تتفاوت الاستعدادات لفصل الشتاء بين مركز إيواء وآخر في لبنان، وتبقى المساعدات المتوفرة أقل بكثير من حجم الحاجة، كما تتفاقم الأخطار على النازحين الذين ما زالوا يفترشون الأرصفة، ولا يملكون سقفاً للاحتماء، في حين أن مَن حظي بخيمة على الكورنيش البحري في العاصمة بيروت، يظل عرضة لتطايرها، أو غرقها بمياه الأمطار.
وأعلنت غرفة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة بيروت، الجمعة الماضي، إجلاء أكثر من 400 نازح إلى مركز إيواء، في منطقة الكرنتينا، على أن تستكمل نقل بقية النازحين الموجودين على الكورنيش البحري إلى مركز إيواء يجري تجهيزه، وفق قاعدة بيانات جرى إعدادها مسبقاً.
يوضح المسؤول الإعلامي لخلية الأزمة في بيروت، فادي بغدادي، لـ"العربي الجديد"، أنهم مسؤولون عن تأمين العائلات اللبنانية فقط، في حين تقع على هيئات الأمم المتحدة مسؤولية تأمين مراكز إيواء غير اللبنانيين، أما عملية توفير وسائل التدفئة، فتندرج ضمن مهام الهيئة العليا للإغاثة.
وأعلنت غرفة إدارة الكوارث والأزمات في بيروت أنّه جرى تأمين 53.098 نازح في 170 مركز إيواء، مع تأمين أغلب احتياجاتهم ومستلزماتهم، بالتنسيق مع المنظمات الدولية والجمعيات المحلية والهيئة العليا للإغاثة والصليب الأحمر اللبناني وفوجَي إطفاء وحرس بيروت، وخلال أسبوع كحد أقصى، ستقوم الغرفة، بالتعاون مع الهيئة العليا للإغاثة، بتأمين الدفعة الثانية من البطانيات لمراكز الإيواء، لمواجهة الظروف المناخية المقبلة، وتداعياتها ضمن نطاق محافظة بيروت.
ويقف النازحون من لبنانيين ولاجئين سوريين وفلسطينيين، ومن عمّال أجانب وعاملات منازل مهاجرات، مكتوفي الأيدي، فلا خيار ملموساً يقيهم موجات الصقيع المقبلة، ولا خطط شاملة ترأف بهم بعد أن عايشوا المجازر وعذاب النزوح والنوم في العراء، أو في مراكز إيواء لم تمنحهم سوى سقف وعدد محدود من الفرش.
على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، حيث وُعد النازحون من قبل غرفة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة بيروت، بأولوية نقلهم إلى مركز الإيواء المستحدث في منطقة الكرنتينا (شرق العاصمة)، لا زالوا يفترشون الرمال. وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن بعض النازحين الذين كانوا في ضيافة أقاربهم أو أصدقائهم، أو الذين كانوا قد استأجروا منازل، هرعوا لتسجيل أسمائهم ليتم نقلهم إلى مركز الكرنتينا.
في السياق، تقول أشواق، النازحة اللبنانية من منطقة حي السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت لـ"العربي الجديد": "لقد تُركنا لمصيرنا في خيمة على الشاطئ، حيث أنتظر مع زوجي وابني الفرج. مع العلم، أن زوجي مريض، ولم تزرنا أي خلية أزمة ولم يتم تسجيل أسمائنا. لا نملك سوى الحرامات للتدفئة، ليس لدينا ثياب شتوية ولا وسائل تدفئة، ونعاني من البرد الشديد ليلاً، كوننا بجوار البحر. كما نخشى الأمطار الغزيرة المرتقبة وما يرافقها من ارتفاع موج البحر، واشتداد سرعة الرياح، ما يعني أننا عرضة لأن تطير خيمتنا أو تفيض بالمياه، ونصبح في العراء فعلاً". وتوضح أنهم حاولوا اللجوء لأكثر من مركز إيواء ولم يحظوا بأي مكان، "كل المراكز مكتظة". وتناشد الدولة اللبنانية أن "تسارع لتأمين مركز لائق يؤويهم قبل حلول العواصف، رأفة بالأطفال والمسنين والمرضى".
من جهتها، تتأسف اللاجئة السورية منار زيدان، النازحة من منطقة حي السلم في الضاحية الجنوبية أيضاً، كونها تعيش منذ أكثر من شهر على شاطئ الرملة البيضاء، من دون أي مساعدات من الدولة اللبنانية أو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. تقول الأم لثلاثة أولاد: "نعيش على مساعدات الخيرين فقط، لا استعدادات للشتاء، علماً أننا نحتاج لوسائل التدفئة ولأماكن آمنة تحمينا من البرد والعواصف وخطر ارتفاع موج البحر. وقد خاطر زوجي وذهب رغم القصف والغارات الإسرائيلية إلى منزلنا المتضرر جزئيّاً في منطقة حي السلم، وأتى ببعض الحرامات والوسادات والثياب الشتوية لتخفيف حدة البرد عن أطفالنا". تتابع: "نريد راحة البال وتوقف الحرب والعودة إلى منازلنا الدافئة. ولا يسعنا سوى انتظار رحمة الله".
