أبلغت بلدان عديدة عن نقص في المضادات الحيوية مع ارتفاع الطلب على الأدوية، وتظهر العديد من البيانات وجود نقص ملحوظ في عقارات "أموكسيسيلين" و"سيفالوسبورين" ومضادات حيوية أخرى مستخدمة على نطاق واسع، في حين تخشى دول عدة من تأثيرات أوبئة جديدة، على غرار ما يحصل في المملكة المتحدة، بعد انتشار البكتيريا العقدية "أ"، والحمى القرمزية التي تسببت بوفاة العديد من الأطفال.
لا توجد أسباب واضحة لأزمة نقص المضادات الحيوية عالمياً، وتورد صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن السبب يعود إلى ارتفاع الطلب في هذا التوقيت؛ إذ تواجه العديد من الدول مشاكل صحية، مع زيادة عدد الأمراض بعد عامين من جائحة كورونا، وتضيف الصحيفة سبباً آخر يتعلق بأزمة في سلسلة التوريد، خاصة في الصين والهند، ما يؤدي إلى حصول النقص.
يقول الصيدلي حسين هاشم لـ"العربي الجديد": "نقص المضادات الحيوية في الولايات المتحدة وأوروبا، يعود سببه أيضاً إلى توقف المصانع في دول آسيوية عن إنتاج المواد الأولية للصناعة، بسبب حالات الإغلاق التي فرضتها جائحة كورونا. حتى مع رفع الدول قيود كورونا، فإن قدرة المصانع على إنتاج المواد الأولوية لا تزال مقيدة، إما بسبب السياسات الداخلية، كما هو الأمر في الصين، أو بسبب نقص الكوادر البشرية والمواد الأولية لصناعة الأدوية".
وحسب تقرير لصحيفة "ذي كونفرزيشن" البريطانية، فإن الأزمة الحالية في المملكة المتحدة يعود سببها إلى ارتفاع نسب الإصابة بأمراض بكتيرية ناتجة عن ضعف المناعة، فبعد عامين من الجائحة، وإصابة الملايين بالمرض، بدأت تظهر العديد من الأمراض المرجح أن تكون ناتجة عن ضعف المناعة، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة استخدام المضادات الحيوية بشكل أكبر من المعتاد.
وسمحت المملكة المتحدة بالحصول على المضادات الحيوية من الصيدليات في حال الاشتباه بالإصابة بالبكتيريا العقدية "كإجراء وقائي"، مما أدى إلى زيادة الطلب على البنسلين والأموكسيسيلين، وقد تسبب هذا الإجراء في خلق نوع من التوترات بين الصيدليات من جهة، ووزارة الصحة من جهة ثانية، والتي نفت علمها بوجود نقص في المضادات الحيوية. ووفق صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، فإن الصيادلة في جميع أنحاء البلاد، لا يستطيعون الوصول إلى أنواع كثير من المضادات الحيوية.
على نطاق أوسع، يعد الاعتماد الشديد على بلدان معينة كمصادر رئيسية للمكونات قضية مهمة تؤثر على الإمدادات العالمية، إذ تعد كل الصين والهند من الدول الرئيسية التي تصدّر المواد الخام بنسبة تصل إلى 60 في المائة، وبالتالي فإن حصر إنتاج المواد الخام له تأثيرات على المدى الطويل.
وبحسب صحيفة "ذي كونفرزيشن"، أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى توقف العديد من المصانع، بسبب زيادة تكاليف الإنتاج، ومن بينها بعض مصانع المضادات الحيوية.
تلعب المضادات الحيوية دوراً أساسياً في علاج العديد من الأمراض، إذ تمنع تكاثر وانتشار البكتيريا، حسب ما يؤكد اختصاصي الصحة العامة، جورج أصطفان، لـ "العربي الجديد": "يجري وصف المضادات الحيوية لمعالجة الالتهابات الحادة، مثل الالتهابات التنفسية، وعادة لا يجري وصف المضادات الحيوية للعدوى البكتيرية الخفيفة، إذ يمكن للجهاز المناعي التعامل معها بمساعدة الأدوية البسيطة".
ويضيف أصطفان: "يمكن وصف المضادات الحيوية، وتحديداً أموكسيسيلين، لجميع الفئات العمرية، ولكن ضمن جرعات محددة، ويبدأ المريض بالتحسن في اليوم التالي، نظراً لمفعول الدواء في منع انتشار البكتيريا، ونقص هذه الأدوية له انعكاسات كبيرة على الصحة العامة، وتحديداً على أصحاب المناعة الضعيفة، مثل الصغار وكبار السن. أموكسيسيلين يعد من الأدوية الرخيصة نسبياً مقارنة مع بقية المضادات الحيوية، كما أنه سهل الاستخدام والتخزين، ما يجعله مطلوباً بشكل كبير في العديد من الدول".
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أبلغت إدارة الغذاء والدواء الأميركية لأول مرة عن نقص محلول "أموكسيسيلين" الذي يؤخذ عن طريق الفم، وهو النوع الأكثر شيوعاً في العديد من الدول. ووفق موقع "هيلث لاين" الطبي، بدأ يتسع النقص ليشمل أنواعاً مختلفة من المضادات الحيوية، منها الكبسولات الفموية، والأقراص، ما قد يؤدي إلى حصول اضطرابات في المستقبل.
وتتوقع إدارة الغذاء والدواء أن يستمر النقص في الأدوية المختلفة، بما في ذلك المضادات الحيوية الشائعة، لأشهر عدة، وهو ما قد يكون له نتائج سلبية على الصحة العامة. ويخشى كبير مديري ممارسة الصيدلة وجودتها في الجمعية الأميركية لصيادلة المستشفيات، مايكل جانيو، أن تؤدي الأزمة إلى حصول توترات بين المرضى والعاملين بالقطاع الصحي.
يستخدم الأموكسيسيلين على نطاق واسع في الولايات المتحدة، بحسب بيانات نشرتها مؤسسة "ستاتيستا" المتخصصة بالأرقام والإحصاءات، والمعدل السنوي لاستخدامه يتجاوز 31 مليون وصفة، بالنظر إلى أن أسعاره رخيصة نسبياً مقارنة بالمضادات الحيوية الأخرى، وبالتالي فإن غيابه عن الأسواق يزيد من التكلفة الصحية.
يقول أصطفان: "في حال عدم توافر هذا النوع من الأدوية، يمكن عندها وصف تركيبة أخرى، ولكن قد لا تكون هذه التركيبات ذات فاعلية عالية، ومن جهة ثانية، قد تكون أسعارها أغلى، وهو ما يكبد المريض عبئاً مادياً إضافياً"، وينصح بتناول التطعيمات المتعلقة بالأنفلونزا، والتعزيزات الخاصة بفيروس كورونا، على اعتبار أنها قد تساهم في زيادة المناعة لدى الأشخاص عموماً، وتخفف من تأثيرات النقص الحاصل.