بعد أكثر من أسبوع على تنفيذ عملية إطلاق النار على الحاجز العسكري المقام شمال شرق القدس، حيث قُتلت فيها مجندة وأصيب جنديان آخران، تحوّل الشاب عدي التميمي الذي اتُّهم بتنفيذ تلك العملية إلى أيقونة نضال وقدوة يحتذي بها العديد من شبان مخيم شعفاط (شمال شرق مدينة القدس)، الذين واجهوا على مدى أسبوع حصاراً عسكرياً فرضه الاحتلال على مخيمهم، وقد اشتبكوا مع الجنود حتى فرضوا عليه رضوخاً برفع الحصار بعدما فشل باعتقال التميمي.
تمويه وتشويش
ويرى شبان مخيم شعفاط أن عدي التميمي أسطورة وبطل، ظهر في وقت صعب تعيشه القدس والمسجد الأقصى، في ظل الاعتداء على المرابطات والفتيات المقدسيات، كما يقول الشاب م.علقم لـ"العربي الجديد". وقد قرّر ومجموعة من رفاقه حلق شعر الرأس تماماً دعماً وإسناداً لابن المخيم المطارد ولتضليل الاحتلال خلال عمليات الملاحقة.
علقم لم يكن الوحيد الذي حلق شعر رأسه. إذ إن ستة من رفاقه أقدموا على الخطوة نفسها معتبرين أنها تحمي عدي من الاعتقال. وما إن بث مقطع الفيديو الذي يظهر مجموعة من رفاق علقم وقد انتهوا من حلاقة شعر رؤوسهم، حتى تدافع شبان آخرون للقيام بالمثل، بهدف حماية التميمي وتعقيد عملية البحث عنه، بعدما نشر الاحتلال صورته وهو أصلع.
ولم يخف الشاب ن. الشويكي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، دعمه لما قام به شبان المخيم، ووصفهم بالأبطال الذين يقتدون ببطل أذل جنود الاحتلال بما قام به. كما أشار إلى مخيم شعفاط الحاضن أبناءه المقاومين الذين واجهوا الاحتلال على مدى أسبوع الحصار، كما أنهم يواجهونه كل يوم.
ومن خلال "فيسبوك"، نشر شبان من مخيم شعفاط رسائل تدعو شبان المخيم وعموم الشبان الفلسطينيين إلى التخاطب في ما بينهم باسم عدي، عسى أن يعيق ذلك الرقابة التي يفرضها الاحتلال على الاتصال في سعيه للوصول إلى عدي.
وسائل مستحدثة
في هذا الإطار، يقول الكاتب والناشط السياسي محمد الصفدي لـ"العربي الجديد": "السلوك الذي يعتمده شبان المخيم يعد وسيلة مستحدثة، وله بعد سيكولوجي اجتماعي وثقافي سياسي؛ فالشبان عادة ما يتماهون مع ظاهرة البطل ليشعروا بالانتماء إلى مجموعة، في ظل تفكك المجتمع وتشرذمه.
ومن الناحية الثقافية والسياسية، يؤكد الصفدي أن "لدى الشعب الفلسطيني سلوكا وتقاليد كفاحية مقاومة متوارثة تتغير وفق المرحلة. وما يجري حالياً يعد سلوكاً مستحدثاً ونوعاً من التضحية، إذ يخاطرون باحتمال أن يكونوا عرضة للتنكيل من الاحتلال. وهذه جرأة مباشرة ووحدة حال وتصريح واضح بإعجابهم بالبطل واستعدادهم لحمايته واحتضانه والسير على دربه، ما يؤكد المضمون التمردي الثوري العابر للحواجز الردعية".
وبحسب الصفدي، فإن سلوك شبان المخيم إقرار منهم بأنهم ليسوا متفرجين، بل راغبون بأن يكونوا حاضنة شعبية مناصرة للبطل الشعبي الذي ألهب خيالهم ووجدانهم.
