مستقبل خريجات الطب غامض في أفغانستان

09 مارس 2023
الكادر الطبي النسائي محدود في أفغانستان (أديك بيري/ فرانس برس)
+ الخط -

على خلاف التوقعات، لم تسمح حكومة طالبان لخريجات كليات الطب بالمشاركة في الامتحان النهائي هذا العام، وسمحت فقط للخريجين من الذكور بخوض الامتحان الذي يعد بمثابة ترخيص للعمل، والذي عقد الشهر الماضي.

درست الأفغانية شير بانو الطب في إحدى الجامعات الخاصة في العاصمة كابول لمدة سبع سنوات. تخرجت العام الماضي، وكانت تنتظر بفارغ الصبر الامتحان الأخير لخريجي وخريجات كليات الطب، فمن دونه لا يمكنها ممارسة العمل.
تقول شير بانو لـ"العربي الجديد": "كل أحلامي تبددت. أنفقت أموالاً وجهداً كبيراً على دراسة الطب خلال السنوات السبع الماضية، ولأن أسرتي فقيرة، فقد اقترضنا المال من الجيران والأقارب، وكانت أسرتي تنتظر أن أنهي الدراسة، وأعمل طبيبة لأعول الأسرة الفقيرة، فوالدي مريض لا يمكنه العمل، وأخي ما زال يدرس، وكان خالي يساعدني، وكانت آمال العائلة مرتبطة بعملي بعد التخرج، لكن طالبان لم تسمح لي بدخول الامتحان الأخير لطلبة الطب كي أحصل على الرخصة للعمل".
تضيف الشابة الأفغانية: "أعيش تحت ضغط نفسي كبير. وما زالت أستعد للامتحان لعل طالبان تسمح لنا بدخوله، لكنها حتى الآن مع الأسف الشديد لم تعلن عن تاريخ محدد، وبالتالي تنتابني حالة من اليأس، ومثلي كثيرات من الفتيات اللواتي انتهين من دراسة الطب، ولم تسمح لهن طالبان بدخول الامتحان".
تخرجت فوزية من كلية الطب في إحدى جامعات كابول الخاصة، وتقول لـ"العربي الجديد": "أنهيت مرحلة الدراسة البالغة سبع سنوات رغم كل المعوقات، كنت أدرس الطب في الصباح، وفي المساء أدرس الأطفال في المنازل من أجل توفير قيمة الرسوم الدراسية، وتخرجت قبل منع طالبان البنات من الذهاب إلى الجامعات، وكنت سعيدة لأن معدلاتي الدراسية كانت جيدة جداً، ومطمئنة للنجاح في الامتحان النهائي، وبالتالي الحصول على رخصة العمل. ومنذ أجلت طالبان امتحان البنات أعيش حالة نفسية سيئة".
تتابع: "القضية ليست بسيطة، فقد صرفت الكثير من الأموال خلال سنوات الدراسة السبع لأنني درست في جامعة خاصة، وهناك حاجة مجتمعية كبيرة إلى الطواقم الطبية النسائية، فلو مررت على مستشفيات العاصمة كابول ستجد أن هناك نقصاً كبيراً في أعداد الكادر النسائي، فما بالك بالولايات الأخرى والمناطق الريفية، ولا أدري لماذا لا تدرك حكومة طالبان كل تلك الأمور، ولماذا لا ترحم هذه الشريحة التي صرفت وقتها ومالها من أجل الحصول على الشهادة الطبية، وبعد استكمال الدراسة لا تسمح لهن طالبان بدخول الامتحان النهائي. إنه أمر مؤسف للغاية".

القطاع الطبي الأفغاني يعاني من نقص الكوادر (أمير قرشي/فرانس برس)
القطاع الطبي الأفغاني يعاني من نقص الكوادر (أمير قرشي/ فرانس برس)

وتؤكد الاختصاصية في طب النساء تمنى مسعود، لـ"العربي الجديد"، أن هناك حاجة ماسة لأعداد كبيرة من الكادر الطبي النسائي، خاصة أن الكثير من الطبيبات غادرن البلاد بسبب التقلبات السياسية والأمنية الأخيرة، وتحديداً بعد سيطرة طالبان على الحكم، وتقول "لا أدري لماذا لا تدرك حكومة طالبان تلك الاحتياجات، فالمجتمع بحاجة إلى الطبيبات، والمتخرجات من كليات الطب بحاجة إلى العمل من أجل مستقبلهن ومستقبل أسرهن، لكن طالبان مصرّة على موقفها الذي لا يتماشى مع ظروف البلاد، ولا مع ما يطلبه منها المجتمع الدولي".
وأعلنت إدارة الامتحانات الوطنية في 18 فبراير/ شباط الماضي إجراء الامتحان النهائي للرجال، مؤكدة أنها تفعل ذلك لتطبيق قرار مجلس الشورى الطبي الوطني، والذي قرر أن ينفذ الامتحان على البنين وليس البنات، بحجة أن الإمكانات والوسائل المتاحة محدودة.
وشارك في الامتحان 7 آلاف متخرج، وأكدت إدارة الامتحانات أنها مستعدة لإجراء الامتحان للبنات، لكن القرار النهائي لمجلس الشورى الطبي الذي يعمل تحت مظلة وزارة الصحة.

ولم تكتف طالبان بمتع البنات اللواتي درسن الطب من المشاركة في الامتحان النهائي، بل ثمة عقبات إضافية، من بينها على سبيل المثال في ولاية قندهار أن طلبت إدارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من كل سيدة تعمل في القطاع الصحي، سواء في المستشفيات الحكومية أو العيادات الخاصة، أن لا يحضرن إلى أماكن عملهن من دون رجل، ما جعل كثيرات منهن يتغيبن عن العمل، إذ لا يتوفر للجميع رجل يرافقهن إلى مكان العمل، ثم يعيدهن إلى المنزل، لا سيما أن رواتب العاملات في مجال الصحة ضعيفة.
وتقول الناشطة الأفغانية كلالي مصور، لـ"العربي الجديد": "المشكلة الرئيسية أن طالبان لا تدرك طبيعة الأحوال السائدة في البلاد، حيث يعبر مئات من النساء والأطفال الحدود إلى باكستان يومياً من أجل تلقي العلاج بسبب هشاشة قطاع الصحة المحلي، وطالبان بدلاً من أن تتفكر في تحسين القطاع، تخلق المزيد من العراقيل، وهذا تلاعب بمستقبل البلاد".
من جانبه، أكد وزير الخارجية في حكومة طالبان، الملا أمير خان متقي، في حوار مع "بي بي سي" الناطقة باللغة البشتونية في السادس من مارس/ آذار، أن ما يقارب 14 ألف امرأة يعملن في مجال الصحة في البلاد، مضيفاً أن حكومة طالبان أوفت بكل شروط المجتمع الدولي، وبالتالي فعليه أن يعترف بها.

المساهمون