نفور من الطبيعة... أطفال الصين يدمنون التكنولوجيا

19 سبتمبر 2024
قلة هم الأطفال الذين يقضون أوقاتاً في الطبيعة (لونغ واي/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الابتعاد عن الطبيعة وتأثيره على الأطفال**: أطفال الصين يبتعدون عن الطبيعة بسبب التوسع الحضري وإدمان الشاشات الذكية، مما يثير تساؤلات حول علاقتهم المستقبلية بالبيئة.

- **التحضر السريع وتداعياته**: التحضر السريع في الصين أدى إلى قضاء الأطفال معظم وقتهم في بيئات صناعية، مما يؤثر سلباً على جودة التعليم ونفورهم من الطبيعة.

- **المسؤولية المشتركة والخوف من الطبيعة**: الأسرة والمؤسسات التعليمية تتحمل مسؤولية نفور الأطفال من الطبيعة، مما يؤدي إلى مشكلات صحية مثل السمنة والاكتئاب.

يبتعد أطفال الصين أكثر وأكثر عن الطبيعة بتأثير التوسع الحضري والنزوح الجماعي من الريف إلى المدينة، وإدمان الشاشات الذكية والهواتف المحمولة. ويخلق ذلك جيلاً يفتقر إلى الوعي بالطبيعة، وهو أمر طرح تساؤلات في الأوساط الاجتماعية عن مستقبل الجيل الجديد وعلاقته بالبيئة المحيطة به. ويقول خبراء إن الاعتماد المتزايد على الأجهزة الإلكترونية، والضغوط الأكاديمية واللامنهجية، لا يترك سوى القليل من الوقت للأطفال الصينيين للمشاركة في الأنشطة الخارجية أو التواصل مع الطبيعة. ويلفت هؤلاء إلى أن دروس العلوم الطبيعية المبنية على الكتب المدرسية في معظم المدارس العامة في الصين تدفع الأطفال بعيداً عن الطبيعة

وخلال العقود الماضية، شهدت الصين أسرع عملية تحضر في تاريخ البشرية. ووفقاً لأرقام صادرة عن المركز الوطني للإحصاء في البلاد، ارتفع عدد سكان المناطق الحضرية في الصين من 170 مليوناً خلال حقبة الإصلاح والانفتاح في سبعينيات القرن الماضي، إلى 922 مليوناً بحلول عام 2023، ما يمثل أكثر من 60% من إجمالي السكان. 
وبحسب المصدر نفسه، فإن الأطفال الذين يولدون وينشؤون في المدن هم من سكان المناطق الحضرية. وعلى الرغم من وجود الحدائق والمساحات الخضراء العامة في المدن، يقضون معظم وقتهم في بيئات صناعية لا توفر أدنى متطلبات الحياة الصحية في الطبيعة. وقبل عامين، أصدرت جامعة بكين دراسة بعنوان "فحص جودة التعليم الإقليمي"، استعرضت فيها سبع سنوات من البيانات التي جمعت من أكثر من أربعة آلاف مدرسة ابتدائية ومتوسطة وثانوية في جميع أنحاء الصين، وخلصت نتائج الدراسة إلى أن الاعتماد على الهواتف الذكية، والدروس الخصوصية المفرطة بعد المدرسة، والحرمان من النوم، كلها عوامل تؤدي بصورة خطيرة إلى تآكل جودة التعليم ونفور الأطفال من الطبيعة.

