موائد رمضان نعمة كبيرة لفقراء باكستان

03 ابريل 2023
الموائد الرمضانية تخدم عمال وفقراء باكستان (آصف حسان/فرانس برس)
+ الخط -

يعرف الشارع الباكستاني بعادات وتقاليد متوارثة خلال شهر رمضان، ومن أشهرها "موائد الرحمن"، وغيرها من مظاهر التكافل الاجتماعي التي يعتبرها الفقراء نعمة، خاصة أولئك الذين غادروا مناطقهم إلى المدن الرئيسية للعمل، لا سيما العاصمة إسلام أباد ومدينة راولبندي المجاورة لها، وغالبية هؤلاء لا يملكون تجهيز إفطار مناسب، ويعتمدون بالتالي على ما يقدم لهم من وجبات مجانية.
خلال أشهر السنة العادية ترعى مؤسسات خيرية محلية موائد جماعية توفر للفقراء والمعوزين وجبات الطعام، لكنها تحرص على تكثيف جهودها خلال شهر رمضان من خلال نشر موائد الإفطار في أنحاء البلاد، ويساهم أثرياء وتجار في تمويل هذه الموائد.
وتوجد معظمهم الموائد الرمضانية في أماكن وجود العمال، ما يجعل جلّ الحاضرين من الوافدين إلى العاصمة لكسب لقمة العيش، وأحدهم محمد جميل (54 سنة) الذي يعمل في شركة خاصة، ويعيش مع بعض أقرانه المتحدرين من مقاطعة خيبر القبلية (شمال غرب)، وهو يذهب مرة شهرياً، إلى منزله في منطقة جمرود التي تقع على الطريق الرئيسي بين أفغانستان وباكستان.
ينهي جميل عمله عند الساعة الرابعة مساءّ، فيعود إلى الشقة التي يعيش فيها مع رفاقه، يستريح قليلاً، ثم يغيّر ملابسه ويذهب برفقتهم إلى منطقة في كراتشي، حيث تقام إحدى الموائد الرمضانية الرئيسية، كي يجد مكاناً ليفطر. بعد الإفطار وأداء صلاة المغرب، يجلس مع زملائه قبل أن يستعد لأداء صلاة التراويح.
يقول جميل لـ"العربي الجديد": "راتبي ضئيل، وأرسل جزءاً كبيراً منه إلى أسرتي، وأنا في كل الأحوال لا أستطيع إعداد إفطار بهذا الشكل، لذا أفضل أن أحضر إلى الموائد الرمضانية مع زملائي في جميع الأيام، باستثناء تلك التي أغادر فيها إلى منزلي. الإفطار هنا مناسب، ولا يمكن أن أجهّز بنفسي ما يتضمنه. أدّخر ما يفترض أن أصرفه على الإفطار لأهلي، في حين أتناول على السحور البراته (خبز) مع كوب من الشاي والحليب، وهذه وجبة لا تكلف كثيراً مقارنة بالوجبة الرئيسية في وقت الإفطار".

لا يستطيع باكستانيون كثيرون إعداد موائد إفطار مناسبة (صابر مظهر/ الأناضول)
لا يستطيع باكستانيون كثيرون إعداد موائد إفطار مناسبة (صابر مظهر/الأناضول)

ومعظم الذين يحضرون الموائد الرمضانية في إسلام أباد ومدينة راولبندي من العاملين والمغتربين الذين جاؤوا من إقليم خيبر بختونخوا (شمال غرب)، ومن المناطق القبلية التي دمرتها الحروب. ولم تعد إسلام أباد تحتضن وحدها الموائد الرمضانية، بل هناك أيضاً موائد في مدينة بشاور (شمال غرب)، حيث تقام مائدة كبيرة قرب مسجد سبين جومات الشهير، يحضرها عادة عمال يأتون من مناطق نائية، وفقراء يعملون في أسواق قريبة، وكذلك عائلات المرضى المتواجدون في المستشفى الرئيسي بالمدينة.
يعيش حفيظ الله في منطقة تشارسده المجاورة لمدينة بشاور، وهو أيضا لا ينفق شيئاً على الطعام خلال شهر رمضان، لأنه يذهب مع أبناء قريته الذين وفدوا إلى المدينة من أجل لقمة العيش إلى الموائد الرمضانية تقام في المنطقة. يقول لـ"العربي الجديد": "تنظم مؤسسات خيرية وأثرياء عشرات موائد الإفطار للفقراء طوال شهر رمضان، لذا لا داعي لإعداد إفطار في المنزل الذي أعيش فيه مع أبناء قريتي، فكلنا نعمل بأجور يومية زهيدة. نعيش في بيت صغير استأجرناه قبل رمضان. في السابق كنا ندفع جزءاً مما كنا نكسبه على طعام العشاء، لكن مع حلول الشهر نتناول أحسن الطعام بالمجان في موائد رمضانية مختلفة يمولها الأثرياء".

ويقول محمد حسن، المتحدر من مدينة مردان القريبة من مدينة بشاور، والذي أدخل قبل أيام أمه المريضة إلى مستشفى خيبر لإجراء عملية، لـ"العربي الجديد"، أنه "مع حلول شهر رمضان بدأ يحضر برفقة أخيه الأصغر محمد إلياس المائدة الرئيسية، لأنه لا يتوفر خيار آخر له، علماً أنه يعتبره أفضل خيار أيضاً، ويقول: "لا قدرة لنا على تحمل تكاليف أطعمة المطاعم الجيدة، أما الأطعمة على قارعة الطرق فليست نظيفة، ما جعلني أفكر في كيفية التصرف خلال أيام رمضان، لكن بعدما رأيت المائدة الكبيرة قرب المستشفى وتضمنها كل شيء من عصير وتمر وطعام وفواكه لم أعد قلقاً، وأنا أحضر مع أخي لتناول الطعام، ونفطر ثم نذهب إلى المستشفى".
وتختلف موائد الإفطار عن بعضها البعض، إلا أن غالبيتها تقدم وجبات إفطار ساخنة لا تصنع عادة في المنزل، بل يشتريها القائمون على تلك الموائد جاهزة. وعادة ما تضم هذه الوجبات السمبوسة، والحمص، والبطاطا المقلية، والبكورة، وأيضاً الجلبي، وهي سكريات متعرجة مقلية بالزيت، إضافة إلى أنواع من الفواكه، وعصير "روح أفزا" الشعبي، والماء، وتشكل هذه التشكيلة من المواد الغذائية ركائز مائدة الإفطار.

المساهمون