مصر: نقص وأسعار غير عادلة للأدوية

17 يناير 2024
يعجز الصيادلة في مصر عن تأمين الأدوية للمرضى (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

في أحد المشاهد المؤلمة لمعاناة المواطنين المصريين من نقص الأدوية، سار جابر بسيوني (65 سنة) ببطء وصعوبة بين أزقة ضيّقة في ظل الجو البارد وتساقط الأمطار على المارة في شوارع الإسكندرية (شمال). عكس وجهه المتعب ألمه، وتتدفق دموع الحزن من عينيه البائستين خلال بحثه بلا كلل في الصيدليات عن أصناف أدوية يحتاجها لعلاج قلبه المريض وشرايينه المتضخمة.
وكلما كان جابر يصل إلى صيدلية جديدة كان يتلقى الرد اليائس بأن الأدوية التي يطلبها غير موجودة. وبعدما بحث عن هذه الأدوية في الصيدليات الكبيرة والميادين العامة والشوارع الرئيسية، نصحه طبيب بالتوجه إلى صيدليات صغيرة في أزقة وحارات، لكن بلا جدوى أيضاً، فجلس على أحد الأرصفة المبللة بمياه المطر ووضع وجهه بين كفيه المتعبتين وأجهش بالبكاء لإحساسه بأنه فقد الأمل وبأن لا شيء يعوّض معاناته اليومية.

يقول صلاح السرجي، وهو مدير صيدلية بوسط الإسكندرية، لـ"العربي الجديد": "نشعر كصيادلة بإحباط شديد بسبب استمرار نقص الأدوية ومعاناة أصحاب الأمراض الخطيرة والمزمنة من فقدان أدوية محلية وأصناف تساهم في إنقاذ الحياة، ما يجعلنا عاجزين عن تلبية الاحتياجات الحيوية للمرضى وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم. أزمة نقص وارتفاع أسعار أدوية ومستلزمات طبية كثيرة حقيقية ومستمرة، وتؤثر على ممارساتنا المهنية كصيادلة ودورنا في محاولة مساعدة المرضى وتوفير العلاج اللازم لهم، وفعلياً ارتفعت الأسعار كثيراً بسبب انعدام مراقبة منظومة الدواء".
ويقول نقيب الصيادلة بالإسكندرية، محمد أنسي، لـ"العربي الجديد": "لا يوجد رقم محدد للأدوية التي قلّ عددها في السوق، في حين نحاول حلّ المشكلات من خلال أصناف بديلة، علماً أن النقص يشمل أصنافاً مختلفة ترتبط غالبيتها بأدوية القلب والسكر والغدة الدرقية وبعض أمراض الأورام والدم، وأيضاً بأمراض مناعية، أما الأكثر صعوبة فنقص المستلزمات الطبية التي تسببت في تأجيل عمليات جراحية حيوية".
ويطالب أنسي بأن "تشجع الدولة شركات الأدوية على العمل مجدداً، ومساعدتها في مواجهة صعوبات الإنتاج بعدما طغت مشكلات نقص عملة الدولار على كل الأزمات التي يعاني منها سوق الدواء في مصر، وأيضاً بمنح شركات الأدوية الحيوية أولوية لتعزيز فرص الإنتاج، وضبط منظومة الأسعار عبر تقديم سعر عادل للدواء من أجل الحفاظ على صحة المواطنين وتوفير الدواء بأنواع وكميات كبيرة".
ويؤكد رئيس جمعية "الحق في الدواء"، محمد فؤاد، وجود نقص في أنواع الأدوية والكميات وارتفاع أسعارها الذي يشكل عبئاً على المواطنين الذين يشتكون أيضاً من عدم وجود تأمين صحي، ويقول لـ"العربي الجديد": "تفاقمت الأزمة في الفترة الأخيرة بعدما ألقت أزمة شح الدولار وتذبذب أسعار العملات الأجنبية ظلالها على صناعة الدواء في مصر التي تعتمد على استيراد نسبة 95 في المائة من المواد الخام التي تحتاجها شركات الأدوية. وخلق ذلك مشكلة حقيقية لدى المرضى بسبب فقدان أكثر من 2000 صنف دواء محلي بعضها مصنّفة بأنها منقذة للحياة، مثل تلك المخصصة لمعالجة الأورام وأمراض الغدد والدم والصرع، كما انتهت صلاحية كمية كبيرة من الأدوية التي أصبحت مصدر خطر".
ويتحدث عن ارتفاع أسعار أكثر من 2000 صنف دواء بنسب تجاوزت 90 في المائة في الأشهر الأخيرة، واختلاف أسعار أصناف بين مكان وآخر، وترويج ما يعرف بالدواء المزيف أو المغشوش الذي يجري بيعه عبر قنوات غير رسمية أو على مواقع التواصل الاجتماعي بأسعار مضاعفة، ما يزيد معاناة المرضى ويُضر بسمعة صناعة الدواء في مصر.
ويذكر فؤاد أن "الحكومة لا تقدم حلولاً واقعية أو نتائج ملموسة لمعالجة مشكلة انكماش الصناعة المحلية بسبب تراجع الاستيراد، ويكتفي مسؤولوها بإطلاق تصريحات عامة عن توطين صناعة الدواء، وإقامة مدينة للدواء، وترك السوق للشركات الأجنبية كي تستفرد بالصناعة، أو للقطاع الخاص الذي يريد تحقيق أرباح بأي وسيلة".
ويشير إلى أن "مصانع الأدوية تحتاج إلى مبلغ يراوح بين 200 و300 مليون دولار شهرياً لشراء مواد خام، في حين قد لا يتوفر نصف هذا المبلغ من العملة الصعبة، ما يدفع الشركات إلى تقليص إنتاجها أو تخفيض العمالة اللذين ينعكسان أيضاً على سوق الدواء المحلي الذي يوفر نحو 80 في المائة من الأدوية في السوق، في مقابل استيراد 20 في المائة فقط بالكامل، وكلاهما يتأثران بتفاقم أزمات الدولار".

