كشفت جائحة كورونا عن نقاط ضعف الدول ومنظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي على صعد عدّة، من تبادل المعلومات وسوء إعداد الأنظمة الصحية إلى ضعف التنسيق الدولي وعدم المساواة في الحصول على اللقاحات والعلاجات.
وفي مواجهة ملايين الوفيات الناجمة عن إصابات بكوفيد-19 والفوضى الاقتصادية وكذلك الاجتماعية التي تسبّب فيها فيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2) الذي ظهر في أواخر عام 2019 بالصين، بدأت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية مفاوضات بشأن اتّفاق ملزم من شأنه أن يسمح بتجنّب الكارثة الصحية المقبلة.
وعلى الرغم من الانتقادات و"المعلومات الكاذبة"، فإنّ هذه المناقشات تسير على نحو جيّد، بحسب ما أكّده أمس الخميس مسؤولو الوكالة التابعة للأمم المتحدة المكلّفون بالملف. وقد أُرسلت مسوّدة أولية إلى البلدان مطلع شهر فبراير/ شباط 2023، لتكون بمثابة أساس للمفاوضات التي تجري بانتظام في جنيف.
ومشروع الاتفاق هذا واسع جداً حالياً، وقد أقرّت الرئيسة المشاركة لمكتب هيئة التفاوض الدولية بريشس ماتسوسو، أمس الخميس، بأنّه قد يكون من الصعب التفاوض على بعض المواضيع، من قبيل قضية الملكية الفكرية. أضافت في مؤتمر صحافي: "لكنّ الأمر الأكثر أهمية هو أنّ الدول الأعضاء اعترفت بأنّه من المهمّ تطوير وثيقة ملزمة قانوناً".
بالتوازي، أطلقت البلدان مراجعة للقواعد الصحية الدولية، هي خريطة طريق منظمة الصحة العالمية لمنع انتشار الأمراض عالمياً، وذلك بهدف مواجهة المشكلات التي تسبّبت فيها أزمة كورونا الوبائية.
وقال الدكتور آشلي بلومفيلد المشارك في رئاسة مجموعة العمل المكلّفة الملف، إنّ المفاوضات الأخيرة حول هذا الموضوع "جرت كما الاجتماعَين السابقَين، بحوار بنّاء جداً. هذه الاجتماعات تبشّر خيراً في خصوص هذه العملية".
لكنّ الجدول الزمني ضيّق، وتأمل منظمة الصحة العالمية الانتهاء من هذَين المشروعَين في مايو/ أيار 2024، أي بعد عام واحد، وهو هدف طموح نظراً إلى تعقيدات القضايا، خصوصاً أنّ ثمّة أشخاصاً فاعلين، من بينهم مالك موقع تويتر إيلون ماسك، يكثّفون انتقاداتهم للوكالة التابعة للأمم المتحدة الصحة وقد رأوا أنّ مشاريعها تهدّد بتقويض سيادة الدول.
لكنّ هذه الانتقادات نفاها بلومفيلد، قائلاً إنّ "ذلك يحيّرني كثيراً، وأعتقد أنّه علينا أن نضع حداً لهذه المعلومات الكاذبة باستمرار، لأنّه من المستحيل أن تدوس هذه العمليات، أو حتى منظمة الصحة العالمية، على سيادة البلدان".
وأشارت ماتسوسو إلى أنّ عملية إبرام الاتفاقات من شأنها ضمان أنّ الأمر متروك للدول، من أجل تحديد "ما يجب تضمينه في هذه الوثيقة القانونية". أضافت أنّ هذا "أمر فريد من نوعه لأنّ الدول الأعضاء لن تنظر فقط إلى نصّ وتبدأ المفاوضات"، في حين أنّ المحامين عادة "يقدّمون وثيقة" يُصار التفاوض عليها بعد ذلك من قبل الدول.
بدوره، قال كبير المستشارين القانونيين في منظمة الصحة العالمية ستيف سولومون إنّ "الدول سوف تحتفظ بسلطتها بعد عام 2024"، مؤكداً أنّه في حال التصديق على المعاهدة في مايو المقبل في المنظمة، فسوف تتمكّن كلّ دولة من أن تقرّر بحرية "قبولها ما تمّ اعتماده أم لا".
وتابع سولومون أنّه "بالنسبة إلى القواعد الصحية الدولية المعدّلة، إذا تمّ تبنّيها في مايو 2024، فهذا يعني أنّها لن تسري إلا بعد عام و"حصراً في الدول التي لم تتوقّف عن تنفيذها".
كذلك سعى المسؤولون لتقديم تطمينات، عبر القول إنّهم لم يكونوا موافقين تماماً على فرض عقوبات لعدم الامتثال لقواعد منظمة الصحة العالمية. وقال بلومفيلد: "يجب أن نبحث عن طرق لتحفيز الدول ودعمها لتنفيذ القواعد الصحية الدولية كاملة والوفاء بالتزاماتها، بدلاً من فرض عقوبات".
وعلى الرغم من ذلك، أشارت ماتسوسو إلى أهمية توفّر "آليات" تمكّن من مساءلة الدول، مع الحفاظ على سيادتها، مثلما تفعل الأمم المتحدة من خلال المراجعة المنتظمة لوضع حقوق الإنسان في كلّ بلد.
وعلى هذا الصعيد، أطلقت منظمة الصحة العالمية مشروعاً تجريبياً قبل عامَين مع بلدان مهتمّة بهذه الفكرة، بحسب ما أوضحه المسؤول في منظمة الصحة العالمية جواد المحجور.
(فرانس برس)