 300 مريض بالإضافة إلى المرافقين، بحسب الممرضة، التي أصيبت بدورها، لارا وفائي، من المستشفى الذي توقف عن العمل تماماً.
تروي وفائي كيف انهار السقف على رأسها ورأس زميلة لها وطبيب في إحدى طبقات المستشفى. وبينما علق سلك كهربائي في رقبتها وترك أثراً مؤلماً، فإنّ زميلتها أصيبت في رجلها التي ظهر العظم منها، فيما أصيب الطبيب في رأسه وبدأ ينزف. وبينما كانت لارا الوحيدة القادرة على مساعدتهما في المكان الذي دمّر زجاجه وجدرانه، وكانت تهمّ بذلك، دخلت امرأة تحمل طفلتها التي تنزف، والطفلة مريضة في المستشفى، فحملتها لارا وحملت معها طفلاً آخر، وأسندت الممرضة والطبيب وهمّوا بالذهاب إلى قسم الطوارئ. كذلك، حاول ممرضون حتى من بين الذين أصيبوا إنقاذ من أمكنهم من الأطفال، في القسم الذي يعملون فيه، ومن بينهم الممرضة باميلا، التي حملت ثلاثة رضّع إلى الطوارئ. تقول لارا إنّ الوضع كان كارثياً هناك مع استحالة الوصول إلى التجهيزات الطبية لإنقاذ المصابين، فمزقت جزءاً من قميص أم الطفلة المريضة، والمصابة، لتضميد جروحها، بينما كان الطبيب يعمل على إنقاذ المصابين ويحاول الممرضون وقف نزيف رأسه. تقول لارا: "اليوم أنا أفضل جسدياً، لكنّها صدمة كبيرة جداً".