على رأس الأدوية التي تعاني من نقص تلك للقلب والعظام (خالد دسوقي/ فرانس برس)
على رأس الأدوية التي تشهد نقصاً تلك المخصصة للقلب والعظام (خالد دسوقي/ فرانس برس)

إلى ذلك، تتواصل الضغوط على الحكومة للتصدي لنقص أدوية مهمة عدة، خاصة تلك التي يحتاجها أصحاب الأمراض المزمنة، وطالب نواب بتوفير الأدوية الناقصة والسيطرة على ارتفاع الأسعار الذي وصلت نسبته إلى 200 في المائة في بعض الأصناف، ودعوا الحكومة إلى التحرك بسرعة لمعالجة الوضع.
وأوضح الدكتور أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة في مجلس النواب، أن "البرلمان تلقى شكاوى عدة من المواطنين عن نقص أدوية ومستلزمات طبية عدة في الأسواق، فطالب نواب الحكومة بتقديم توضيحات، علماً أن أكثر من 80 في المائة من الأدوية تُصنع في مصر، لكن الأزمة تكمن في المواد الخام واستيرادها بالدولار. وعلى رأس الأدوية التي تشهد نقصاً تلك المخصصة للقلب والعظام".
وطالب أشرف الحكومة باتخاذ إجراءات فورية لتوفير الأدوية الناقصة ومنع المضاربة في الأسعار، "فالأدوية الناقصة تشكل مصدر قلق للمصابين بأمراض مزمنة"، ومن الضروري تنسيق توفير عملة الدولار للمستلزمات والأدوية المختلفة، وتوفير متطلبات استمرار مصانع الأدوية في العمل والإنتاج".
أيضاً طالب نواب بأن تضع الحكومة آليات لمراقبة وتنظيم أسعار الأدوية، وضمان توفيرها للجميع. وقدمت النائبة أرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، طلباً لتوضيح مسألة نقص الأنسولين في صيدليات الهيئة العامة للتأمين الصحي، وأبدت قلقها العميق من تأثير النقص على حياة المرضى، وعلى حقهم في الحصول على عناية صحية كافية، و"هذه القضية تحتاج إلى استخدام الأدوات الرقابية في مجلس النواب للضغط على الحكومة وتحفيزها من أجل اتخاذ إجراءات عاجلة، وتنفيذ إجراءات سريعة لتوفير الأدوية الحيوية وتخفيض الأسعار".

وقال النائب أيمن محسب إن "الأدوية والمستلزمات الطبية تشهد نقصاً كبيراً داخل المراكز الطبية الحكومية، وهو ما أرجأ عمليات جراحية في بعض المستشفيات، والحكومة تتحمل جزءاً من الأزمة لأنها لا تساعد في تقديم أسعار عادلة للأدوية، وبعدما كانت تملك ترسانة صناعية قوية للأدوية تابعة لقطاع الأعمال وتخضع لإدارة الشركة القابضة لم تعد تسيطر إلا على عدد قليل من الشركات غير المؤثرة في السوق".
وطالب محسب بسرعة الإفراج عن المواد الخام والأدوية والمستلزمات الطبية وزيادة المخزون الاستراتيجي للأدوية من 6 إلى 12 شهراً بدلاً من 3 إلى 6 أشهر حالياً كي تتجنب الدولة مخاطر التقلبات الخارجية، وأيضاً بتوسيع توطين التصنيع المحلي، ومحاولة جعل مصر مركزاً إقليمياً عالمياً لصناعة الدواء بهدف الاستثمار والتصدير ودعم اقتصاد الدولة.

المساهمون