- العائلات واجهت صعوبات في التعرف على الجثامين، وعملت الجهات الصحية على استخراج وإعادة دفن الجثث بشكل لائق، بينما تعبر والدة الشهيد عن حزنها وعدم معرفتها بمصير جثمان نجلها.
- رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان يطالب بتحرك دولي للتحقيق في الجرائم المرتبطة بالمقابر الجماعية والعشوائية في غزة، داعيًا إلى تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في ظروف إقامة هذه المقابر وملابسات قتل الضحايا.
لا تعلم أسرة الشهيد جهاد العمرين (33 سنة) مكان جثته، هو الذي استشهد خلال الاقتحام الإسرائيلي لمجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة قبل أسابيع، إذ بقيت الجثة في المشرحة قبل أن تدفن في ساحة المستشفى مع عشرات الشهداء. وكشفت الجهات الصحية خلال الفترة الأخيرة عن مقابر جماعية أنشأها الاحتلال الإسرائيلي، ولا سيما في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة ومجمع ناصر الطبي بمدينة خانيونس، بالإضافة إلى مقابر عشوائية أخرى.
وعُثر في هذه المقابر على جثث متحللة لبعض الشهداء، بالإضافة إلى أشلاء، عدا عن جثامين بلا أعضاء. ويبدو أن الاحتلال عمد إلى سرقتها. من جهة أخرى، وبعد تفحص بعض الجثث، ظهر أن الاحتلال دفن عدداً منها أحياء. وبالتوازي مع ذلك، وجدت العائلات التي استشهد أبناؤها صعوباتٍ بالغةً في التعرف على الجثامين نظراً إلى التشوهات في الوجوه أو الجثامين نفسها واختلاف الملابس التي كانوا يرتدونها بسبب طول فترة العمليات العسكرية.
وعمدت الجهات الصحية الحكومية بالاشتراك مع جهات دولية وأممية، إلى استخراج الجثث للتأكد من أصحابها وإجراء الفحص الظاهري لها، ثم إعادة دفن من يتم التعرف عليهم في مقابر رسمية، أو وضع علامات معينة تمكن العائلات لاحقاً من معرفة أصحاب هذه الجثث.
وفي بعض الحالات التي كان لا يتم التعرف على أصحاب هذه الجثامين، كان المتطوعون يكتبون لافتات على القبور تتضمن كلمات: "شهيد مجهول يرتدي سترة" مع الإشارة إلى تفاصيل قد تساهم في معرفة أصحابها. وتقول سهى الشريف، وهي والدة الشهيد جهاد العمرين، إنها لا تعرف مصير جثمان نجلها منذ استشهاده، إذ تضاربت الروايات بشأنه نظراً إلى اقتحام المستشفى مرتين وعدم دفنه في المقابر كما هو معتاد. تضيف الشريف لـ "العربي الجديد" أن نجلها الذي تربى يتيم الأب كان يعمل في مهنة الحلاقة ومتزوج وله طفلتان تعاني الكبرى بينهما التوحد في حين أن الثانية لا تبلغ من العمر سوى عام ونصف العام، وقد عاش ظروفاً صعبة.
وتشير إلى أن العائلة فقدت منزلها في الفترة الأولى للحرب الإسرائيلية المتواصلة للشهر السابع على التوالي، ما اضطرها إلى النزوح نحو الجنوب وتحديداً مدينة رفح، وبقي الشهيد في مدينة غزة خلال الفترة الماضية. وتوضح أن العائلة تأمل أن يكون جثمانه قد نقل مع الجثث التي تم الكشف عن هويتها والتعرف عليها خلال الفترة الماضية.
أما أم محمد زيدان، فاستطاعت التعرف على جثة نجلها الذي استشهد في مجمع ناصر الطبي ودفن ضمن المقابر الجماعية داخل المجمع من سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية. وتقول لـ العربي الجديد" إنها بحثت عن الجثمان في مهمة شاقة للغاية، وأحضرت الورود والعطور لرش الجثمان بهما بعدما دفن فترة طويلة في المقبرة الجماعية، وتعرضت الجثة لبعض التغيرات. وتشير إلى أن أحلامها بتزويج نجلها قبل الحرب الإسرائيلية على غزة تبخرت بعد استشهاده، وبات الحزن يخيم على العائلة في ظل النزوح من مكان إلى آخر وفقدانها لابنها والظروف السيئة التي تعصف بها.
أما الشاب الفلسطيني أحمد الخطيب، فيتحدث لـ "العربي الجديد"، خلال وجوده مع عشرات الشبان الذين تطوعوا لاستخراج الشهداء ودفنهم، عن الحالة الصعبة التي كانت عليها الجثث وتحلل العديد منها. ويقول إن بعض الجثث كانت مكبلة اليدين، ويبدو أنه تم إعدام أصحابها ميدانياً من جنود الاحتلال الإسرائيلي، علاوة على تحلل البعض الآخر وتحولها إلى عظام، يضاف إلى ما سبق الرائحة كريهة بفعل الدفن العشوائي.
ويشير إلى أن بعض الجثامين كانت متراكمة بعضها فوق بعض، ما سبّب عدم معرفة أصحابها أو إطالة فترة التعرف عليها على اعتبار أن المقابر لم تكن منظمة، وكان الاحتلال يدفن الجثث عشوائياً من دون اكتراث بأصحابها.
