استمع إلى الملخص
- **تأثير الأزمة على الحياة اليومية:** انتشار برك المياه العادمة أدى إلى انتشار الحشرات والأمراض، وزاد تهجير السكان من الضغط على شبكات الصرف الصحي المتضررة.
- **شهادات المواطنين ومعاناة البلديات:** المواطنون يعانون من تدهور الأوضاع الصحية والبيئية، والبلديات تواجه صعوبة في التعامل مع الأزمة بسبب نقص الوقود وانقطاع الكهرباء.
تُسجَّل أزمة في الصرف الصحي بقطاع غزة، راحت تتفاقم أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة. وفي حين تهدّد هذه الأزمة صحة الفلسطينيين في مختلف مناطق القطاع المحاصر والمستهدف بحرب إسرائيلية مدمّرة منذ أكثر من تسعة أشهر، صارت تعرقل كذلك تحرّكاتهم، ولا سيّما مع تجمّع المياه العادمة وتشكيلها بركاً في الطرقات.
وكانت هذه الأزمة البيئية والصحية قد بدأت في الأيام الأولى من الحرب التي يشنّها الاحتلال على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، نتيجة قطع الكهرباء عن الفلسطينيين في سياق تشديد الحصار المفروض عليهم. كذلك منع إغلاق المعابر إدخال الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية الخاصة بمضخّات تصريف المياه العادمة إلى محطات المعالجة، حتى لا تتدفّق إلى الطرقات وتلوّث المحيط وتهدّد سلامة السكان. بدوره، يساهم استهداف قوات الاحتلال شبكات الصرف الصحي من خلال قصفها وتخريبها في تفاقم الأزمة أكثر.
وهذه الأزمة لم تكن، منذ البدء، محصورة في منطقة واحدة من قطاع غزة. على سبيل المثال، حذّرت بلدية مدينة غزة شمالي القطاع، في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أي بعد أيام من شنّ الاحتلال حربه الأخيرة، من غرق أجزاء كبيرة من المدينة بمياه الصرف الصحي من جرّاء استهداف الطائرات الإسرائيلية خطوطاً رئيسية في شبكته توفّر خدمات لنحو نصف سكان المدينة. واليوم، لم تعد بلديات المدن في قطاع غزة تصدر أيّ تحذيرات في هذا الخصوص، إذ إنّ البنى التحتية كلها تقريباً استُهدفت بتدمير ممنهج، في الشمال كما في الجنوب والوسط.
وهكذا راحت المياه العادمة تسيل في الطرقات بمختلف المناطق، في حين تتشكّل بركاً منها هنا وهناك، في الطرقات وبين البيوت وفي مخيّمات النازحين إلى انتشار الحشرات ومن ثم الأمراض بين الفلسطينيين الذين لا يملكون ترف الإصابة بمرض ما، وسط انهيار المنظومة الصحية في القطاع المنكوب نتيجة الحصار المشدّد وقطع الإمدادات الطبية ومنع إيصال المساعدات ذات الصلة.
وتتكرّر مشاهد سيلان مياه الصرف الصحي وتجمّعاتها في كلّ أنحاء القطاع، ولعلّ آخرها في خانيونس جنوبي قطاع غزة وكذلك في دير البلح بالوسط. ولعلّ تهجير الفلسطينيين وما يخلّفه من ضغط على مناطق معيّنة بعد اكتظاظها بالنازحين، ضاعف الأزمة نتيجة الإجهاد المستجدّ للشبكات المتضرّرة أو المتهالكة. وهكذا صار الحمل ثقيلاً على جنوبي قطاع غزة ووسطه، بعد تهجير آلة الحرب الإسرائيلية سكان الشمال بمعظمهم، وحشر نحو مليونَي نسمة في نقاط محدّدة بالمنطقة الواقعة إلى جنوب وادي غزة. وهناك، لا تبدو مهمّة معالجة طفح مياه الصرف الصحي سهلة، مع تراجع الخدمات التي يُفترَض على البلديات تقديمها بسبب انهيار قدرات الإدارات المحلية والنقص في المعدّات المطلوبة لمعالجة مثل تلك المشكلات والنقص في العديد كذلك. إلى جانب كلّ ذلك، يُذكر واقع الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على القطاع الفلسطيني منذ نحو 17 عاماً، وما خلّفه ذلك من تدهور في قدرات قطاعات كثيرة.
