ناجيات من سرطان الثدي في الأردن: الأهم الكشف المبكر

23 أكتوبر 2024
خلال مسيرة نظمتها طبيبات أردنيات للتوعية بمرض سرطان الثدي في مارس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الكشف المبكر عن سرطان الثدي يعد أساسياً في مواجهته، كما توضح تجارب الناجيات مثل خنساء جميل ونسرين الخضر، حيث ساعد الفحص الذاتي والماموغرام في اكتشاف المرض مبكراً والشفاء منه، مع التأكيد على أهمية الدعم الأسري والاجتماعي.

- البرنامج الأردني لسرطان الثدي يركز على الكشف المبكر، حيث تزيد نسبة الشفاء عن 90% في المراحل الأولى، وشهد تطوراً في تقبل المجتمع وزيادة الوعي، مما أدى إلى مضاعفة الإقبال على الفحوصات مثل الماموغرام.

- التحديات تشمل الوصمة الاجتماعية والخوف، لكن الأنشطة التوعوية زادت بشكل كبير، مع تقديم خدمات الكشف في المناطق النائية عبر عيادات متنقلة، مما يعزز ثقافة الكشف المبكر.

تبدأ الخطوة الأولى في مواجهة سرطان الثدي أكثر أنواع السرطانات انتشاراً في الأردن، في الكشف المبكر عن المرض الذي يمثل حجر الزاوية في المواجهة. تقول الناجية من المرض خنساء جميل لـ"العربي الجديد": "عندما أصبت بالمرض كنت أعمل مدرّسة، ونشطت مع المجتمع المحلي في حملات التوعية بالمرض، وتعلمت من المدربات طريقة إجراء فحص ذاتي، وهو ما فعلته فظهرت لدي مؤشرات الإصابة بالمرض، وخضعت لفحوصات طبية، وتحديداً فحص ماموغرام الإشعاعي الذي أثبت إصابتي بالمرض"، وتوضح أنها باشرت العلاج بسرعة بعد اكتشاف المرض، وأنها لم تخبر أحداً من العائلة بوضعها الصحي في الأشهر الثلاثة الأولى لأن ابنها كان ينتظر التخرج من الجامعة، وذلك من أجل الحفاظ على فرحة العائلة، وعدم خلق حالة قلق. وتذكر جميل أن الجميع تعاطفوا معها بعدما علموا بإصابتها بالمرض، في حين أنها لم تحب أن ينظر البعض إليها بشفقة، وأن غالبية الزميلات تعاونَّ معها، وتشير أيضاً إلى أن وقوف أسرتها إلى جانبها لعب دوراً كبيراً في مواجهتها المرض والشفاء منه، خاصة أخواتها وزوجها والأبناء. وبعدما تقاعدت أصرت عائلتها على أن تعود إلى الدراسة في الجامعة. وتذكر خنساء أن "بعض السيدات يخفن من الفحص. وعندما أخبرت بعض معارفي بأنني أريد إجراء فحص سريري والماموغرام طلبوا مني تجاهل الأمر، فأجبت بأنني يجب أن أحاول الحفاظ على حياتي لأن أبنائي يحتاجون إلي، ويجب أن أواجه الواقع. وقد تعالجت منذ البداية فاختصرت محطات من المعاناة والألم قبل أن أصل إلى مراحل خطرة".
وتنصح خنساء السيدات بإجراء الفحص المبكر من أجل مصلحة عائلاتهن والأولاد، "فعلاج مرض سرطان الثدي سهل مقارنة بأمراض مزمنة تستمر مدى الحياة، وهو محدد بفترة قبل أن تعود الحياة إلى طبيعتها".

وتقول الناجية من المرض نسرين الخضر لـ"العربي الجديد": "اكتشفت المرض في وقت مبكر عبر الفحص الذاتي في البيت عام 2016، حين شعرت بكتلة غير طبيعية في الثدي، فأخبرت زوجي ثم خضعت لفحص ماموغرام". تضيف: "جرى اكتشاف الكتلة المصابة في المرحلة الثانية، ما منحني الأمل بالشفاء في ظل إيماني بالله. وترافقت هذه المرحلة وما تبعها من أخذ جرعات كيميائية مع الألم والأمل في الوقت ذاته. بدأت العلاج عام 2016، واستمر عاماً كاملاً حتى فبراير/ شباط 2017، وتضمن ثماني جلسات من العلاج الكيميائي". وتخبر بأنها أم لأربع بنات، وأنها كانت أقوى من جميع أفراد أسرتها في مواجهة المرض، "إذ شعرت بناتي بانهيار، لكنني أكدت لهن أنّ هذا المرض لا يعني الموت بل يحتاج إلى الشجاعة لمواجهته. كنت أحاول دائماً أن أتغلب على لحظات الضعف بالابتعاد عن عوامل الإحباط والتمسك بعوامل القوة والأمل. وقد دعمتني صديقات لي سبق أن أصيبت واحدة منهن بالمرض، ولعبت هذه السيدة دوراً كبيراً في مواجهتي المرض ورحلة العلاج".

