مكتبة الأمة... صرح ثقافي لافتخار للرئاسة التركية

حين تسأل من أين جلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان النسخة الأصلية لرسالة تهنئة الأمير عبد القادر الجزائري إلى السلطان العثماني عبد المجيد الأول، والتي حرص على إهدائها إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال زيارته الأخيرة لأنقرة، يأتي الجواب من مكتبة الأمة، وهو أيضاً جواب السؤال عن المصدر الذي وفّر الكتب النادرة التي منحتها أنقرة إلى 56 دولة، وتضمنت وتناولت تاريخ تركيا في مراحل ما قبل العثمانيين، وصولاً إلى ما بعد تأسيس جمهوريتها. 

وتشكل مكتبة الأمة مكان الاحتفاظ بالأرشيف العثماني والمخطوطات السرية والكتب النادرة، وتحتوي على 56 قاعدة بيانات متاحة للزوار، و550 ألف كتاب إلكتروني، و6 ملايين و500 ألف أطروحة إلكترونية، و120 مليون مقال وتقرير لـ 60 ألف مجلة إلكترونية، يستطيع المستخدم الاطلاع عليها بأحدث وأسهل الطرق، وبينها أيضاً تطبيقات للهاتف الخليوي.

والخبر الأحدث الخاص بمكتبة الأمة التي افتتحت في مجمع الرئاسة التركية بأنقرة عام 2020، وذلك بعد أربع سنوات من جمع الكتب وتشييد البناء المتميز، أن المكتبة بدأت في رد الجميل للدول التي ساندت ورفدت الصرح الثقافي التركي المهم بكتب ومخطوطات، وذلك من خلال إرسال ما وصفته بأنها "كنوز نادرة للمعرفة إلى 56 من أصل 108 دول في العالم كانت واكبت المشروع عبر إهداء مكتبة الأمة 10 آلاف كتاب ووثيقة وجدت في دول على امتداد السلطنة العثمانية".

وأعلن رئيس قسم مكتبة الأمة في الرئاسة التركية أيهان طوغلو في تصريحات إعلامية، أن "رد خطوات رد الجميل ليست إلا بداية لمبادرات أخرى ستتواصل في المستقبل بعدما ساهمت هذه الدول في جعل مكتبة الأمة واحدة من المكتبات الرائدة حول العالم على صعيد المحتويات والخدمات التي تقدمها، والأكبر في تركيا".

ويؤكد الحدث المتجدد ولع تركيا بالمكتبات وحرصها على استدامة عادات القراءة، والذي يدل عليه أيضاً اهتمامها بمشاريع تسيير مكتبات متنقلة في الشوارع، وتقديم كل عوامل الجذب، وبينها الطعام وخدمات مجانية للقراء والباحثين.

ويتحدث معهد الإحصاء التركي عن أن عدد المكتبات في البلاد بلغ 32.411 تشمل إلى المكتبة الوطنية، 1182 مكتبة عامة و610 مكتبات جامعية، و30.618 مكتبة تعليم رسمية وغير رسمية، من أجل استعادة جمهور القراءة والكتب، علماً أن عدد المسجلين في المكتبات ناهز 7.4 ملايين العام الماضي.

كتب

التحديثات الحية

"منسيّون وخاسرون" لـ تانير آي: ضحايا الأيديولوجيا في تركيا الحديثة

بين الإنجازات الخالدة

وفيما توجد مكتبة الأمة ضمن مجمع الرئاسة، تدأب الدولة منذ عامين على إدراج زيارتها ضمن برامج الوفود الرفيعة ورؤساء الدول للبلاد.

وتبلغ مساحة المكتبة 125 ألف متر مربع، وتتسع إلى أكثر من 5000 شخص، وتضم مليوني كتاب مطبوع، وملايين الدوريات والمخطوطات، وتعتبرها السلطات أحد رموز الافتخار بإنجازاتها خلال احتفال البلاد الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية العام المقبل.

ويرى أتراك كثيرون أن مكتبة الأمة بين المشاريع التي يسعى الرئيس أردوغان إلى تخليدها باعتبارها من الإنجازات الكبيرة التي واكبت فترة حكمه، إلى جانب تشييد المطار الجديد وجامع تشامليجا.

ويصف المتخصص في التوثيق والمكتبات ساميت الكياز، في حديثه لـ"العربي الجديد"، مكتبة الأمة بأنها "إنجاز القرن على الصعيدين العمراني والثقافي، وترجمة عملية لنقل واستعادة ثقافة القراءة التي بدأت تتراجع، خاصة بين فئات الشباب، بعد انتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال التي لا تكوّن ثقافة عميقة ومرجعية".

يضيف: "تتجاوز أهمية مكتبة الأمة كونها مكاناً يحتوي كتباً ووثائق ومخطوطات نادرة، فالقاعات التي تحتضنها تجعلها ملتقى لعقد الندوات والمؤتمرات. ووجودها ضمن المجمع الرئاسي، يحوّلها إلى صاحبة الوظيفة الأهم ضمن الصرح الكبير".

ويشير إلى أن اختلاف مكتبة الأمة وغناها الثقافي يرتبط أيضاً باحتوائها كتباً نادرة بـ134 لغة مختلفة وتقارير من 100 دولة، خاصة بمراحل توسع الإمبراطورية العثمانية في دول المشرق والمغرب.

ويتحدث الكياز عن وجود أكثر من 32 ألف مكتبة بين وطنية وعامة وجامعية في تركيا، وأهمها مكتبة السليمانية في مدينة إسطنبول التي يتجاوز عدد مخطوطاتها تلك التي في مكتبة الأمة. أما أقدم المكتبات فبايزيد الوطنية التي افتتحت عام 1884.

تحقيق

تجارة المقاعد الجامعية... محتالون يخدعون الطلاب الأجانب في تركيا

والميزة الأهم التي توفرها مكتبة الأمة في أنقرة أن رفوفها تمتلئ بكتب نادرة من أنحاء العالم، وبعضها يعود إلى القرن السادس عشر كانت محفوظة في مخازن وغرف ضبطت وفقاً لدرجة حرارة ورطوبة محددة من اجل الحفاظ عليها.

ويكشف المتخصص في المكتبات والأرشيف ايران جيلان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن القائمين على مكتبة الأمة، باشروا تنفيذ مشروع تحويل المخطوطات النادرة والكتب القديمة إلى أرشيف مصور، في خطوة تلت عمليات رقمنة الكتب النادرة ومسحها ضوئياً، تمهيداً لتعزيز الوصول إليها إلكترونياً لقراءتها والاطلاع عليها.

وأخيراً احتضنت مكتبة الأمة نشاطات خاصة بالعلوم والتكنولوجيا للفئات العمرية بين 5 و17 عاماً، والتي هدفت إلى تنمية مهاراتهم وقدراتهم بالتعاون مع هيئة الأبحاث العلمية والتكنولوجية التركية (توبيتاك) التي تركز على اكتشاف المواهب بهدف تطويرها.