مسؤولية مشتركة

يقول أستاذ الدراسات الاجتماعية السابق في جامعة "صن يات سن" وي لي فنغ، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن هناك مسؤولية كبيرة مشتركة تقع على عاتق الأسرة والمؤسسات التعليمية بشأن نفور الأطفال من الطبيعة، موضحاً أنه غالباً ما يُستشهد بمخاوف السلامة باعتبارها السبب الرئيسي وراء محدودية التعليم في الهواء الطلق في المدارس العامة، ما يجعلها تقدم عدداً قليلاً جداً من دورات التعليم الطبيعي التي تشمل التفاعل خارج جدران المؤسسات التعليمية. كما يلفت إلى أن دروس العلوم الطبيعية المبنية على الكتب المدرسية في معظم المدارس العامة في الصين تدفع الأطفال بعيداً عن العالم الطبيعي. ويقول إنه نادراً ما تتاح للأطفال فرصة اللعب في الخارج، ومن ثم يقضون معظم وقتهم في المدرسة، أو الدروس الخصوصية بعد الدوام، بالإضافة إلى الإدمان على ألعاب الفيديو والأجهزة الذكية. يضيف: "لو أجرينا مقارنة بسيطة سنجد أنه في البلدان المتقدمة، ورغم استمرار التفاوت بين الريف والمناطق الحضرية، فإن التعلم في الطبيعة والاندماج فيها أكثر تكاملاً وحضوراً في المناهج الدراسية، كما أن هناك اهتماماً أكبر بمسألة التعلم التجريبي والنشاط البدني". ويؤكد أن إدماج الأطفال في بيئات طبيعية حقيقية تساعدهم على فهم العلاقة بين الإنسان والبيئة، وتخرجهم من دوامة التكنولوجيا وتداعياتها الخطيرة.

بات الأطفال أكثر إدماناً على الهواتف الذكية (فرانس برس)
بات الأطفال أكثر إدماناً للهواتف الذكية (فرانس برس)

الخوف من الطبيعة


من جهتها، تقول الباحثة في مركز "دونغوان" للإرشاد والتأهيل النفسي، لورا شانغ، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن نسبة الخوف من الطبيعة ترتفع بصورة أكبر في المجتمعات الحضرية المتطورة اقتصادياً، مشيرة إلى أن هذا الاتجاه يؤثر سلباً على الصحة البدنية والنفسية لجيل كامل. وتوضح أن الأطفال الذين لا يتفاعلون مع الطبيعة قد يصابون بمشكلات صحية متراكمة ومركبة، مثل السمنة والاكتئاب ونقص الانتباه والقلق والخمول وتراجع المهارات الاجتماعية. في الوقت نفسه، تؤكد أن ضعف القدرة على إدراك العالم من حولنا ليس مرضاً بقدر ما هو جهل بالطبيعة ومكنوناتها، الذي ينطوي على فقدان الاتصال بهذا العالم الخصب، ما يجعل الأطفال أقل تحفزاً إلى استكشاف الحياة الطبيعية وتقديرها، ومع مرور الوقت يصبح ذلك سلوكاً غريزياً. وتعطي أمثلة على أن معظم الأطفال يشعرون بالتوتر في البيئات الطبيعية، ويعربون عن امتعاضهم من ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة أثناء جولاتهم الخارجية، وغالباً ما يطلبون العودة بسرعة إلى المنزل للاستمتاع بأجهزة التكييف، أو ممارسة ألعاب الفيديو، أو مشاهدة التلفاز. وحين يشعرون بالإرهاق من السير لمسافات طويلة، يرفضون حتى مجرد الجلوس على العشب لأنهم يعتقدون أنه قذر ومليء بالحشرات وفضلات الكلاب والقطط.

وكان خبراء صينيون قد حذروا في وقت سابق من خلو الريف من ناسه. وشهد الريف الصيني خلال العقود الثلاثة الماضية، هجرة جماعية نحو المدن والمناطق الحضرية، وشمل ذلك هجرة الطلاب وأولياء أمورهم إلى البلدات المجاورة بحثاً عن فرص تعليم وعمل أفضل. وجذبت الحكومات المحلية سكان الريف إلى المدن حيث يمكنهم المساهمة في التوسع الحضري والنمو الاقتصادي هناك. وسبّبت موجات الهجرة إغلاق العديد من المدارس في الريف بسبب قلة أعداد الطلاب، ما أدى إلى توسيع الفجوة وتفاقم التفاوت الهيكلي بين الريف والمدن. وبحسب سجلات رسمية، تقلص عدد المدارس الابتدائية في المناطق الريفية بسبب خلوها من الأطفال من حوالي نصف مليون مدرسة عام 2005 إلى 150 ألف مدرسة عام 2020. وانتقدت الحكومة المركزية في العاصمة بكين مراراً الإغلاق غير المعقول للعديد من المدارس في الريف وهجرة السكان، وأعلنت عزمها تنفيذ خطط استراتيجية لمواجهة هذه الأزمة.

المساهمون