في هذا الإطار، يقول المواطن الفلسطيني صهيب أبو ريالة لـ"العربي الجديد" إنّ الأزمات تتوالى على أهالي قطاع غزة منذ اللحظات الاولى للحرب الإسرائيلية الأخيرة، سواء أكانت تتعلّق باستشهاد الأبناء والأقارب أم بفقدان البيوت ومصادر الرزق أم بالنزوح قسراً من مناطق السكن، الأمر الذي أدّى إلى واقع قاسٍ خسر فيه هؤلاء حياتهم الطبيعية". ويلفت أبو ريالة إلى أنّ "أزمة الصرف الصحي والمشكلات المترتّبة عليها في الشوارع والمدارس ومراكز الإيواء وخيام النازحين تمثّل خطراً حقيقياً على حياة الفلسطينيين". ويوضح أبو ريالة أنّ "برك تجمّع مياه الصرف الصحي أدّت إلى انتشار البعوض وحشرات أخرى، إلى جانب الرائحة الكريهة التي صارت تُرافق الفلسطينيين في الأماكن العامة كما في داخل خيامهم".
بدوره، هُجّر المواطن الفلسطيني خالد الزيناتي من حيّ الشيخ رضوان بمدينة غزة، في اليوم السابع من الحرب بعدما أمرت قوات الاحتلال سكان الشمال بالتوجّه إلى جنوبي وادي غزة، واستقرّ مع عائلته في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة. يقول الزيناتي لـ"العربي الجديد" إنّه لم يعد يسمح لأطفاله بـ"الخروج من الخيمة بسبب برك المياه العادمة التي تمثّل خطراً مباشراً على سلامتهم". ويوضح أنّ "تجمّع أكثر من 700 ألف فلسطيني في دير البلح سبّب فقدان السيطرة على تصريف المياه العادمة، نتيجة الضغط الشديد وعدم قدرة المصارف على استيعاب كلّ تلك المياه، خصوصاً مع انعدام إمكانيات البلديات وانقطاع الكهرباء ونفاد الوقود". ويشير الزيناتي إلى أنّ "أزمة الصرف الصحي لم تعد تقتصر على الرائحة الكريهة أو الصحة العامة فحسب، إنّما تؤثّر على حركة الفلسطينيين" نتيجة سيلان المياه العادمة وتشكّل برك منها.
كذلك يشكو المواطن الفلسطيني عمار أنس من تفاقم أزمة الصرف الصحي، فهذا المهجّر من مدينة غزة يعيش اليوم في مدينة دير البلح وقد أقام فيها بسطة للمأكولات الشعبية لعلّه يتمكّن من توفير قوت عائلته منها، لكنّ طفح شبكات الصرف الصحي المتواصل يعطّله، بحسب ما يخبر "العربي الجديد"، فالروائح الكريهة تنتشر في المكان وكذلك الحشرات في حين أن المياه العادمة تسيل بالقرب منه.
في سياق متصل، يوضح رئيس قسم المياه والصرف الصحي في بلدية النصيرات وسط قطاع غزة محمد الجدي لـ"العربي الجديد" أنّ "مضخات الصرف الصحي التي تحوّل المياه العادمة إلى محطات لمعالجتها تعتمد في عملها بصورة أساسية على الكهرباء، لذا أدَّى انقطاع التيار الكهربائي إلى توقّف عمليات الضخّ إلى محطات المعالجة، فراحت تسيل المياه العادمة وتشكّل بركاً، الأمر الذي أدّى إلى انتشار حشرات وأمراض". يضيف الجدي أنّ "شبكات الصرف الصحي في المحافظات مُخصّصة لخدمة سكانها المحدّد عددهم"، لكنّ الأمر تغيّر أخيراً. ويتابع أنّ الضغط زاد على "أنابيب الصرف الصحي في بلدية النصيرات المخصّصة لتوفير الخدمة لأهلها، مع ارتفاع عدد السكان وسط النزوح الكبير".