بدورها، تنتقد الحاجة فاطمة، النازحة من الضاحية الجنوبية إلى مدرسة شكيب أرسلان المتوسطة (بيروت)، "خطة وطنية لم تلحظ أي استعداد للشتاء، فلا ثياب شتوية، ولا وسائل تدفئة. لا نملك سوى شراشف رقيقة، ناهيك عن النقص في الأدوية والحليب وحفاضات الأطفال والفوط الصحية. هناك عائلات تستغيث لتدفئة أطفالها الذين صاروا يشعرون ببرد الشتاء، خاصة خلال الليل، علماً أن المدرسة والثانوية الملاصقة لها، تضمان نحو 700 نازح، من بينهم نحو 200 طفل. ندق ناقوس الخطر لجهة حاجتنا لكسوة الشتاء. الحاجات كبيرة ولا تكفي المساعدات المرحلية أو الموسمية".
ومن مدينة عاليه (جبل لبنان)، يكشف كامل حيدر، وهو مدير أحد مراكز الإيواء، أن "مستلزمات الشتاء كلها مطلوبة، من الثياب والسجاد ووسائل التدفئة والمازوت، وقد أرسلنا لائحة بالحاجات الملحّة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، مع العلم أن معظم النازحين من أبناء المناطق الساحلية لجأوا إلينا بثيابهم الصيفية، وهم غير معتادين على الطقس البارد، بينما مدينة عاليه ترتفع بين 800 إلى 900 متر عن سطح البحر، وتشهد عواصف وثلوجاً وصقيعاً، وندعو إلى ضرورة تضافر الجهود بين الهيئة العليا للإغاثة والأحزاب الفاعلة في المنطقة لتأمين المازوت للتدفئة، كون كلفته مرتفعة نظراً للكميات المطلوبة".
من جهتها، تتحدث الناشطة في مركز الإيواء ذاته، رشا رضوان، عن وجود نحو 140 نازحاً، من بينهم 37 طفلاً، في حين تبقى المساعدات محدودة والنواقص عديدة. وتقول: "وصلتنا 10 سجادات، بينما يتوزع النازحون في 15 غرفة، والوجبات الساخنة التي يجري توزيعها لا تتناسب أحياناً مع النمط الغذائي لمرضى السكري، أو الذين يعانون من ارتفاع الكوليسترول، أو ضغط الدم".
بدوره، يشكو محمود زمط، من مدينة صور، النقص الكبير في كل شيء، وتقصير خطة الطوارئ الوطنية عن تلبية الحاجات المتعاظمة مع حلول فصل الشتاء. ويقول: "كنا نعيش في عزّ وشرف وكرامة، ولم نكن بحاجة لأحد، بل كنا نساعد الأهالي. قضيتُ 23 سنة من عمري في الاغتراب، وكنت أزور عائلتي عندما اندلعت الحرب الإسرائيلية قبل أيام من موعد عودتي إلى سيراليون، وصرت برفقة زوجتي وابنتَي في عداد النازحين".
لجأ محمود إلى أحد مراكز الإيواء في مدينة عاليه، وكان يخطط لافتتاح عمل آخر في أفريقيا، ومن ثم اصطحاب عائلته. ويوضح: "تورّطنا بالحرب، وكدت أموت تحت القصف، حيث انهار عليّ جزء من سقف المنزل، وهرعتُ كالمجنون مع عائلتي، من دون أن أحمل شيئاً، ولا حتى جوازات سفرنا".
من جهته، لا يريد أحمد الحريري، النازح من صور (الجنوب)، سوى العودة لمنزله أو العيش الكريم في أماكن النزوح. ويسأل: "هل تسدّ السجادات والبطانيات جوعنا، أو تداوي آلامنا وأمراضنا، ونحن محرومون حتى من الطعام السليم، إذ نتلقى وجبات ساخنة غير صالحة، ونتوسل للحصول على الأدوية والرعاية الصحية. مع العلم أننا كنا نعمل بعرق جبيننا من أجل الحصول على لقمة كريمة لنا ولأولادنا".
