في مديرية الهجرة والجوازات السورية تحتاج إلى ما يقارب 13 وثيقة، و11 توقيعاً، و14 ختماً لتحصل على جواز سفر، وقد تتضاعف هذه الأرقام في حال طلب موافقات من السجل العدلي، أو عدم ممانعة من شعب التجنيد، أو قيد من سجلات النفوس والمخاتير، أو براءات ذمة من البنوك. وهذا كله الخطوة التي تتبع حجز الدور عبر مكاتب تعقيب المعاملات.
يقول صاحب مكتب لحجز الدور وتعقيب المعاملات في مدينة السويداء جنوبي سورية، لـ"العربي الجديد": "عملنا يحتاج إلى المعرفة والعلاقات مع معظم موظفي الدوائر الحكومية، وهو يختصر وقت ومجهود الزبائن في مقابل مبالغ مالية نتقاسمها مع موظفي الدوائر، وأجور العمل لا يمكن ضبطها من جمعية معقبي المعاملات أو اتحاد الحرفيين، خاصة في ظل الظروف الراهنة".
ورغم إدخال الحاسوب إلى جميع الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة، ووجود ما يسمى "النافذة الواحدة"، ومراكز خدمة المواطنين؛ إلا أن ذلك لم يخفف من روتين متابعة الأوراق والأختام والتواقيع، بل يعتبره معظم المواطنين عبئاً إضافياً على المراجعين، ويذهب كثيرون إلى أن كل برامج الأتمتة والحواسيب تصب في مصلحة الأجهزة الأمنية.
يروي المغترب السوري عماد العزام لـ"العربي الجديد"، بعضاً من وقائع عودته: "وصلت إلى مطار دمشق عائداً من البحرين، بعد غياب خمس سنوات، لأجد قراراً قضائياً غيابياً بتوقيفي رغم مرور ثلاثة أعوام من انتهاء المحاكمة، وتعميم قرار براءتي من تهمة (إساءة ائتمان)، وعبر وساطة ورشوة سمح لي أمن المطار بلقاء عائلتي، وتسليمهم حاجياتي قبل إيداعي سجن القابون، ليتم إحالتي للقصر العدلي في اليوم التالي. ما لم أكن أعلمه أن نقلي من السجن إلى المحكمة يحتاج إلى وسطاء وأوراق، لهذا تأخر يومين، قبل أن تستكمل عائلتي أوراق النقل إلى المحكمة الصادر قبل أعوام، من مدينتي إلى القصر العدلي بدمشق، ويعمم الحكم على أجهزة الأمن والمنافذ الحدودية. ولولا معقب المعاملات لاستمر توقيفي لأجل غير معروف".
ترك المحامي السوري لؤي مهنته ليعمل معقب معاملات بالقرب من القصر العدلي في دمشق، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه أحيانا يشعر بالخجل من تلك المهنة رغم أنها تدر عليه أضعاف ما كان يكسبه من المحاماة، ويضيف: "يعلم الجميع أن العوائق التي تواجه المواطنين في مؤسسات الدولة هدفها تسهيل مهام معقبي المعاملات، فالمهنة أصبحت لا غنى عنها".
في فروع اتحاد الحرفيين السوري، تلقى جمعية معقبي المعاملات أهمية موازية لمعظم الحرف الصناعية، ويحصل المعقب على نفس التأمين الصحي، وتعويض إصابة العمل والوفاة التي يحصل عليها الحداد أو الخباز، بالإضافة إلى مقدرات من الوقود بالسعر الصناعي وفق ما يناسب المحول الكهربائي الذي يمتلكه.
ويرى معظم السماسرة ومعقبي المعاملات أن شهادة الانتماء إلى الجمعية لم تعد شرطاً للعمل، وأن الأهم هو التمكن من الوصول إلى المؤسسة أو الدائرة التي يحتاجها المواطن، ومن بينها الهجرة والجوازات، والمحاكم، والمصالح العقارية، إلى جانب إيجاد الموظف المهيأ للفساد.
تقول طالبة دكتوراه لـ"العربي الجديد"، إنها وقفت لساعات أمام شباك فرع المصرف العقاري المستحدث في كلية الآداب في دمشق، وانتهى الدوام من دون أن تدفع رسوم التسجيل السنوي، وتضيف الباحثة التي طلبت عدم ذكر اسمها: "عدت في اليوم التالي مع عدد كبير من زملائي طلبة الدكتوراه والماجستير، لتتكرر نفس الحالة، وفي اليوم الثالث، توجهت إلى المصرف العقاري في البرامكة، لأجد الزحام أكبر، وبعد أن استنفدنا الفرصة بسبب إقفال الصندوق، قصدنا أحد السماسرة على مقربة من البنك، وفي أقل من نصف ساعة استطاع دفع الرسوم لأكثر من تسعة طلاب".
ويؤكد صاحب أحد مكاتب المراسلات الجامعية في السويداء، لـ"العربي الجديد"؛ أن "معظم الأعمال المتعلقة بأي مؤسسة أو دائرة تعتمد على معقبي المعاملات، ومن بينها الجامعات والمعاهد. إنها شبكة علاقات تبدأ من مكاتب المراسلات، إلى معقبي المعاملات أو السماسرة، ثم تتفرع بحسب نوع وجهة الطلب إلى الموظفين في شؤون الطلاب، أو الاتحاد الوطني للطلبة، أو فرع حزب البعث في الجامعة، وصولاً إلى الأفرع الأمنية، للحصول على الموافقات. جميع الأعمال تستنزف الطلاب مادياً، لكنها تخفف عنهم عناء ملاحقة الأوراق والأختام والتواقيع".
ويشرح المحامي يحيى المسعود لـ"العربي الجديد": "لقد أوجدت حكومات النظام المتعاقبة شرخاً كبيراً بين المواطن والمؤسسات، ثم بنت جسوراً للسماسرة والوسطاء، وبهذا شرّعت أعرافاً أفسدت بها الموظف، وزادت من وسائل ابتزاز المواطنين".