فتحت قضية رفض معهد القضاء الأردني في يوليو/ تموز الماضي توظيف الدكتورة في القانون تقى المجالي التي تعاني من إعاقة بصرية، الباب واسعاً لتسليط الضوء على التحديات التي يواجهها ذوو الإعاقة في الحصول على عمل، ونيل حقوق أخرى.
لم يشفع امتلاك تقى شهادات عليا وحصولها على تقدير امتياز في شهادة البكالوريوس قبل 9 سنوات، وأيضاً شهادة الدكتوراة قبل عام، علماً انه سبق أن تعرضت لعدم إنصاف واضح عبر استبعادها من وظائف كثيرة تقدمت لها لمجرد أنها كفيفة.
وكان معهد القضاء استبعد تقى من امتحان المنافسة بحجة "عدم توفيرها شرط اللياقة الصحية للتقدم بطلب التوظيف"، ما يشير بوضوح إلى إعاقتها.
تقول تقى لـ"العربي الجديد": "ليست مشكلة ذوي الإعاقة مضمون القانون الخاص بحقوقهم الصادر عام 2017، فهو شبه مثالي نظرياً بالنسبة إليهم، لكنه يفتقد الآليات الصارمة والقوية لوضعه قيد التنفيذ". كما تلفت إلى خلل في نظرة المجتمع لذوي الإعاقة التي تعتبرهم "ضعفاء وغير قادرين على أداء المهمات الموكلة إليهم".
تضيف: "أملك خبرة 8 سنوات في العمل لحساب منظمات دولية في مجال التدريب على حقوق الإنسان، وحصلت على جوائز عالمية في كتابة المقالات، لكن عندما أقدم سيرتي الذاتية للحصول على عمل، أفاجأ بردود فعل سلبية خلال المقابلة الشخصية بسبب إعاقتي، فأصحاب عمل كثيرون يعتقدون بأن ذوي الإعاقة غير قادرين على الإنتاج، ويخشون مواجهة عقبات في التأهيل، رغم أنها غير مكلفة".
وتلفت إلى "مشكلة عدم وجود رقابة كافية على تطبيق القوانين، خاصة في إجراءات الشركات الكبيرة التي تخلت عن ذوي الإعاقة أو تحصر وجودهم في عدد محدود جداً".
"عندما علموا أنني كفيفة"
وتشرح أن "هناك مشاكل وصعوبات كبيرة في التعيين عبر ديوان الخدمة المدنية المسؤول عن تعيينات الوظائف الحكومية، فنظام الديوان يدرج ذوي الإعاقة ضمن الحالات الإنسانية التي تشترك مع حالات أخرى، مثل الأرامل والمطلقات والأسرة التي تضم أكثر من ثلاثة خريجين عاطلين من العمل، وأولئك الذين يتلقون معونات وطنية، والتنافس على وظائف الحالات الإنسانية يشمل نسبة 6 في المائة من الشواغر فقط، في حين يحرم الابتعاد عن المنافسة العامة ذوي إعاقة كثيرين من التوظيف".
وترى أن مبدأ تكافؤ الفرص يحتم تمييز ذوي الإعاقة الذين "يبذلون جهوداً مضاعفة في الحياة العملية اليومية، علماً أن شروط القبول في المعهد القضائي تنطبق علي. والمسؤولون لم يعلنوا أنني خارج المنافسة إلا عندما علموا أنني كفيفة، لذا أفكر باللجوء إلى القضاء الإداري للحصول على حقي، فأنا لا أبحث عن وظيفة فقط بل عن حقي وحق كل صاحب إعاقة، وإذا لم أدافع عن ذلك بصفتي حقوقية، فكيف يفعل ذلك آخرون من ذوي الإعاقة الذين لا يملكون ثقافة قانونية، والصبر لنيل حقوقهم".
