عقد أبناء قبائل شمال سيناء اجتماعات في كافة مدن المحافظة، شارك فيها مئات المقاتلين من المجموعات القبلية التي ساندت عمليات الجيش خلال الأشهر الماضية، ومشايخ على اتصال مباشر مع الجهات الأمنية والعسكرية، وتوصلت كافة الاجتماعات إلى الاتفاق على رفض مخطط التجمعات السكنية، والتصدي له بكل الوسائل السلمية الممكنة، وإيصال الرفض إلى كافة المستويات القيادية الرسمية.
وقال أحد شيوخ قبيلة الأرميلات التي تقطن في مناطق شمال وغرب رفح، لـ"العربي الجديد"، إنه "تمت الدعوة إلى اجتماعات عاجلة في مدينتي رفح والشيخ زويد للخروج بموقف موحد من قبائل السواركة والأرميلات والترابين وبقية العوائل في قرى المدينتين، وكان الرفض واضحاً للمخطط جملةً وتفصيلاً، وأنه لا يمكن السماح بتنفيذه، وتم نقل الموقف إلى قيادة الاستخبارات المصرية التي تتابع الأوضاع عن كثب، وإلى قيادة عمليات الجيش في سيناء، والطاقم الفني العسكري الذي جاء لمعاينة المناطق التي سيجري بناء التجمعات عليها".
وأوضح الشيخ القبلي الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن "ما تنادي به الجهات العسكرية من إنشاء تجمعات سكانية بديلة عن القرى الأصلية يعتبر إهانة للقبائل وتضحياتها، حيث كان الاتفاق قبيل المشاركة في مكافحة الإرهاب، أن تشارك القبائل في طرد تنظيم داعش الإرهابي في مقابل عودتها إلى قراها وأراضيها بشكل كامل، ومن دون أي معيقات أو شروط، وإعادة إعمارها لما تمثله من قيمة مادية ومعنوية كبيرة لكل أبناء القبائل، لكن قوات الجيش ضربت عرض الحائط بهذا الاتفاق، وتحاول الترويج للمخطط السكاني الجديد الذي لن يمر إلا على أجساد أبناء القبائل"، على حد قوله.
وقال أحمد النصايرة، وهو أحد سكان قرى شرق الشيخ زويد، لـ"العربي الجديد"، إن "مخطط الجيش لإسكان المواطنين في تجمعات سكانية مغلقة وضيقة من دون أي مقومات للحياة البدوية التي اعتاد عليها الناس منذ عقود طويلة، يعني تجاهل كل المكون البدوي والقبلي في سيناء، وكأن الجيش لا يرى أمامه كل هذا المد البشري الذي دفع فاتورة باهظة من الدماء والأموال على مدار العقد الأخير تحت مظلة مكافحة الإرهاب. لا يختلف اثنان في سيناء على رفض المخطط، والجاهزية لدفع الثمن من أجل إفشاله، وإجبار الجهات الرسمية على تسهيل عودة الحياة إلى قرى رفح والشيخ زويد كما كانت عليه في السابق".
التجمعات السكنية المغلقة لا تناسب الثقافة البدوية لأبناء سيناء
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، عبر أبناء سيناء عن مواقفهم الرافضة للحديث عن بدء تخصيص الأراضي لإنشاء التجمعات الجديدة في مدينتي رفح والشيخ زويد.
يقول أبو أيمن القصاقصة: "نداء لكل نائب، لكل شيخ عائلة، لكل كبير، لكل من يرى نفسه واجهة لعائلته، الآن نحن في مفترق طرق، ولازم وقفة واحدة. نمتلك عادات وتقاليد منذ فجر التاريخ، لا تضيعوا ما تبقى. لن نرضى بغير عاداتنا وتقاليدنا. الأرض هي مصدر رزقنا الوحيد، ولن نتخلى عنها. قولوا كلمة حق يشهد لها التاريخ".
وكتب الصحافي السيناوي عبد القادر المبارك: "لسنا لاجئين بل مواطنون وشركاء في الوطن بالقلب والدم والتضحيات. فكرة دمج القرى بالشيخ زويد ورفح في تجمعات غير مدروسة، وبعيدة عن واقعنا الاجتماعي والثقافي، وضد هويتنا البدوية. تريد الدولة فرض واقع على مزاج البهوات أصحاب المكاتب المكيفة".
وأضاف المبارك: "بعيد عن مناقشتنا، أو حتى طرح الفكرة للحوار المجتمعي، وبعيد عن أصحاب العباءات المزيفة والرموز الوهمية وأصحاب الأختام. يا دولة: هنا يوجد مواطن يجب الجلوس معه، ومحاورته، والأخذ بأطروحاته واقتراحاته، فهو صاحب الأرض، وشريك أصلي فى هذا الوطن، أما أن يأتي أشخاص أو حكومة أو نظام ليفرضوا علينا واقعاً جديداً حسب رؤيتهم ومزاجهم، فهذا أمر مرفوض قبل أن تتم مناقشة أصحاب الأرض. أبناء سيناء هم الرقم الصحيح في معادلة الوطن، شاء من شاء وأبى من أبى".
