منحة الزواج الحكومية في ليبيا... فشل وطلاق مستفيدين

02 سبتمبر 2023
تسرّع شبان في الزواج للحصول على المنحة (ندى حارب/ Getty)
+ الخط -

في سبتمبر/أيلول 2021، قررت الحكومة الليبية منح مبلغ قدره 20 ألف دينار (4000 دولار) لكل مقبل على الزواج، فتقدم الآلاف للتسجيل للحصول على المنحة، وتجاوزت الأعداد ما حددته الحكومة بـ 50 ألف شاب وشابة، ما جعلها تعلن تمديد الخطة، ورصد ملياري دينار ليبي لملف منح الزواج.
ومن دون الاستناد إلى أي بحوث اجتماعية حول أثر هذه الخطة على المجتمع الليبي، ما زالت الحكومة تعتبر أن منحة الزواج أحد مشاريعها الناجحة، وتفاخر رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، في أحد اجتماعات مجلس الوزراء، في مايو/أيار الماضي، بصرف منح زواج لـ 100 ألف شاب وشابة.
تقول المحامية نعيمة الوافي، لـ"العربي الجديد": "من بين 64 قضية في مكتب المحاماة الذي أعمل به، هناك 27 قضية طلاق، و14 منها تخص زيجات جرت عبر منحة الزواج. تختلف دوافع الطلاق، لكن أغلبها نتيجة عدم قدرة الزوج على توفير السكن أو الإنفاق، أو كليهما، فيما يعود بعضها إلى عدم التمكن من الحصول على المنحة، رغم المغامرة بعقد القران، فضلاً عن عدم التوافق الفكري، نتيجة التسرع في الزواج، رغبة في الاستفادة من المنحة".
ويؤكد تاجر العقارات، عادل مرعي، لـ"العربي الجديد"، أن مبلغ 40 ألف دينار الممنوح للزوجين معاً لا يكفي لتوفير شقة سكنية مكونة من غرفتين من دون مرافق. ويقدر معدل تكلفة منزل متواضع بنحو 200 ألف دينار، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، من دون احتساب تكلفة الأثاث.
بدوره، لا يعتبر الناشط المدني، مراد السنوسي، أن المقصود من المنحة توفير كل ما يتطلبه الزواج، ويضيف لـ"العربي الجديد": "غرض المشروع كان مساعدة المقبلين على الزواج على إتمام الأمر، لا إنجازه من الصفر، لكن البعض طمع، ولاحظنا إقبال أطفال وقصر على الزواج، خاصة من الفتيات، وبعضها يكون مدفوعاً من الأبوين، بغرض التخلص من أعباء مساعدة الأبناء على الزواج".
وفي بداية فتح باب التسجيل للمنحة، لم تكن هناك اشتراطات، وبعد وقفات احتجاجية وانتقادات ومناشدات، جرى تحديد عدة اشتراطات، من بينها أن يبلغ عمر الزوجة 25 سنة، وعمر الزوج 30 سنة، واشتراط ألا يكون قد سبق لهما الزواج، وأن يكون الزوج صاحب دخل ثابت.

حضر رئيس الحكومة زواج عدد من المستفيدين (إسلام الأطرش/Getty)
حضر رئيس الحكومة زواج عدد من المستفيدين (إسلام الأطرش/Getty)

ورغم أن الحكومة كشفت عن دورات إرشاد أسري، وبرامج توعية وتثقيف لإعداد المقبلين على الزواج، لكنها لم تشترط على الزوجين حضورها. وتقول الباحثة الاجتماعية حسنية الشيخ، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك حالات كثيرة ما زال الزواج فيها ورقياً، ولم تتعد علاقة الزوجين اتصالات عبر الهاتف، ولقاءات قليلة تحت مراقبة الأسرة، على أمل توفير منزل، أو تحسن الأوضاع المعيشية، لتوفير دخل ثابت يكفي المصاريف الشهرية".
وتضيف الشيخ: "تدبر البعض أمرهم، إما بتعاون الزوجين، أو مساعدة الأهل، فيما هناك من اضطر لاستئجار منزل في ظل ارتفاع الأسعار، وبعض حالات الزواج انتهت بمجرد نفاد الأموال، ومنها ما هو معلق على أمل الوصول إلى حل، كحصول الزوج على عمل أفضل. أما بالنسبة لحديثي السن ممن حصلوا على المنحة، فالأمر أصعب، وأغلب هذه الحالات فشلت، حتى لو لم تصل إلى الطلاق".
وترجع الباحثة الاجتماعية ذلك إلى "بطالة الزوج، أو قلة الخبرة الحياتية، أو ضعف التحصيل العلمي، والتسرع في التعارف بين العروسين، والآمال المفرطة بحياة أفضل بعد الزواج، فضلاً عن بعض الطباع الغريبة للجيل الجديد، والمستمدة من الحياة الافتراضية عبر شبكة الإنترنت، البعيدة عن الواقع المعيش بحلوه ومره".

وتحدثت الشيخ عن فئة أخرى غير مصنفة ضمن زواج المنحة، تضم من أتموا إجراءات عقد القران، من دون التمكن من إتمام التسجيل لصرف المنحة، مؤكدة أن "أعداد هذه الفئة ليست قليلة، ومشاكلها أصعب. لكن هناك بعض الحالات المستعجلة التي يجب الالتفات إليها، وهي التي نتج عنها أبناء لم يتجاوز أكبرهم العام، ويعاني بعضهم حالياً من تداعيات الخطة العشوائية التي لم يجر الإعداد لها عبر دراسة تعتمد على إحصائيات، وهذه كان يجب إعدادها مسبقاً عبر مؤسسات حكومية، مثل وزارة الشؤون الاجتماعية، أو مصلحة الأحوال المدنية، والبنك المركزي".
في المقابل، لا يعتبر الأكاديمي، ناصر المولف، أن منحة الزواج كانت عشوائية، بل كانت "دعاية انتخابية"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يجب فصل أي حدث عن محيطه الزماني والمكاني، ففي تلك الفترة كنا على أبواب انتخابات استخدم فيها كل المرشحين مناصبهم الحكومية للدعاية، وهذا تماماً ما فعله رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، ويعاني من آثاره حالياً الآباء والأبناء ممن استعجلوا للاستفادة من المنحة على غير وجهها الصحيح".

المساهمون