يبقى الخوف العائق الرئيس أمام الإقبال على الكشف المبكر لسرطان الثدي (صلاح ملكاوي/ الأناضول)
يبقى الخوف العائق الرئيس أمام الإقبال على الكشف المبكر لسرطان الثدي (صلاح ملكاوي/ الأناضول)

وتتحدث الخضر عن أنها خشيت في البداية أن يؤثر المرض على أنوثتها، لكنها واجهته بشكل إيجابي في ظل دعم زوجها وبناتها، وتدعو السيدات إلى عدم الخوف من إجراء كشف كي يحافظن على حياتهن، وينقذن أنفسهن من المعاناة في حال حصل الكشف في وقت متأخر، وتقول: "لا يزال البعض يعتبرونني مريضة بالسرطان، لكن الحقيقة أنني ناجية أعيش حياتي الطبيعية بكل تفاصيلها، وقد جعلني المرض أقوى وأكثر حباً للحياة. واليوم عندما أسمع أن سيدة مريضة أزورها كي أشجعها وأدعمها لمواجهة المرض، وإبلاغها بأنه سهل مقارنة بأمراض وحالات صحية أخرى". تتابع: "لم أفكر يوماً باحتمال أن يصيبني المرض، لكنّ التجربة تفيد بأن الإصابة غير مستبعدة، وأدعو السيدات بعد سنّ الأربعين، وحتى من يتجاوزن الثلاثين، إلى إجراء فحص ماموغرام دورياً. والمهم التحلي بالشجاعة في مواجهة المرض".
من جهتها، تقول مديرة البرنامج الأردني لسرطان الثدي الدكتورة ريم العجلوني لـ"العربي الجديد": "يواجه مرض سرطان الثدي بإجراء كشف مبكر، وإذا تبين وجوده بين المرحلة صفر (قبل أن تتشكل الكتلة السرطانية) والمرحلة الثانية يزداد احتمال الشفاء عن 90%. وبالنسبة إلى وضع اكتشاف المرض وعلاجه في الأردن فهو ممتاز مقارنة بدول أخرى".
تضيف أن "نسبة الشفاء تقل في المرحلتين الثالثة والرابعة عندما ينتشر المرض، وتراوح نسبة الشفاء حينها بين 16 و20%". وتذكر العجلوني أن "برنامج سرطان الثدي أطلق قبل 17 عاماً، ومنذ ذلك الوقت تغيّرت ثقافة الناس، خاصة على صعيد تقبل الناس للمرض والحديث عنه، وبدأت تخف الوصمة المجتمعية الخاصة به، وزادت قابلية أفراد المجتمع للحديث عنه، وحضور محاضرات التوعية، ما انعكس أيضاً على الإقبال على الكشف المبكر"، وتلفت إلى أن البرنامج يدرس كل 3 سنوات معدلات المعرفة والتوجهات والسلوكيات الخاصة بزيادة الوعي ومعرفة الأعراض، وأهمية الكشف المبكر والإقبال على الفحص. والنتائج جيدة جداً، علماً أننا لا نحاول فقط توسيع المعرفة بالمرض، بل مستويات طلب الكشف المبكر".

وبحسب العجلوني "هناك زيادة في طلب إجراء فحص ماموغرام استناداً إلى سجلات البرنامج المرتبط بالمؤسسات الطبية في القطاعين العام والخاص. وخلال السنوات الثلاث الأخيرة ارتفع الطلب إلى ضعف ما كان عليه سابقاً، وبدأنا نرى حالات في المرحلة صفر التي كانت نادرة سابقاً حين كانت نسبة 70% من الحالات تكتشف في وقت متأخر، أما اليوم فتكتشف أكثر من 60% من الحالات في وقت مبكر، ما يعني أن التغيّر كبير"، وتذكر أنه في عام 2010 كانت تتوفر نحو 31 وحدة تصوير "ماموغرام" في الأردن، أما اليوم فهناك أكثر من 95 وحدة في القطاعين العام والخاص، وأكثر من 200 مركز صحي تنفذ برامج توعية مستمرة، وتقول أيضاً إن "الوصمة الاجتماعية والخوف من المرض من أكبر التحديات التي يواجهها البرنامج، لكنها تقل رويداً رويداً ليس في المدن الكبرى فقط، بل أيضاً في المناطق النائية. ويبقى الخوف العائق الرئيس أمام الإقبال على الكشف المبكر للمرض، وليس بُعد مراكز الخدمات أو الكلفة. في السابق كان البرنامج ينظم نحو 500 محاضرة سنوياً، أما اليوم فتعقد أكثر من خمسة آلاف محاضرة ونشاط توعوي بطلب من جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وقطاعات. وشراكاتنا واسعة ومتنوعة، ونجحنا في تحويل سرطان الثدي من موضوع يتحدث عنه مقدمو الخدمات الطبية إلى قضية مجتمعية، ونحن نتجاوز الموارد المحدودة بالشراكات مع قطاعات أخرى والعمل لنقل المعرفة من خلال تدريب كوادر الجمعيات وأشخاص من مختلف المؤسسات". تتابع: "نعمل مع دول عربية أيضاً، وأطلقنا مبادرة الائتلاف العربي لمحاربة سرطان الثدي التي تضم حالياً مؤسسات وجمعيات من 16 دولة عربية تطلق حملات توعية مشتركة. في الأساس لا نقدم خدمات طبية، بل ننفذ برنامجاً يعمل على تعزيز ثقافة الناس. وبالنسبة إلى الخدمات، أنشأ البرنامج عيادتين متنقلتين للكشف عن سرطان الثدي توضعان كل عدة أشهر في منطقة نائية لا تتوفر فيها خدمات الفحص الإشعاعي ماموغرام، أو في مناطق تضم عدداً كبيراً من السيدات اللواتي لا يملكن تأميناً صحياً، وتقدمان خدمة كاملة. وفي حال تبين أن المراجعة تحتاج إلى خدمات إضافية، يجري تحويل المريضات إلى مركز الحسين للسرطان من أجل استكمال الإجراءات".

المساهمون