مشروع السكن الشبابي... حق موقوف وحلم مؤجل في إدلب

22 ديسمبر 2023
مشروع السكن الشبابي في إدلب عالق بين المكتتبين والمستولين (العربي الجديد)
+ الخط -

بعدما قدم أصحاب شقق سكنية في مشروع السكن الشبابي بمدينة إدلب شمال غربي سورية احتجاجات عدة على عدم حصولهم على شققهم، أعلنت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام عام 2019 أنها تفكر في استكمال المشروع، لكن عملها انحصر في المرحلة التالية بالاكتفاء بإثبات حقوق المكتتبين، وتنظيم معاملاتهم من دون تنفيذ أي أعمال إنشائية.  
وكانت المؤسسة العامة للإسكان التابعة لفرع حلب باشرت تشييد هذه الشقق السكنية عام 2005 لكنها لم تكمله بعدما خرجت محافظة إدلب عن سيطرة النظام، واستولت عليه فصائل سمحت بإيواء مهجرين في شققه.
وبعدما قدم عدد كبير من أصحاب الشقق مراجعات في الملف، اتخذت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام خطوات أولية لمتابعة المشروع الذي لم يكن قد أنجز، وجرى تخصيصه للمكتتبين حين خرج النظام من المحافظة. وشملت الخطوات توجيه إنذارات بالإخلاء لمهجرين استولوا على الشقق، وإطلاق عملية إثبات ملكية المكتتبين من خلال مطالبتهم بمراجعة مديرية الإسكان والإعمار، أو إرسال وكلاء عنهم مزودين بالأوراق الثبوتية والهويات الشخصية الخاصة بهم.
يقول حسن السيد الذي كلفته مجموعة من المكتتبين بتمثيلها في مفاوضات أجريت مع مسؤولي مديرية الإسكان التابعة لحكومة الإنقاذ، لـ"العربي الجديد": "راجعنا مديرية الإسكان والتعمير التابعة لحكومة الإنقاذ لاسترجاع بيوتنا التي دفعنا أقساطها من لقمة عيشنا لمدة أكثر من 6 سنوات، بهدف الحصول على الشقق التي حلمنا لسنوات بامتلاكها، لكن أشخاصاً آخرين استولوا عليها من دون أن نمنح الحق القانوني بإخراج أي منهم بحجة عدم تخصيص شققنا خلال أيام سيطرة النظام".
يتابع: "طالبتنا مديرية الإسكان في البداية بتقديم أوراق تثبت اكتتابنا الشقق، وقيمة المبالغ التي دفعناها، وهو ما فعلناه، ثم فتحت هذه المديرية مجموعة واتساب للمكتتبين الذين شكلوا بدورهم لجنة لمتابعة الموضوع، واتفقوا على أن كل من يستطيع المطالبة بالحقوق بطرق قانونية يجب ألا يتوانى عن فعل ذلك، ويذكر ذلك علناً في المجموعة كي يطلع جميع المكتتبين على مجريات ما يحصل".

ويوضح أن "مديرية الإسكان وعدتنا، بعدما راجعناها مرات، بمتابعة الموضوع وإضافة كل مكتتب جديد إلى قائمة الإثبات. وتمثل الوعد الأخير الذي حصلنا عليه في أغسطس/ آب الماضي، أي بعد انتهاء موعد قبول طلبات المكتتبين، وشمل تنفيذ إجراءات ميدانية لإخلاء المقيمين من مشروع السكن الشبابي ونقلهم إلى مشروع سكني مشيّد. ونحن سنلتقي قريباً مع ممثلين لمديرية الإسكان للاطلاع على الإجراءات التي نفذتها".
من جهته، يقول رئيس دائرة الإسكان العام، مجدي حاج موسى، لـ"العربي الجديد": "يتضمن مشروع السكن الشبابي قسمين أحدهما شمالي مدينة إدلب على طريق معرة مصرين قرب كلية الطب البشري حيث شيّدت سابقاً 500 شقة لا تزال في حالة الهيكل منذ عام 2005، والقسم الثاني عبارة عن أرض على طريق بكفلون جنوبي مدينة إدلب".

يصرّ مستولون على الشقق على أنهم فعلوا ذلك مجبرين (العربي الجديد)
يصرّ مستولون على الشقق على أنهم فعلوا ذلك مجبرين (العربي الجديد)

