ست ساعات أو يزيد من الحريق المضطرم كانت كافية لأن تقضي على أرزاق إحدى عشرة عائلة مقدسية تعتاش من عمل أربابها وأبنائها في مستودع ومحلات البشيتي لقطع السيارات الجديدة والمستعملة على تخوم بلدة أبو ديس جنوب شرق القدس المحتلة.
حدث ذلك قبيل ظهر الجمعة الماضي (الخامس عشر من الشهر الجاري)، حين اقتحمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي واندلعت مواجهات مع الشبان ليمطر جنود الاحتلال منازل المواطنين بالغاز المسيل للدموع، لكن نصيب الأسد من هذا الغاز الحارق والخانق كان لمستودع البشيتي الذي يضم مئات المركبات وكميات كبيرة من قطع السيارات منها ما هو جديد ومنها ما هو مستعمل.
مشهد صادم
كان يمكن للقاطنين بالقرب من المسجد الأقصى وعلى تخوم البلدات والأحياء الجنوبية، رؤية سحب الدخان الأسود الكثيف التي كانت تستعر نارا جراء قطع السيارات وزيوت السيارات بينما كان المشهد صادما وقاتلا للمواطن أحمد البشيتي صاحب المستودع ولأفراد عائلته وأفراد عائلات أخرى تعتاش من عملها في المستودع.
يصف المواطن إياد البشيتي نجل أصحاب المستودع لـ"العربي الجديد" المشهد بأنه كان مؤلما وصادما لا يمكن تخيله، ويقول: "لقد احترق كل شيء ومعه احترق أكثر من سبعة ملايين شيقل (أكثر من مليوني دولار) هي ما يمكن تقديره من خسائر تمثل موجودات المستودع الذي شيده والده مطلع العام 2000 وأفنى في العمل به سنوات طويلة".
يضيف إياد: "لم تكن مركبة الدفاع المدني الفلسطيني اليتيمة والوحيدة التي وصلت لموقع الحريق متأخرة قادرة على أن تخمد الحريق المستمر، بينما كانت حرائق الألم والحسرة تستعر في صدر والدي وصدر كل فرد في العائلة، لقد ذهب كل شيء…".
اقتحامات يومية
أُخمد الحريق في المركبات وفي مستودع البشيتي، لكن نيران الحسرة لا تزال مستعرة فيمن فقد كل شيء، هذا ما يعيشه كل فرد من عائلة البشيتي الذين ربما يستطيعون البدء من جديد في إعادة بناء ما أحدثه جنود الاحتلال الذين لم يكتفوا بحرق المستودع، بل استباحوا منازل في بلدة أبو ديس، واعتقلوا شبانا وعاثوا خرابا في كل منزل دهموه.
يقول الناشط محمد عريقات لـ"العربي الجديد" إن الاقتحام الكبير لبلدة أبو ديس ارتبط على ما يبدو بانفجار العبوة الناسفة في حديقة وسط تل أبيب، حيث اتهمت سلطات الاحتلال شابين من أبناء البلدة بالوقوف وراء هذا الانفجار، وحيث لا تزال سلطات الاحتلال تتكتم على تفاصيله.
لكن الناشط عريقات يشير إلى أن بلدة أبو ديس الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة القدس باتت منذ مطلع هذا العام، هدفا لاقتحامات بومية من قبل جيش الاحتلال بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي حولها إلى ممر هام لمواطني جنوب الضفة الغربية مع شمالها، وحيث تعبرها يوميا آلاف المركبات المتجهة إلى أريحا والأغوار وإلى مدينة القدس ومدن شمال الضفة الغربية.
تتاخم بلدة أبو ديس أيضا مستوطنة معاليه أدوميم المقامة على أراضي القدس، وهي كبرى المستوطنات اليهودية في محافظة القدس والتي يقطنها أكثر من 40 ألف مستوطن، وشكلت في السنتين الأخيرتين هدفا لهجمات المقاومة كان أشهرها العملية الفدائية التي نفذها الشهيد عدي التميمي نهاية العام الماضي، ما جعل أبو ديس هدفا مستمرا للاحتلال؛ سواء من خلال المداهمات اليومية التي ينفذها، أو من خلال محاصرتها بالشوارع الاستيطانية وتقييد حركة المواطنين، بحسب الناشط عريقات.
أبو ديس يحاصرها الجدار والاستيطان
موقع بلدة أبو ديس جعلها هدفا للاستيطان وجدار الفصل العنصري، وتبلغ مساحة أبو ديس 30 ألف دونم، وصادر الاحتلال الإسرائيلي الكثير من أراضيها لإقامة المستوطنات، وأشهرها مستوطنة "معالي أدوميم" والتي تُصنّف على أنها ثاني أكبر المستوطنات في الضفة الغربية وتمتد إلى حدود محافظة أريحا، ومنذ عام 1995 تصنف كمنطقة "ب".
وفي الحدود الغربية لبلدة أبو ديس أقام الاحتلال مقطعا من جدار الفصل العنصري ليعزلها عن القدس تماما، وتتاخمها جنوبا بلدة السواحرة، ويمتد الجدار على أراضي البلدة بطول 8 كلم يتوزّع ما بين جدار قائّم غرب البلدة، ويفصلها عن مدينة القدس، وجدار شرق البلدة، حيث تم مصادرة 11.095 دونما من أراضي البلدة ضمن المنطقة التي سيعزلها الجدار، وتشمل الأراضي المعزولة بفعل الجدار المناطق السكنيّّة والأراضي الزراعيّة والمراعي والمناطق المفتوحة والمستوطنات الإسرائيليّة وغيرها.
الجدير بالذّكر أنّ الجدار الذي بني على أراضي بلدة أبو ديس من الجهة الشرقيّة، هو جزء من الجدار المخطط له حول تجمع "معاليه أدوميم" الاستيطاني الذي تسعى سلطات الاحتلال إلى ضمه ليصبح الحدود الجديدة لبلديّة القدس، ضمن إطار مشروع "القدس الكبرى" الذي تقوم سلطات الاحتلال بتنفيذه لإيجاد واقع أليم على الأراضي الفلسطينيّة.
فيما يقدر عدد سكان أبو ديس بنحو 30 ألف نسمة يضاف اليهم نحو 15 ألف آخرين قدموا اليها من محافظتي الخليل وبيت لحم واستقروا فيها.