مكاسب الكارثة

02 اغسطس 2024
ما بعد فيضانات السودان عام 2023 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الكوارث الطبيعية والحروب تترك آثاراً مدمرة، لكنها قد تحمل فوائد بيئية غير متوقعة، مثل استعادة الغابات والحياة البرية بعد توقف الأنشطة البشرية الضارة.
- بعد حرب الجنوب في 2005، استعادت غابات جنوب النيل الأزرق عافيتها، وعادت الحيوانات والطيور إلى موائلها، مما يبرز أهمية وقف الأنشطة المدمرة للبيئة.
- برامج التوعية البيئية تساهم في ترسيخ مبادئ السلام والتعايش السلمي، من خلال ربط إفساد البيئة بإفساد الحياة، وتعزيز القيم الإيجابية عبر الأنشطة الثقافية والتعليمية.

تحدث الكارثة الطبيعية هنا وتمتد آثارها المدمرة بعيداً في الجغرافيا وعميقاً في التاريخ. لكن أن تحمل الكارثة آثاراً إيجابية، فهذا ما لا تتناوله الأقلام في العادة. غالباً ما يعقب الفيضانات دراسات، وخطط إعمار، وبرامج لدرء الآثار السالبة، مثلما حدث لدينا من تغيير ومراجعات هندسية للمباني وقنوات الري عقب فيضانات 1910 و1946 و1988. وبالمثل، عندما اندلعت الحرب في 15 إبريل/نيسان 2023، تحدث الجميع عن الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات، والموارد الطبيعية، ولم يذكر سوى القلة ما يمكن أن يجنيه البشر من الحروب، وما يمكن أن تكتسبه البيئة برغم خسائرها الفادحة، إلى جانب ما تخلفه الكارثة من وعي.
بعد توقف حرب الجنوب عام 2005، زرنا مناطق الكدالو في جنوب النيل الأزرق (الجنوب الشرقي للسودان)، ووجدنا أن الغابات استعادت أيام الحرب عافيتها بسبب توقف نشاط تجار الخشب. وحدثنا الأهالي هناك عن عودة أنواع عديدة من الحيوانات والطيور التي نزحت إثر التعدي على موائلها من الرعاة والمحتطبة، وأصحاب الأطماع في زراعة المساحات الواسعة من دون مسوغ قانوني، وتحت حماية المسؤولين العسكريين، بل إن معظمهم من العسكريين المتقاعدين وذويهم، وذلك تمهيداً لامتلاك تلك الأراضي فيما بعد، ولا عزاء للتنوع الأحيائي، ولا للسكان الأصليين.
أوقفت الحرب هذه الأنشطة، رغم أنها جاءت بأنشطة كثيرة مدمرة للبيئة، منها ما يمكن العمل على إزالته ضمن برامج استعادة الحياة، وبناء السلام.

موقف
التحديثات الحية

وعندما يكون الهدف ترسيخ قيمة، ورفض سلوك قائم، يبقى على من يملك الأدوات السعي إلى إحداث التغيير الذي يقوم على الاعتراف بوجود خلل، والشروع في غرس بذرة التخلّي عنه، ودفع الفئة المستهدفة إلى محاولة نزع ما في النفس من أفكار ومعتقدات معيقة للتقدم، وإحلال الأفكار السليمة محلها.
ومن بين البرامج المنفذة، عملنا على ترسيخ مبادئ السلام من المنظور البيئي. فحين كنا نتحدث عن إفساد الأنظمة البيئية كنا نهدف إلى مقاربة الأمر لدى من أزاحتهم الحرب من ديارهم، ليتم التأمل في العلاقة بين إفساد الحياة وإفساد البيئة. ففي برنامج تثقيفي يعتمد الأغنيات والمسرحيات القصيرة، والأطفال يرددون: "وجد الكون مخلوق موزرون، قبل دخول من يفسدون، قتلوا.. قطعوا.. هلكوا.. نزعوا"، وقفت إحدى الأمهات لتقول: "القتل تعدى الحيوانات المهددة بالانقراض إلى قتل البشر بكل أنواع الأسلحة. وتعدى القطع الغابات إلى قطع العلاقات بين المواطن ومؤسساته، وطال النزع الناس من بيوتهم، والأمن من النفوس، والطفل من صدر أمه". ووضح لنا جلياً أنه بالإمكان اختراق المجتمعات المختلفة إثنياً برسالة التعايش السلمي، وضمان قبولها لدى الكثيرين. إذ "ماذا تقول حين تجد ابنتك مع الأطفال في الشارع يرددون ما يذكرك بقيم المحبة والسلام ورفض العنصرية وحماية البيئة؟" كما عبّر أحدهم.
(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون