نازحو الصومال يصومون بلا إفطار أو سحور
الشافعي أبتدون
يستمر تدفق النازحين الصوماليين إلى ضواحي العاصمة مقديشو ومدينة بيدوا، مع اشتداد وطأة الجفاف في جنوب البلاد، إضافة إلى وصول قرابة مائة ألف نازح إلى المخيمات الكينية المتاخمة للحدود، في حين تحذر الأمم المتحدة من أزمة جفاف حادة تهدد حياة 18 ألف نازح صومالي، وذلك بعد تسجيل وفاة 43 ألف شخص خلال العام الماضي، وتراجع الدعم الإنساني.
وتستقبل الأسر النازحة شهر رمضان في ظل انعدام المستلزمات الأساسية، ويصوم البعض منهم في ظل عدم قدرتهم على تأمين وجبة الإفطار، مع غياب كامل للوجبات الرمضانية التي كانت تقدمها بعض الجمعيات الخيرية الأهلية في سنوات سابقة لتخفيف معاناة النازحين.
تعيش ناني مادي يوسف مع أطفالها في مخيم "العدالة" الكائن خارج مقديشو منذ ثمانية أشهر، بعد أن نزحت بسبب الجفاف الذي حلَّ ببلدتها في إقليم شبيلى، والذي أهلك المحاصيل الزراعية، إضافة إلى النزاعات العسكرية التي تدور بين الجيش الصومالي ومسلحي حركة الشباب. لا يتوفر في المخيم أي من المواد الغذائية، لكنها وجدت كوخاً تحتمي به مع أطفالها، وهو مكون من أغصان الأشجار وبعض البلاستيك.
تقول مادي يوسف لـ"العربي الجديد": "نزحنا بسبب الجفاف الذي ضرب قريتنا، وحالياً لا يوجد لدينا طعام ولا مياه صالحة للشرب، ولا شيء يلوح في الأفق. ننتظر فرجاً من الله. حتى مع قدوم شهر رمضان، لا أحد يعيننا على تجاوز الأزمة، وهناك العديد من الأسر التي فقدت أطفالها بسبب الجوع في المخيمات".
وتتشابه معاناة النازحين في مخيمات النزوح، لكنها تزداد في حال كانت الأسر لديها عدد أكبر من الأطفال، وتتفاقم أيضاً مع عدم وجود رب الأسرة، وظاهرة اختفاء عائل الأسرة زادت خلال الفترة الأخيرة، بسبب الفقر الذي يعاني منه غالبية سكان القرى والبلدات التي تعرضت لأسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاماً.
تقيم نورة علي نور في مخيم العدالة منذ نحو عامين، ولا يوجد من يعينها على إعالة أطفالها، ويحل رمضان مجدداً بينما لا تجد ما تقاوم به الجفاف وشح الغذاء، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنها تصوم من دون أن تجد ما تأكله في السحور، لكن ما يقلقها أكثر هو بقاء أولادها بأمعاء خاوية. تضيف: "أبحث عمّا أطعم به صغاري في الأكواخ المجاورة، فأحياناً أظفر بالقليل من الطعام، وأحياناً أخرى أعود خالية الوفاض، وأطالب المنظمات المحلية والدولية بمساعدة الأسر الفقيرة في مخيمات النزوح".
ويعيش نحو 750 أسرة نازحة في مخيم العدالة، حيث يتوزعون على أكواخ ومنازل بُنيت من الصفيح، ومعظمهم نزحوا حديثاً بسبب الجفاف الذي ضرب مناطق جنوبي البلاد منذ يوليو/ تموز 2021، ويواجهون ظروفاً معيشية تتفاقم مع تقلص الدعم الذي كان يتلقاه المخيم من منظمات خيرية دولية وعربية.
تقول مديرة المخيم، زهرة علي، في حديث مع "العربي الجديد": "يحتاج سكان المخيم إلى مساعدات غذائية خلال شهر رمضان، إذ لا يوجد لديهم ما يأكلونه في الإفطار أو السحور، وهناك بعض المساعدات المتواضعة التي تصلنا أحياناً من أفراد وشخصيات، لكن لا تزال محدودة جداً، مقارنة مع أعداد الأسر التي تعيش في المخيم".
وتشير إلى أن "المخيم استقبل عدداً كبيراً من النازحين خلال الفترة الأخيرة، وذلك في ظل عدم وجود خطة حكومية لدعم الأسر النازحة، ونطالب بتوفير المساعدات الإغاثية للمتضررين من أزمة الجفاف، خاصة من الهيئات الحكومية والعربية والدولية، لا سيما في شهر رمضان".
وأفاد تقرير للحكومة الصومالية والمنظمات الأممية أن نحو 43 ألف شخص لقوا حتفهم، في ظل موجة جفاف طويلة شهدتها الصومال خلال العام الماضي، ونصفهم على الأرجح من الأطفال.
وتعد هذه أول حصيلة رسمية يعلن عنها بشأن ضحايا الجفاف الذي اجتاح مناطق شاسعة من دول القرن الأفريقي. ومن المتوقع أن يحصد الجفاف ما لا يقل عن 18 ألف شخص خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، طبقاً لتقرير لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بعنوان "الأزمة الحالية لم تنته بعد".
ويواجه الصومال وكذا إثيوبيا وكينيا المجاورتان، تراجعاً حاداً في معدلات هطول الأمطار للموسم السادس على التوالي، ويتزامن هذا مع تأكيد الأمم المتحدة وشركاؤها أنهم لم يعودوا يتوقعون إعلاناً رسمياً للمجاعة في الصومال، لكنهم وصفوا الوضع بأنه "حرج للغاية"، إذ يواجه أكثر من 6 ملايين شخص المراحل الأولى من المجاعة في الصومال بالفعل.