يواجه أطفال ليبيا دون العام مخاطر الإصابة بالعديد من الأمراض، بسبب النقص الحاد في اللقاحات الضرورية، في وقت تعهّد فيه مسؤولون حكوميون بالسعي إلى سدّ العجز الكبير في مراكز اللقاحات في البلاد.
وأعلن جهاز الإمداد الطبي في العاصمة طرابلس بدء توزيع كميات "كبيرة" من اللقاحات ضد فيروس الروتا (أو فيروس العَجَلِيَّة (Rotavirus) الأكثر انتشاراً لدى الرضع والأطفال، وتبدأ عوارضه من خلال ارتفاع في درجة حرارة الجسم المصحوب بالإسهال المائي والتقيؤ) في وحدات اللقاحات في المرافق الصحية، لسد العجز الحاصل خلال الفترة الماضية.
في هذا السياق، يؤكّد الطبيب في أحد مراكز اللقاحات في مدينة زليتن (شرق طرابلس) جمال بن يحيى، وجود عجز ونقص كبير في اللقاحات. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن العجز يتعلّق بالكميات والنوعية، قائلاً إن "الكميات التي توزع غير كافية، وعادة ما يبقى العديد من المواليد من دون لقاحات بسبب الكميات القليلة التي يفترض أن توزع على عدد كبير من وحدات اللقاحات". ويشير إلى أن جهاز الإمداد لا يوفر كل أنواع اللقاحات.
ويُشدّد على ضرورة أن تكون الأولوية للقاحات ضد شلل الأطفال والحصبة وغيرها، لافتاً إلى أهمية أن يكون هناك توصيات من المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ما يتعلق باللقاحات الضرورية. كذلك، حذّر بيان مشترك لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" من تعرّض 250 ألف طفل دون السنة في البلاد لخطر الإصابة بأمراض يمكن الوقاية منها، بسبب النقص الحاد في الإمدادات.
ولفت البيان إلى أن استمرار النزاع المسلح في البلاد وتوجه الجهود لمواجهة خطر تفشي كورونا "زادا من سوء الأوضاع"، مضيفاً أن "خدمات الرعاية الصحية وانقطاع التيار الكهربائي المنتظم ونقص إمدادات المياه الآمنة وإغلاق المدارس والأماكن الملائمة للأطفال" هي أسباب أضافية تهدد صحة الأطفال. كذلك، حذّر من "زيادة خطر عودة ظهور الحصبة وتفشي شلل الأطفال"، مؤكداً وجود نقص حاد في اللقاح السداسي الذي "يحمي من ستة أمراض هي الدفتيريا والكزاز والسعال الديكي وشلل الأطفال والمستدمية النزلية (ب) والتهاب الكبد الفيروسي (ب)، فضلاً عن العجز الكبير في تأمين لقاح شلل الأطفال".
إلا أن بيان جهاز الإمداد الطبي ينقل عن مسؤولين تأكيدهم وصول لقاحي الروتا والمكورات الرئوية، وبدء توزيعها على دفعات، مع الإشارة إلى سدّ العجز في اللقاحات قريباً للأطفال ما بين الشهرين والأربعة أشهر والستة أشهر، بعد النقص الحاد فيها خلال الفترة الماضية، على أن "يصل الليل بالنهار لسد العجز".
على الرغم من ذلك، يلفت بن يحيى إلى أن "وحدات اللقاحات في مختلف المناطق تعاني عجزاً في الإمكانات، موضحاً أن جهاز الإمداد الطبي مسؤول عن تزويدنا بأدوات الوقاية من فيروس كورونا. لكننا نعتمد على ما توفره الجهات الخيرية من كمامات وقفازات، أو نشتريها من حسابنا الخاص".
والأهم، بحسب بن يحيى، هو "الحديث بشفافية من قبل المسؤولين. فما يوفره جهاز الإمداد الطبي هو مجرد جزء صغير من اللقاحات، وعلى الأخير الاعتراف بالعجز". ويسأل: "أين لقاحات شلل الأطفال والحصبة والتهاب الكبد الوبائي؟ فهي الأخطر والأكثر تفشياً". ويتضمّن جدول اللقاحات المعتمد من المركز الوطني لمكافحة الأمراض ضرورة حصول الأطفال حديثي الولادة على لقاحات السداسي، والخماسي، وشلل الأطفال، والمستدمية النزلية والتهاب السحايا والحصبة. لكن بن يحيى يشير إلى أن لقاحي الروتا والمكورات الرئوية أضيفت إلى الجدول رسمياً منذ عام 2013، قائلاً إن مركزه لم يحصل على غالبية هذه اللقاحات منذ ستة أشهر.
يتابع: "هناك مواليد فاتتهم الجرعات، وحصولهم عليها في وقت متأخر لا يعطي النتائج نفسها"، مرجحاً ارتفاع أعداد الإصابات بأمراض بين الأطفال خلال الفترة المقبلة.
من جهتها، تتحدث عضو جمعية نبض الحياة الأهلية في بنغازي، سارة المجبري، عن عوامل أخرى تهدد صحة الأطفال، قائلة: "علاوة على نفاد هذه اللقاحات، هناك مشاكل أخرى، منها عدم القدرة على وصول الكثير من العائلات إلى مراكز اللقاحات. بعض العائلات انتظرت عاماً لإعطاء أطفالها ما فاتهم من لقاحات"، مشيرة إلى أن النزوح والحرب وظروف التهجير القسري جعلت العائلات غير مكترثة بخطورة الأمراض على أطفالها.
وتدخلت جهات أهلية وجمعيات خيرية من خلال حملات جمع تبرعات لتوفير اللقاحات، إلا أنها لم تكن دورية لتكفل تأمين اللقاحات بشكل روتيني، وبالتالي تعطي مفعولها المطلوب، بحسب المجبري. تضيف أن جمعيتها شاركت في هذه الحملات، لافتة إلى أن السلطات الصحية في البلاد لا تملك إحصائيات ثابتة للأطفال الذين يحصلون على مثل هذه اللقاحات.
وتلفت إلى تصريح وزير الصحة في الحكومة الموازية شرقي البلاد، سعد عقوب، الذي كرّر الرقم المعلن من قبل منظمة الصحة العالمية. تضيف: "لا أعتقد أن المنظمة استقت أرقامها من وزارات منقسمة ومنهارة. المخاطر التي تواجه الأطفال أكبر من ذلك. لم نتحدث عن الأخطار النفسية والعقلية التي تهدد حياة الأطفال وصحتهم في ظل استمرار الحروب والنزوح، ولا أمراض السرطان التي يعانون منها".
إلى ذلك، يتحدث حسن السيناوني عن انتظاره توافر لقاح BCG (يعطى للأطفال الذين يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض السل TB) منذ أربعة أشهر في مركز لقاحات في منطقته في سيناون جنوبيّ البلاد، لافتاً إلى أن بعض معارفه أكدوا له نفاد اللقاح من أغلب المراكز في الجنوب. يتابع في حديثه لـ "العربي الجديد": "حديثو الولادة يعانون بسبب فساد المسؤولين المصرّين على نهب الأموال المخصصة لشراء هذه اللقاحات. هؤلاء المسؤولون يبيدون مستقبل البلاد ويعرّضون أطفالنا لخطر الإصابة بالأمراض". ويقول إنه يتابع الأخبار التي تؤكد أن تحذير المنظمات الدولية من نفاد لقاحات الأطفال هو الثالث خلال عامين.