ويذكر أن الشقق تنقسم إلى ثلاث فئات بحسب رسم الاكتتاب وعدد الغرف، مشيراً إلى أن 436 من أصل 1532مكتتباً راجعوا حقوقهم، في حين انسحب بعضهم من المشروع. وشدد على أنه ستوضع آلية لاحقاً لمتابعة باقي تفاصيل المشروع.
وبالنسبة إلى ما حصل في مشروع السكن الشبابي في إدلب خلال مرحلة الحرب في سورية، جهّزت منظمة إغاثية سابقاً بعض الشقق لإيواء أكثر من 180 عائلة هجّرها النظام من مناطق مضايا والزبداني وريف حماه والغوطة الشرقية وغيرها، إلى مدينة إدلب، علماً أن عدد المهجرين فاق القدرة الاستيعابية للمنطقة خلال فترة الحرب.
أيضاً استولى بعض المهجرين على شقق أخرى في مشروع السكن الشبابي، من دون أن يراجعوا أصحابها كون شققهم غير مخصصة ما يعني أن المكتتبين لا يستطيعون مطالبتهم بأموال من أجل إخلاءهم منها، خصوصاً في ظل تردي الظروف الاقتصادية وفقدان العمل وغلاء الإيجارات، وتدني الأجور في حال توفر عمل في المنطقة.
يقول حسام (53 عاماً)، وهو من مهجري الغوطة الشرقية لـ"العربي الجديد": "استوليت مجبراً على شقة بعدما جئت من الغوطة الشرقية مع زوجتي وثلاث أطفال وأمي البالغة 79 من العمر إلى مدينة إدلب عام 2018. حينها لم أكن أستطيع دفع إيجار بيت في المدينة باعتبار أن تكلفة البيت تراوحت بين 50 و150 دولاراً، بينما بلغ متوسط دخل العامل في مدينة إدلب 75 دولاراً لم تكن تكفي لسد نصف الاحتياجات الضرورية للبيت. كما كان يصعب إيجاد منزل فارغ في تلك الفترة بسبب كثرة المهجرين الوافدين من مناطق سيطرة النظام. وبعدما مكثت مع عائلتي في جامع لأيام، أخبرني أحد أبناء المدينة بأنه يمكن أن أسكن مع عائلتي في مبنى غير مجهّز كان شيّد أثناء فترة سيطرة النظام، ولم يجر تسليم شققه لأصحابها، وذلك في انتظار إيجاد بديل، لأن هذا أفضل من العيش في الجوامع والمدارس والخيام إذا استطعنا الحصول عليها". 

أعلنت مديرية الإسكان وإعادة الإعمار في إدلب بدء إخلاء شقق (العربي الجديد)
أعلنت مديرية الإسكان وإعادة الإعمار في إدلب بدء إخلاء شقق (العربي الجديد)

يتابع: "جهّزت إحدى الشقق غير المكتملة بخزان ماء وباب خارجي، وأقمت سواتر في محيطها، وأنا أعيش فيها منذ سنوات على غرار مهجرين آخرين لم يستطيعوا العثور على بيت للإيجار، ثم بدأت حكومة الإنقاذ قبل أكثر من سنة بتوجيه إنذارات بإخلاء المنازل بزعم أن أصحابها يطالبون بحقوقهم، وهو أمر لا يمكن أن ننكره في أي حال، لكننا نظمنا تظاهرات للمطالبة بإيجاد بدائل لنا، وهو ما حصل مع عائلات مهّجرة أيضاً كانت تمكث في بيوت جهّزتها لهم إحدى المنظمات، والذين سيستفيدون من بناء المنظمة نفسها مجمعات سكنية خاصة بهم في مناطق عدة شمالي إدلب مثل كللي والكمونة ومشهد روحين تمهيداً لنقلهم للعيش فيها، في حين لا ينظر أحد إلى وضع باقي العائلات المهجرة".
وفي حديثه لـ "العربي الجديد" يؤكد مدير مديرية الإسكان وإعادة الإعمار عبد المنعم الحوت أن "المديرية تريد إنجاز مشروع السكن الشبابي الذي بدأته حكومة النظام السوري عام 2005، ولم ينته بسبب الحرب، وذلك بعد إخلائه من المهجرين من أجل إعادة البيوت إلى مالكيها".
يتابع: "من أهم شروط إعادة الاكتتاب وإثبات ملكية البيوت وجود أوراق رسمية مع المالكين تتضمن رقم الاكتتاب، وعدداً من الإيصالات المدفوعة من أجل تخصيصه وتسليم المساكن عند انتهاء مشروع البناء، واستكمال المالكين دفع باقي المبالغ المستحقة، وسيجري تخصيص البيوت على أساس أفضلية الدور المدونة في الدفتر". يتابع: "سيجرى تخصيص كل مكتتب راجع مديرية الإعمار، ويثبت جاهزية لإكمال المشروع".

وكانت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام أكدت ضرورة مراجعة مديرية الإسكان وإعادة الإعمار لاستكمال تقديم الأوراق الثبوتية المطلوبة من أجل حفظ حق المكتتبين في مشروع السكن الشبابي، وذلك خلال مدة زمنية حددتها بشهر واحد بدءاً من 8 يوليو/ تموز الماضي إلى 7 أغسطس/ آب الماضي، وذلك تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتخلفين، والتي تشمل إلغاء الاكتتاب نهائياً. وشددت الحكومة على أن "المدة المحددة في هذا الاعلان تعتبر بمثابة تبليغ شخصي وإنذار يفقد بعدها المكتتب حقه بالاكتتاب نهائياً".
ويشير الحوت إلى أن "لا خطة واضحة حتى الآن لاستكمال مشروع السكن الشبابي، ولم تحدد بعد قيمة الأقساط الجديدة التي سيكمل المكتتبون دفع مستحقاتها على شكل أقساط". 
يضيف: "جرى فتح 436 إضبارة للمكتتبين الذين راجعوا المديرية، وقدموا أوراقهم الثبوتية خلال الفترة المحددة للإعلان، إما شخصياً أو من خلال موكلين أرسلوهم إلى المكتتبين الذين يقيمون خارج البلاد، أو في أماكن سيطرة النظام. وحالياً يجري إخلاء الشقق تدريجاً، وسيجري استكمال المشروع وتسليمه للمكتتبين الذين أثبتوا ملكيتهم للبيوت بعد دفع المالكين كل المستحقات والأقساط". 

المساهمون