ويقول أبو وليد سلام: "نطالب بالعودة إلى رفح فوراً، وعدم إرغام السكان على نظام (الكنتونات) لأنهم بدو لا يرغبون في التجمعات السكانية، كما نطالب بإنشاء إذاعة لرفح لنقل الحقيقة، لأننا لا نثق في الإعلام الحالي لأنه عجز عن نقل الحقيقة خلال السنين الماضية، ولم يقم باستضافة مواطن حر. المطالب هي الرجوع إلى الأرض، وعدم السكن في كنتونات، ونقل الحقيقة".
وكتب طالب عبد الله: "لا نرغب فى التجمعات التنموية ولا التجمعات النموذجية، ولا أي تجمعات من أي نوع لأنها غير ملائمة اجتماعياً لأهالي رفح، وستخلق خلافات مجتمعية نحن في غنى عنها، وستدمر العادات والتقاليد التي تربينا عليها. لا نريد تجمعات".
بدوره، كتب منصور السريحي: "التجمعات هي الجزرة الأخيرة التي يتم التلويح بها لأبناء رفح بعد السنوات العجاف من التهجير والحرب وتضييق الخناق. كيف لإنسان يعمل طوال حياته يعمل في أرضه، يزرعها ويقلعها، أن يسكن في تجمع سكني. هناك خمسة كيلومترات بالقرب من الحدود تم إخلاؤها بحجة أنها منطقة عازلة، وقرى الشيخ زويد تم إخلاؤها بدعوى مكافحة الإرهاب، لكنها اليوم خالية من الإرهاب، فلماذا لا يرجع أهلها إليها ليعمروها؟ ليس مطلوباً من الدولة غير دعمهم. التجمعات لا تناسب البيئة البدوية، ولن يعمر سيناء إلا أهلها لأنهم أدرى بها وبسهولها ووديانها، أما إذا اقتصر الموضوع على التجمعات وتمت مصادرة الأراضي، حينها ستكون التجمعات قنبلة موقوتة بسبب البطالة والفقر".
دفع أهالي شمال سيناء فاتورة مكافحة الإرهاب على مدار العقد الأخير
وكتب أحد أبناء قرية شيبانة: "مجرد التفكير فى ترك مسقط الرأس للإقامة في هذه التجمعات المزعومة يجعل جسدي يشعر بغثيان واختناق، ومرارة في الحلق، وشلل في التفكير، وانقباض في القلب. يا رب الرحمة من عندك".
ووفقا للمعلومات التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، فإن وزارة الدفاع المصرية، وبناءً على تعليمات سيادية، ستبدأ بناء "التجمعات التنموية" في مدينتي رفح والشيخ زويد على النحو التالي: تجمع الشيخ زويد (السكادرة وأبو طويلة)، بإجمالي 8484 أسرة، وتجمع الظهير والمقاطعة، بإجمالي 544 أسرة، وتجمع أبو العراج والتومة بإجمالي 499 أسرة، وتجمع الشلاق بإجمالي 832 أسرة، وتجمع قبر عمير بإجمالي 821 أسرة، وتجمع العكور بإجمالي 689 أسرة، وفي مدينة رفح يجري العمل على بناء تجمع شيبانة والمهدية بإجمالي 802 أسرة، وتجمع الخرافين والطايرة وجوز أبو رعد بإجمالي 1957 أسرة، وتجمع الوفاق ورفح الجديدة بإجمالي 12267 أسرة، وتجمع الحسينات والمطلة في منطقة أبو شنار بإجمالي 3024 أسرة.
وكان الجيش المصري قد هجر آلاف المواطنين المصريين من قراهم في مدينتي رفح والشيخ زويد بحجة إقامة المنطقة العازلة مع قطاع غزة، وأيضاً لإتاحة المجال أمام القوات العسكرية لتنفيذ العمليات اللازمة لمكافحة الإرهاب، حتى باتت مدينة رفح بأكملها بلا سكان، وتمت إزالة غالبية مساكنها عن وجه الأرض، كما تم تهجير القرى المحيطة بها، برغم عدم وقوعها ضمن المساحة الموضوعة لإنشاء المنطقة العازلة، في حين حاول المواطنون العودة إلى قراهم المهجورة في أعقاب طرد تنظيم داعش، إلا أنهم اصطدموا بمعيقات من قوات الجيش، تتمثل في منع مصانع الطوب من العمل، وعدم إمداد القرى بالكهرباء والمياه وشبكة الاتصالات، ما أجبر الكثيرين على عدم العودة مجدداً.
وشهدت محافظة شمال سيناء خلال الأيام القليلة المقبلة زيارات متتالية لرئيس أركان الجيش المصري، ورئيس الوزراء، ووفد وزاري رفيع المستوى، وذلك بالتزامن مع إجراءات على الأرض لتحسين المشهد في المحافظة، من قبيل إزالة الكمائن والارتكازات الأمنية المنتشرة منذ عام 2013، وفتح الطرق ومحطات الوقود، وتخفيف قيود الحركة والتنقل على الأفراد والبضائع، ولمّحت مصادر حكومية ومحلية تحدثت لـ"العربي الجديد"، إلى وجود نية لزيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى سيناء خلال الفترة القريبة المقبلة.
وقال مسؤول حكومي في مجلس مدينة رفح لـ"العربي الجديد"، إن إحياء أسواق قرى جنوب رفح لا يضير الجهات الأمنية والحكومية في شيء، بل يعتبر جزءاً من إعادة الحياة إلى كافة مناطق سيناء، باستثناء المنطقة العازلة التي جرى تحديدها بمقتضى مرسوم رئاسي.