من بلدة بحمدون (جبل لبنان)، يتحدث مدير فرع الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا (AUST)، الدكتور جورج الرحباني، عن مبادرتهم الخيرية لمساعدة نحو 300 نازح احتضنتهم مدرسة تابعة للبلدية. ويضيف: "كنا نقوم بتأهيلها لتحويلها إلى مدرسة مهنية، وبناء على توجيهات رئيسة الجامعة، وفّرنا المساعدات الغذائية والحرامات الشتوية والمياه والتيار الكهربائي، رغم أننا لسنا المسؤولين عن المدرسة، ولا فكرة لدينا عن استعدادات الشتاء".
تحتمي الطفلة السورية اللاجئة فاتن (14 سنة) مع أبويها وإخوتها الثلاثة تحت خيمة تبرّع بها أحد الخيّرين، على الكورنيش البحري لبيروت. وتروي لـ"العربي الجديد" معاناتهم منذ أكثر من شهر، قائلة: "نريد غرفة دافئة فحسب، في مكان آمن بعيد عن القصف. لا نعرف ماذا سنفعل عندما تتساقط الأمطار. ليس أمامنا سوى رحمة الله". ويردد شقيقها عماد (10 سنوات): "اختربت حياتنا بعد أن كنا نعيش بأمان في منزل صغير في الضاحية الجنوبية لبيروت. نستحم في الخيمة، وننام على فراش رقيق، ونقصد دورة المياه في المطعم المقابل، ونبرد ليلاً كوننا بجانب البحر".
وتكشف المتحدثة باسم مفوضية شؤون اللاجئين، دلال حرب، لـ"العربي الجديد"، أن "المفوضية تواصل العمل بشكل وثيق مع الحكومة اللبنانية والسلطات المحلية والشركاء الإنسانيين لإيجاد حلول عاجلة للأشخاص الذين لا يملكون مأوى. تُقدّر السلطات المحلية أن نحو 600 إلى 700 لاجئ موجودون حاليّاً في شوارع بيروت. خلال الأسابيع الماضية، شاركنا خطة طوارئ لتأمين المأوى مع الحكومة اللبنانية، مع التركيز على الفئات الأكثر ضعفاً، وبدأنا تنفيذ أجزاء من الخطة، ونحن على استعداد لدعم المزيد من الجهود فور تلقينا توجيهات إضافية من الحكومة".
وتوضح حرب أن "المساعدات النقدية التي وزعتها المفوضية في الشوارع ومراكز الإيواء، تعطي الأولوية للأكثر ضعفاً، ونحو 40% من النازحين في الشوارع الذين تلقوا مساعدات نقدية من المفوضية هم من اللبنانيين. مع العلم، أنه منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، استفاد أكثر من 275,100 نازح من اللبنانيين واللاجئين من المساعدات النقدية. ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، استفاد 348,100 نازح من هذه المساعدات".
وتشير إلى أن "المفوضية تتعاون مع وكالات أممية أخرى لتحديد الاحتياجات، لا سيما مع قدوم فصل الشتاء، في حين أنها تقود الاستجابة المتعلقة بتوزيع مواد الإغاثة الطارئة، وتأهيل مراكز الإيواء، وتعمل على تأهيل ما لا يقل عن 420 مركز إيواء، بما يتناسب مع مراعاة الخصوصية والظروف المناخية، وكذلك تأهيل مرافق المياه والصرف الصحي، وتستضيف هذه المراكز أكثر من 16 ألف نازح، معظمهم من اللبنانيين. قمنا بتقييم الحاجات التأهيلية في 340 مركز إيواء، في حين جرى تأهيل 92 مركزاً، وبعضها لا يزال قيد الإصلاح، في العاصمة بيروت ومحافظات جبل لبنان والشمال وعكار وبعلبك - الهرمل والبقاع والجنوب".
ولم ترحم أزمة النزوح عاملة المنازل القادمة من بنغلاديش، لاما، التي تفترش الرصيف برفقة شقيقتها وصهرها روبيكو، وتقول لـ"العربي الجديد": "كنت أعمل في منزل بمنطقة برج البراجنة (الضاحية الجنوبية لبيروت)، وكذلك أختي، في حين كان زوجها يعمل في سوبرماركت في المنطقة ذاتها. وفور وقوع الغارات، تركنا أصحاب العمل لمصيرنا، فوصلنا إلى الكورنيش البحري في منطقة الروشة، وننام على بساط رقيق منذ شهر تقريباً، ولا نملك سوى فرشة واحدة ووسادة واحدة تبرع بهما أحد الخيّرين. لا نعرف أين سنذهب عندما تمطر، ولا سبيل أمامنا سوى الاحتماء تحت أي سقف في الشارع. لا نملك المال ولا جوازات سفرنا ولا ثياب شتوية، ونعاني البرد والجوع والعطش، في حين كان جواب سفارة بنغلاديش: اصبروا، وانتظروا حتى يصل جواز سفركم الجديد".