لم ينقطع شَغف عائلة الفلسطيني إبراهيم مقداد، من منطقة النصيرات، وسط قطاع غزة، بعصر الزيتون، مع بداية موسمه السنوي، على الحجارة الضخمة، التي تُنتج زيتا صافيا، طَيّب الرائحة، ولذيذ المذاق.
ولا تزال العائِلة متمسكة بإرث الأجداد المتمثل في عصر الزيت بالطريقة البدائية، والتي تتم بشكل أساسي من خِلال استخدام الحِجارة في هرس الزيتون، واستخراج الزيت الصافي، عبر عملية إنتاجية تمُر بعِدة خطوات ومراحل، تعتمد بشكل أساسي في معظمها على العمل اليدوي.
ويقول أفراد العائلة، إن عَصر الزيت بالطريقة البدائية، والحجارة الطبيعية، يُعطي نتائج أفضل من النتائج التي يُعطيها العصر بالمعاصر الحديثة، إذ يتم إنتاج زيت أكثر جودة، وبمواصفات صحية أعلى.
ويستغل القائمون على المشروع القديم موسم قطف الزيتون، والذي يبدأ في فلسطين خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كُل عام، لمُضاعفة عملهم في عصر وإنتاج الزيت، إذ يقطف الفلسطينيون الزيتون، ويتجهون لعصره، وتخزين كميات الزيت لاستخدامها على مدار العام.
ويتعاون الشاب محمد مقداد مع قريبيه أحمد وعبد الله في هرس الزيتون وتمريره إلى المكبس لعصر الزيت منه، عبر عملية إنتاجية اعتادوا عليها منذ الصِغر، وقد باتوا يتقنونها.
ويوضح مقداد لـ "العربي الجديد" أنهم شبوا على حُب هذه المهنة، التي تتشارك فيها العائلة، وتعتبر من المِهن التراثية القديمة، البعيدة عن تعقيدات الآلات الحديثة، والتي لا تُنتِج الزيت بالمواصفات الأصيلة، التي اعتادوا عليها.
وتفوح رائحة الزيت من المعصرة التي يضُج فيها العمل، بينما ينشغل كل من العُمال بزاويته، يقوم الأول باستلام كميات الزيتون ووزنها وغسلها تجهيزا لهرسها، فيما يقوم الآخر بهرسها على الحجارة، وتسليمها لعامل آخر، يقوم بتمرير الخلطة لعصرها، ويقوم عامل أخير بتنظيف القفف من "الجِفت"، وهو تفل، وبقايا الزيتون، بعد استخراج الزيت منه، حيث يتم تجميع الكميات، والتي يُمكن كبسها في ما بعد عبر مكابس خاصة، واستخدامها كبديل عن الحطب في التدفئة خلال فصل الشتاء.
ويقول صاحب معصرة الحجر إبراهيم مقداد لـ "العربي الجديد"، إن عائلته ورثت المعصرة عن الآباء والأجداد، والذين عملوا في عصر الزيتون على الحجر منذ عشرات السنوات، وقد تم تجديدها عام 2003، وتطوير بعض الأدوات الموجودة فيها، إلا أنها ما زالت مُحتفظة بالفكرة الأساسية، والتي يلعب فيها الحجر الدور الرئيس.
ويوضح مقداد أن الأبناء والأحفاد تداولوا العمل في المعصرة، حفاظًا على المهنة التراثية القديمة، والتي تُنتِج زيت زيتون بجودة عالية، ولون ورائحة وطعم أفضل من المُنتجات الصناعية والتجارية. ويقول: "نهتم بصناعة الزيت على أصوله، بدون أي تغيير، فيما يتميز الزيت بأنه معصور على البارِد، أي بدون ماء ساخن، ما يُبقيه محتفظا بخواصه الطبيعية، وفوائده الداخلية، من الأحماض والأنزيمات والتركيبة الأصلية بشكل كامل".
وتمرّ عملية عصر الزيتون على معصرة الحجر عبر سلسلة خطوات، تعمد بشكل أساسي على الأيدي العاملة، والآلات القديمة، والتي تعمل على الكهرباء، أو المولدات الكهربائية، حيث يتم قطف الزيتون من المزارِع، ومن ثم وزنه وتسجيله، وبعد ذلك يوضع في حوض معدني كبير، ويتم نقله عبر جسر ناقل إلى الغسالة لغسله وتنقيته من الأوراق والشوائب، وتوجيهه إلى حوض تجميع، تمهيدا لنقله إلى الطحن داخل حوض كبير، يضم حجارة ضخمة تدور بشكل يشبه دوران الساقية.
بعد هرس كمية الزيتون وعجنها، يتم توجيه العجينة المهروسة إلى حوض آخر، يقوم بسكب العجينة بشكل دائري على قفف مفرودة، بكميات محددة ومحسوبة، وتصفيف ورص القفف فوق بعضها البعض، ونقلها إلى المكبس، لكبسها وعصر السوائل منها، فيما يتم نقل الناتج عن المكبس من زيت وماء إلى الفرازة، والتي تقوم بفرز الماء عن الزيت، وتعبئته في أوعية، تحضيرا لبيعه أو تخزينه.
وينتعش العمل في المعصرة البدائية مع انطلاق موسم قطف الزيتون، والذي يبدأ مع اقتراب انتصاف شهر أكتوبر/تشرين الأول، وبداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني، من كل عام، والذي تشهد فيه فلسطين حالة نشطة لعصر الزيتون بمختلف الطرق، وتعتمد على الموسم شريحة من المواطنين في خلق مصادر دخل موسمية ومؤقتة.