يتخوف أبو عمار (63 عاماً) من الصعود مرة أخرى الى منزله في أحد أحياء مدينة غازي عنتاب التركية، فهو يعيش حالة فزع منذ فجر 6 فبراير/ شباط الجاري، حين ضرب زلزال يصفه بأنه "متوحش" جنوب تركيا وشمال سورية، وأدى إلى مقتل وإصابة وتشريد عشرات الآلاف في البلدين.
يقول لـ"العربي الجديد": "ما شهدناه كان رهيباً ومخيفاً. يخشى أولادي حتى اليوم الصعود إلى المنزل، رغم أن الأضرار التي أصابته قليلة وفق لجان تقييم المباني في المدينة".
عاش أبو عمار الذي قدم إلى تركيا لاجئاً من ريف حلب الغربي نحو 8 سنوات في غازي عنتاب. ويروي أنه كان مرتاحاً في مدينة جميلة تشبه كثيراً مدينة حلب، وعزم مع عائلته على البقاء فيها، ورفضوا الهجرة إلى أوروبا، لكن "الزلزال المتوحش بدّل حياتنا وحياة كل السوريين في جنوب تركيا".
ينام أبو عمار مثل سوريين كثيرين في جوامع تفتح أبوابها أمام الناجين الخائفين أو في سيارته، ويذهب مع عائلته بين وقت وآخر إلى منزل قريب له يسكن في طابق أرضي من أجل الاستحمام وتبديل الثياب.
وبحسب إدارة الهجرة التركية تأتي غازي عنتاب في المرتبة الثانية بعد إسطنبول في عدد السوريين الذين يقيمون فيها (462.897)، وهم طبعوا الكثير من أحياء المدينة بطابعهم بعدما افتتحوا مطاعم ومقاهي. ويأتي المستثمرون السوريون في المقدمة على صعيد عدد الشركات ذات رأس المال الأجنبي في غازي عنتاب، وفق غرفة الصناعة بالمدينة التي أعلنت العام الماضي وجود 99 شركة لرجال أعمال سوريين.
من جهته، يصرّ غسان ح. (44 عاماً) على البقاء في منزله الكائن في حي بينفلار بمدينة غازي عنتاب، فهو ذاق طوال سنوات ويلات قصف قوات النظام والمقاتلات الحربية الروسية بالصواريخ والطائرات منطقة الغوطة الشرقية بدمشق، لكنه يشير أيضاً إلى أن "وقع الزلازل مختلف على صعيد الخوف الذي تركه في النفوس، لكننا نرفض فكرة الخروج من غازي عنتاب، إلا إذا نقلتنا الأمم المتحدة إلى دولة أوروبية، وقد عشنا في تركيا لأنها تشبه سورية إلى حد بعيد في نواحٍ عدة، وأنا أعمل فيما يدرس أولادي فيها. نحتاج بعض الوقت للتغلب على حالة الفوبيا التي تجتاح الجميع هنا من سوريين وأتراك".
ويشكل السوريون القادمون من حلب وريفها غالبية أبناء بلادهم الموجودين في مدينة غازي عنتاب التي ينظر إليها على أنها "بنت حلب" باعتبارها تبعد عنها نحو 100 كيلومتر.
كذلك، يشير أبو بشير (53 عاماً) إلى أن منزله تصدّع نتيجة الزلزال، ويقول لـ"العربي الجديد": "ربما اتجه شرقاً إلى مدينة ماردين أو شمالاً إلى قونية. ما شهدناه هنا كان رهيباً، أطفالي في حالة فزع لا توصف".
أما إبراهيم ع. الذي استغل فرصة سماح الحكومة التركية للسوريين اللاجئين ويحملون هوية الحماية المؤقتة "كيملك" بدخول شمال سورية لعدة أشهر، وذهب إلى قريته في ريف منبج فيقول لـ"العربي الجديد": "أتعبنا الزلزال كثيراً. أريد أن أذهب إلى قريتي، إذ أفكر في عدم العودة إلى تركيا، علماً أن أبنائي في المدارس، وأحدهم في جامعة غازي عنتاب، وهذا ما منعني سابقاً من العودة الى سورية، لكن الزلزال بدّل الأحوال، وتعبت شخصياً من الغربة".
وكان آلاف السوريين قد اندفعوا إلى البوابات الحدودية المتعددة مع تركيا بعدما أصدرت الحكومة التركية قرار منح من يرغب من السوريين إجازة تستمر شهوراً يقضونها داخل بلدهم.
في المقابل، يتردد طارق س. في الذهاب إلى بلدته في ريف إدلب من غازي عنتاب رغم أن منزله تضرر بالزلزال. ويقول لـ"العربي الجديد": "إذا ذهبت إلى سورية سأخسر عملي في غازي عنتاب. أقيم الآن مع زوجتي وابني عند أقرباء لنا، وبدأت في التفكير في السفر خارج تركيا، ومع بداية الصيف القادم قد أركب البحر نحو أوروبا، وسأجد طريقة لتأمين مبلغ مالي يساعدني في الوصول إلى هولندا أو ألمانيا".
من جهته، يتحدث الإعلامي السوري المقيم في مدينة غازي عنتاب والمتحدر من حلب علاء حسو لـ"العربي الجديد" عن أن "حياة السوريين في جنوب تركيا قبل 6 فبراير/ شباط الجاري تختلف عمّا بعده. السوريون لاجئون في تركيا، وحالهم غير مستقرة، وفاقم الزلزال هذا الواقع بالنسبة إليهم. ولا شك بالتالي في أن شعور الألم لديهم أكبر اليوم، خصوصاً أن كثيرين منهم قتلوا في جنوب تركيا، ويمكن وصف أوضاعهم في غازي عنتاب تحديداً بأنها صعبة، وهم لا يملكون إلا الصبر والتأقلم مع الأوضاع الجديدة".