بدوره، يقول الكاتب والروائي جميل السلحوت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "التّعاطف مع المقاومين المطاردين ليس جديداً على الشعب الفلسطيني، كما فعل أبناء مخيم شعفاط عندما قصّوا شعرهم كلياً لتضليل المحتلين الذين يطاردون مقاوماً حليق الشعر. حدث ذلك في ثورة عام 1936، وصارت قوّات الاحتلال البريطاني تعتقل أبناء الريف عندما يرتادون المدن، وتعرفهم من الكوفية والعقال، فدعت قيادة الجهاد المقدس أبناء المدن لتغطية رؤوسهم بالكوفية والعقال كي لا يميّز المحتلون ابن المدينة من ابن الريف. وأوّل من اعتمر الكوفيّة هو الشهيد عبد القادر الحسيني قائد الجهاد المقدس".
تعاضد شعبي
من جهته، يؤكد رئيس لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبو عصب، لـ"العربي الجديد"، أن فكرة حلاقة الشعر والتشويش على الاحتلال تبرز إبداع المقاومة وتعاضد الشعب، وقدرته واستعداده للتضحية من أجل بطل استطاع أن يهز كيان دولة الاحتلال، الذي لم يتمكن من اعتقاله حتى الآن رغم ما فرضه من حصار على المخيم، إذ يعتقد أن الفدائي عدي ما زال موجوداً فيه.
وُيشدّد أبو عصب على أن "هذه الفكرة والمبادرة تخرج من المخيم رغم ما تعرض له من تنكيل وبطش، وتحمل معاني ودلالات كثيرة أهمها احتضان الشعب مقاومته، والتفاف شعبنا حولها، وعدم تركها وحيدة في مواجهة المحتل".
ولم يستبعد أبو عصب أن تحرك سلطات الاحتلال إجراءً قانونياً ضد هؤلاء الشبان من قبيل أن تفسر ما قاموا به على أنهم على صلة بالمنفذ التميمي، وبأن لهم علاقة بما قام به وتتهمهم بتشويش مجريات التحقيق وتضليل المحققين.
فشل بعزل المقاومين
ولطالما سعت سلطات الاحتلال إلى عزل الفدائي عن حاضنته الشعبية باتباع وسائل مختلفة، لكن الشعب الفلسطيني يثبت في كل محطة من محطاته النضالية أنه عصيٌ على الكسر، وغير قابلٍ للتطويع للهزيمة، كما يؤكد الناشط والمحلل السياسي محمد هلسة لـ"العربي الجديد".
ويقول إن المقاومة الفلسطينية، ومنذ انطلاقتها، تتمتع بالحاضنة الشعبية والانخراط المجتمعي الكبير في أشكال النضال الذي شمل كافة فئات الشعب، والشواهد على ذلك كثيرة. هذا التضامن من الحاضنة الشعبية للمقاومة بدا واضحاً في ردة فعل الأهالي في غزة، إذ نجحوا خلال العديد من جولات العدوان الاحتلالي السابقة بتشكيل دروع بشرية حالت دون استهداف منازل جيرانهم لدى تجمعهم أعلاها، عندما كان يُطالب أصحابها بإخلائها استعداداً لنسفها من قبل طائرات الاحتلال الحربية، والمثال ذاته يتكرر في الضفة الغربية مع مئات الفلسطينيين.
ويشير هلسة إلى قضية إيواء المطاردين إبان الانتفاضة الأولى عام 1987، وكسر الحصار وتوزيع الطعام والخبز، بشكلٍ أساسي، على القرى الفلسطينية التي خَضَعت لمنع التجول وحرمها الاحتلال من التزود باحتياجاتها الأساسية لأسابيع.
هذا التضامن، وفق هلسة، يؤكد أن الشعب الفلسطيني بكافة شرائحه وحدة واحدة، يرفض الاحتلال ومستعد للبذل والتضحية في سبيل الخلاص ونيل حريته، ويقول للسلطة الفلسطينية التي تقف عاجزة عن حماية شعبها إن الشعب مُتقدمٌ عليك في مواقفه من الاحتلال وقادر على ابتكار وسائل نضالية رغم أنه شعبٌ أعزل إلا من إرادته.