مسنون أوروبيون إلى فنادق تونس لتجاوز أزمة الطاقة خلال الشتاء

28 سبتمبر 2022
تضم تونس خبرات في رعاية المسنين (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يمثل إيواء كبار السن في الفنادق التونسية أحد البدائل التي تعمل على توفيرها دول أوروبية من أجل حماية المسنين من قسوة الشتاء المقبل في ظل ارتفاع أسعار الوقود الناجم عن نقص إمدادات الغاز الروسي، وتراجع المخزون الأوروبي من الطاقة. 
يؤكد عضو جامعة وكالات الأسفار التونسية (نقابة)، ظافر لطيّف، وجود عروض من عدة دول أوروبية لتوفير إيواء جيد للمئات من كبار السن خلال الأشهر القادمة داخل النزل التونسية التي تقدّم رعاية متكاملة، بما في ذلك الرعاية الطبية. يقول لطيّف لـ"العربي الجديد"، إن وكالته تلقّت عروضاً من السوق الفرنسي من أجل التعاقد على شغل فندق يقع في مدينة ساحلية تونسية، ويوفر خدمات رعاية للأشخاص كبار السن، على أن يكون النزيل قادراً على إعالة نفسه، مشيراً إلى أنّ الاعتناء بالمسنين في دور الرعاية الأوربية أصبح مكلفاً، ويرجّح أن تزيد كلفته أكثر مع ارتفاع كلفة الطاقة، وهذا ما دفع الأوروبيين إلى البحث عن بدائل في دول تكون الظروف المناخية فيها أفضل.

وأوضح أنه "من بين الشروط التي تضعها الأسواق الأوروبية، تخصيص جزء من النزل لإيواء المسنين، مع إشغال بقية الغرف بسياح عاديين حتى لا يشعر كبار السن بالعزلة. الصيف في تونس يمتد إلى أكثر من 6 أشهر، ما يوفر فرصة جيدة للأوروبيين للاستفادة من فترات طويلة من الدفء، وسطوع الشمس، عبر نقل عدد من المسنين المقيمين في دور الرعاية الخاصة، لا سيما من يتمتعون ببدلات تقاعد تكفل لهم عيشاً جيداً في تونس". 
ويكشف لطيّف عن شروط إيواء المسنين في النزل التونسية التي تجري مناقشتها، والتي تشمل توفير الرعاية الصحية عبر التعاقد مع أطباء، وتوفير الملفات الطبية لكل مسن من أجل تسهيل متابعتهم، خصوصاً أنّ أغلبهم يحصلون على أدوية بشكل يومي، ويرجح أن تستوعب النزل التونسية عدداً من كبار السن الذين تجري متابعتهم طبياً، وأن تجهز غرف الفنادق طبقاً لاحتياجات كلّ مقيم، وحسب سجلاتهم الطبية. وأفاد بأن "الدول الأوروبية تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي في التدفئة، وهذا يدفع حكوماتها، والأسر الحاضنة لكبار السن، للبحث عن بدائل لتخفيف تبعات الأزمة عن هذه الشريحة تجنّباً للكلفة الصحية المرتفعة التي قد تنتج عن تعرضهم لمضاعفات ناجمة عن البرد". 
بدورها، تقول سنية العريبي، التي تدير مركزاً خاصاً لرعاية المسنين في إحدى مدن تونس الساحلية، إنّ أزمة الطاقة المتوقعة في أوروبا خلال الشتاء القادم يمكن أي تؤدي إلى "هجرة" كبار السن نحو البلدان الدافئة، معتبرة أنّ "تونس من بين الوجهات التي قد يختارها المسنون الأوربيون". لكنّ العريبي تستطرد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الأمر قد يكون مجرد نيات نظراً لغياب استراتيجية حكومية واضحة لاستقطاب كبار السن من أوروبا إلى دور الرعاية أو النزل المجهزة في تونس، ويحتاج الملف إلى دعم رسمي، فالمبادرات الفردية لا تكفي في هذا السياق".

الرعاية الصحية للمسنين جيدة في تونس (فتحي بليد/ فرانس برس)
الرعاية الصحية للمسنين جيدة في تونس (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

تضيف: "استغلال العوامل المناخية الملائمة، وتوفر اليد العاملة المتخصصة، مثل المساعدين الصحيين، يمكن أن يحوّل تونس إلى قبلة للمسنين الأوروبيين، ولفترة إقامة قد تمتد إلى ستة أشهر متصلة، وهو ما يوفر عائدات مالية كبيرة، ومئات من الوظائف. لكنّ ثقافة دور الرعاية الخاصة بالمسنين في تونس ما زالت محدودة، كما أنّ عدداً منها غير مجهز بالشكل الكافي، ولا يوفر الشروط المطلوبة، ما يجعلها خارج دائرة المنافسة مع الفنادق، والتي قد تكون أكثر استعداداً لاستضافة هذا الصنف من السياح".
تفيد العريبي أنّ "الأزمة الاقتصادية، وارتفاع الأسعار عالمياً، لا سيما أسعار الطاقة، ستزيد من كلفة رعاية كبار السن في الدول الأوروبية، ما قد يدفع السلطات هناك، أو حتى الأسر، إلى البحث عن خيارات بديلة أقل كلفة، من بينها الاتجاه نحو دول جنوب المتوسط. غير أنّ ذلك يحتاج إلى خطة لتطوير القطاع، وفتح قنوات تخاطب مع الأسواق الأوروبية". 

وكشفت دراسة لمركز "إنتريجيونال" للتحليلات الاستراتيجية، صدرت في يوليو/تموز الماضي، أنّ التغيرات المناخية قد تتسبب في مقتل 152 ألف شخص بحلول نهاية القرن الحالي، وقد تتضاعف أعداد الوفيات إذا لم تتخذ الدول التدابير الوقائية اللازمة. وقالت الدراسة إنّ هناك حاجة إلى إعادة تصميم البنية التحتية في أوروبا، إذ تشير تقديرات الخبراء إلى أن غالبية المباني في العديد من الدول الأوروبية لم تصمم بطريقة تتحمل درجات حرارة تفوق 25 مئوية، خاصة في دول الشمال، حيث تم بناء معظم المنازل للحفاظ على الحرارة في الداخل لمساعدة السكان على تحمل البرد. 
وتواجه غالبية الدول الأوروبية أزمة متفاقمة منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، وتصاعد الخلافات مع موسكو عبر فرض عقوبات قاسية، وتؤدي موجة الحر الخانقة المستمرة في عدد من دول أوروبا إلى تفاقم تلك الأزمة؛ إذ تؤدي إلى زيادة الطلب على استخدام أجهزة تكييف الهواء التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، وهو الأمر الذي يعني مضاعفة الطلب على الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء. 

المساهمون