إلى ذلك، يطالب رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده، بتحرك دولي فوري للتحقيق في الجرائم المرتبطة بوجود مئات المقابر الجماعية والعشوائية في قطاع غزة، والتي تضم جثامين آلاف الضحايا الفلسطينيين منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي المتواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023. ويقول لـ "العربي الجديد" إن حجم المقابر وعدد الجثامين التي انتشلت، وتلك التي لم تنتشل بعد، مُفزع ويستوجب تحركاً دولياً عاجلاً يشمل تشكيل لجنة دولية مستقلة للتحقيق في ظروف إقامة هذه المقابر وملابسات قتل الضحايا الذين دفنوا فيها، في ظل وجود دلائل حول تعرض العديد منهم للقتل العمد والإعدامات التعسفية والخارجة عن نطاق القضاء بشكل مباشر وهم معتقلون ومقيدو الأيدي.
يضيف أن ظروف دفن هؤلاء تتطلب تشكيل لجنة فنية من خبراء لمعاينة الضحايا الذين يتم انتشالهم، والتحقيق في سبب مقتلهم، ووضع نظام يتيح إمكانية التعرف على هوياتهم حالياً أو في المستقبل. وانتشلت فرق الدفاع المدني مئات الجثامين من مقابر جماعية في مجمع ناصر الطبي. وسبق ذلك انتشال مئات الجثامين من مجمع الشفاء الطبي، وتشكل هذه المقابر صفحة سوداء في سجل الانتهاكات التي اقترفتها القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبحسب عبده، وثقت فرق المرصد انتشال عشرات الضحايا من المقابر الجماعية في مجمع الشفاء الطبي، وعاينت استخراج جثامين ضحايا مقيدي الأيدي وآخرين جرحى لم تقدم لهم الرعاية الصحية، وجرى إعدامهم رغم حالتهم الصحية.
ووثق الفريق الميداني للأورومتوسطي استخراج جثامين لبعض المرضى، بدليل وجود قسطرة بول أو جبائر كانت لا تزال متصلة بجثامينهم وقت استخراجها، فضلاً عن وجود ملفات طبية خاصة بالجرحى والمرضى دفنت معهم واستخرجت من حفرتين في مجمع الشفاء الطبي.
من جهته، يقول نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان لقطاع غزة "ديوان المظالم"، جميل سرحان، إنه مع مرور الوقت تظهر للعالم بشاعة جرائم الاحتلال، وقد تم الكشف عن مقابر جماعية تضم جثامين من جميع الفئات العمرية في مجمع ناصر الطبي. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن شهادات شهود عيان توضح أن الكثير من هذه الجثامين كانت لأشخاص عراة ومقيدة أيديهم إلى الخلف، أو مقطوعة الرأس، وهناك أجساد بدون جلود، وهناك شبهات سرقة أعضاء وجثث متحللة ومشوهة بطريقة غير طبيعية وفي حاجة إلى تحقيق لمعرفة أسباب تحللها و/أو تشوهها بهذا الشكل.
ويشير إلى أنه تم انتشال أكثر من 283 جثماناً من مختلف الفئات العمرية من ثلاث مقابر جماعية، في حين لا يزال نحو 500 شخص في عداد المفقودين ويُخشى أن يكون مصيرهم المقابر الجماعية. وبلغ عدد المختفين قسراً نحو 2000 مواطن.
ويلفت إلى أن هناك قرابة 10 آلاف شخص في قطاع غزة لا يزالون في عداد المفقودين ولا يعلم أحد شيئاً عن مصيرهم في خضم الحديث عن الدمار الهائل الذي يحدثه القصف الجوي والبحري والبري من جيش الاحتلال في المباني والطرقات، وعدم قدرة الدفاع المدني على الوصول وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض بسبب تدمير المعدات وتهالكها وقلة ما تبقى منها.
من جهته، يؤكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة لـ "العربي الجديد"، أن هناك أكثر من 700 مفقود منذ انسحاب جيش الاحتلال من مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس جنوبي القطاع. يضيف أنه تم اكتشاف ثلاث مقابر داخل مجمع ناصر الطبي، وجرى انتشال 392 شهيداً منها، وسيتم انتشال بقية جثامين الشهداء الموجودين في المقبرتين المتبقيتين خلال الفترة المقبلة.
ويشير إلى أن من بين الجثامين التي تم انتشالها أطفال، بالإضافة إلى جثامين قام الاحتلال بربط أيديهم وأقدامهم. وهناك اعتقاد بأنه جرى دفن عدد منهم أحياء. وقد أطلق النار على بعض الشهداء بين عيونهم. يتابع أن الجثامين كانت مدفونة على عمق يتراوح ما بين مترين إلى ثلاثة، ما يعكس نية الاحتلال إخفاء معالم هذه الجريمة والتهرب منها على المستوى الدولي والعالمي. وبحسب الثوابتة، كان عدد من الجثامين في أكياس بلاستيكية مكتوب عليها باللغة العبرية، وهو ما يؤكد أنه من دفن هذه الجثامين، علاوة على وجود جثث من دون رؤوس وبعضها مقطعة الأيدي ومن دون جلود.