أفادت مصادر مطلعة على أوضاع الأيزيديين في العراق بأن نحو 100 أيزيدي هاجروا الشهر الماضي من بلدة سنجار بمحافظة نينوى (شمال) ومناطق متفرقة من إقليم كردستان (شمال) إلى بلدان أوروبية مختلفة، في إطار مسلسل هجرة لم ينقطع منذ سنوات، والذي يشير إلى مواجهة الأيزيديين مخاطر وجودية كبيرة بسبب سيطرة المليشيات حالياً على مدنهم ومصالحهم.
وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد" إن "بعض الأيزيديين الذين غادروا العراق وصلوا إلى هولندا أخيراً حيث طلبوا اللجوء الإنساني، وأن آخرين في سنجار يستعدون للهجرة إلى كندا بعدما زادت المصاعب التي يواجهونها في مناطقهم".
وكانت هجرة الأيزيديين إلى الخارج، وتحديداً إلى دول أوروبية، بدأت عام 2003، ثم زادت في شكلٍ كبير خلال السنوات التسع الماضية بسبب تعرضهم لقتل وتهجير وترويع من على أيدي عناصر تنظيم "داعش"، وأيضاً لمضايقات من حزب "العمال الكردستاني" الذي ينشط في سنجار، المعقل الرئيسي للطائفة، ومن فصائل مسلحة في الحشد الشعبي".
ولفتت المصادر، إلى أن "ترهيباً مستمراً يستهدف الأقليات، ومنها الأيزيدية والمسيحية، كأنه مخطط لإفراغ العراق من الأقليات، ومنعهم من الوصول إلى مراكز مهمة في الحكم، وتهميشهم. وتنفذ هذا المخطط أدوات محسوبة على الدولة، ما يعني أن كل ما يجري ضد الأقليات يحصل بعلم أو تواطؤ السلطات".
وفي إبريل/ نيسان الماضي، أشارت الأمم المتحدة إلى أن نحو 70 في المائة من الأيزيديين ما زالوا خارج سنجار بسبب انعدام الاستقرار الأمني والسياسي، وتأخر إعادة الإعمار، علماً أن "داعش" كان دمّر نحو 80 في المائة من البنى التحتية و70 في المائة من منازل المدنيين في سنجار ومناطق محيطة. ولا يزال أكثر من 2800 شخص في عداد المفقودين، وبعضهم كان اعتقلهم "داعش"، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
وأكد عضو البرلمان العراقي عن المكون الأيزيدي شريف سليمان أن "أكثر من 6 آلاف امرأة وطفل خطفوا أو اختفوا منذ آب/ أغسطس 2014، ثم عثرت السلطات على 3 آلاف منهم".
وأكد الناشط السياسي من سنجار الذي يسكن في أربيل حالياً سلوان شنكالي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "اختفاء أشخاص من دون العثور على أي أثر لهم زاد مخاوف الأيزيديين، كم تعرّض عدد كبير منهم إلى صدمات نفسية فقرروا ترك العراق وعدم العودة في ظل وجود تسهيلات أوروبية لاستقبالهم كلاجئين".
أضاف: "فشلت الحكومة العراقية في حماية الأيزيديين وتعويض خسائرهم الكبيرة، كما لم تنجح خلال السنوات الماضية في تطبيق اتفاق سنجار الذي وقعته مع حكومة أربيل لطرد المسلحين من المدينة، وتوفير الخدمات وإعادة إعمار المدينة بالتعاون بينهما".
من جهته، أكد الصحافي الأيزيدي تحسين شيخ كالو، المتخصص في شؤون الأقليات، أن "الأيزيديين اختاروا الهجرة الشرعية وغير الشرعية بحثاً عن السلام، وهاجر أكثر من 120 ألف أيزيدي من العراق منذ عام 2014، ولا تزال الهجرة مستمرة إلى ألمانيا وهولندا وأستراليا وفرنسا وغيرها". وقال لـ"العربي الجديد" إن "الهجرة خطر كبير على المكون الأيزيدي لأنها قد تتسبب في زوالهم في العراق".
تابع: "يتعرض الأيزيديون إلى مضايقات يومية ترتبط بعضها بقبولهم في الدراسة والوظائف بسبب السؤال عن القومية، فهم غير مرغوب بهم بحسب ما توضحه الوقائع، لذا باتوا يبحثون عن مصادر العيش في الخارج، ولا مشكلة لديهم إذا تعرضوا إلى مخاطر الموت في طريقهم للهجرة، وطالما أن المجتمع الدولي لا يحميهم ستستمر الهجرة".
ونفذ تنظيم "داعش"، بعد دخوله مدينة سنجار مطلع آب/ أغسطس 2014 جرائم مروعة تضمنت عمليات قتل جماعية وخطف لآلاف من نساء الطائفة الأيزيدية، ما خلّف مآسي كبيرة لا تزال آثارها موجودة.
وعام 2020 اعتبر البرلمان العراقي أن ما تعرض له أبناء المكون الأيزيدي على يد مسلحي "داعش" جرائم "إبادة جماعية"، وأقرّ قانون "الإبادة الجماعية للأيزيديين" لإنصاف الضحايا الذي تلحظ أهم بنوده منح امتيازات مالية ومعنوية لتسهيل إعادة اندماج النساء من ضحايا التنظيم في المجتمع، ومنحهن راتباً تقاعدياً وقطع أرض سكنية، وأولوية في التوظيف إلى جانب استثناءات في ما يتعلق بشروط الدراسة، فضلاً عن جوانب أخرى تتعلق بإعادة الإعمار وتأهيل المناطق المنكوبة.