وتعتبر تقى أن "الخلل الأساس الذي يواجهه ذوو الإعاقة يتمثل في المجتمع الذي يمارس التنميط". وتشير إلى أن "بعض الأسر في المجتمع الأردني تخفي أبناءها المعوقين، ولا تخرجهم من المنزل إلا مرات قليلة إحداها للحصول على إعفاء جمركي للمركبات. وينكر البعض وجود أصحاب إعاقة في الأسرة لدى إحصاء عدد السكان خوفاً من الوصمة".
تضيف: "يحاول أفراد في المجتمع مساعدة ذوي الإعاقة أحياناً، لكن آخرين قد يجرحونهم بحسن نية، وهم لا يشكلون في كل الأحوال أولوية للمؤسسات والهيئات الحكومية".
وتكشف أرقام دائرة الإحصاءات العامة أنّ نسبة الأردنيين من ذوي الإعاقة تبلغ 11.2 في المائة من السكان، بينهم 11.7 في المائة من الذكور، و10.6 في المائة من الإناث. وتعتبر الإعاقة البصرية الأكثر انتشاراً بنسبة 6 في المائة، ثم الحركية بنسبة 4.8 في المائة، والسمعية بنسبة 3.1 في المائة.
"مجرد تعليمات على الورق"
ويقول الناطق الإعلامي لحملة "ابني" التي تهتم بحقوق ذوي الإعاقة، أنس ضمرة لـ"العربي الجديد": "نظم قانون عام 2017 كل حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومنها العمل، ورفض عدم توظيف ذوي الإعاقة بسبب إعاقتهم باعتباره تمييزاً وعنفاً يجرّم مرتكبيه، ويصنفهم كونهم مرتكبي مخالفات".
ويعلّق على قضية تقى بأنها "تملك كل المؤهلات المطلوبة في شروط وظيفة معهد القضاء، والقانون يؤكد أن الإعاقة لا تمنع اعتبار الشخص لائقاً للعمل والتعليم، لأن الإعاقة لا تعني أن الشخص لا يملك المؤهلات واللياقة الصحية والقدرة على العمل".
ويتهم ضمرة المعهد القضائي التابع للدولة بـ "خرق القانون في قضية وطنية ترتبط بحقوق ذوي الإعاقة"، ويشدد على أن "معركة العمل هي معركة وعي بالقانون الموجود فيما ترتبط الإشكالية بعدم وجود رقابة كافية".
ويخبر أنه حاول شخصياً البحث في مجموعة قضايا تتعلق بذوي الإعاقة والمخالفات التي ارتكبتها وزارة العمل في هذا الشأن بين عامي 2017 و2021، واكتشف أن المخالفات المسجلة تقتصر على واحدة فقط، في حين جرى التستر على غالبيتها، "ما يعني أن القانون الجيد أصبح مجرد تعليمات على الورق".
ويرى ضمرة أن "ملف ذوي الإعاقة ليس ضمن أولويات الحكومة، سواء في العمل أو التعليم أو الصحة، فهي لا تريد إغضاب المستثمرين بتطبيق نسبة التشغيل المحددة لذوي الإعاقة في المؤسسات والمشاريع، وتتستر على مخالفات هذه المؤسسات في عدم تطبيق القوانين. ومن المشاكل الكبيرة أيضاً عدم تهيئة المؤسسات للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة كمراجعين أو موظفين. وعلى سبيل المثال، أصرّ المعهد القضائي على أنه غير مهيأ للتعامل مع حالة تقى، علماً أن لا وجود لمترجم لغة الإشارة في غالبية المؤسسات، ولمرافقة صحية مناسبة. وهكذا تستخدم مؤسسات كثيرة حجة عدم التهيئة لعدم تشغيل ذوي الإعاقة".
ويشير إلى أن "ديوان الخدمة المدنية ساهم في إقصاء الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، إذ لم يوفر لهم امتحان كفاءة مصمما بلغة بريل، ما يتناقض مع المادة الرابعة من نظام الخدمة المدنية التي تركز على تكافؤ الفرص، وعدم التمييز".