وردة معمري... الحدادة بين يدين ناعمتين

08 مارس 2022
أبدعت وردة معمري في مهنة الحدادة (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل 22 عاماً اقتحمت الشابة الجزائرية وردة معمري مهنة الحدادة التي يحتكرها الرجال، ونجحت عبر التصميم والإرادة الكبيرة في التفوق وإثبات الذات في منافسة الرجال في هذه الحرفة التي أبدعت فيها بعدما تعزز شغفها وتطوّر إلى التفنن بصنع الأبواب والنوافذ، ومحاولة إضفاء جمال خاص على أعمالها.
داخل ورشة حدادة بقلب المدينة الجديدة بقسنطينة شرقي الجزائر، وبوجه تغمره بعض السمرة وتبدو عليه آثار خدوش، تنهمك وردة (35 عاماً) في تطويع الحديد، وإنجاز طلبات لزبائن من أبواب ونوافذ. إنها خجولة الى حدّ كبير، لكنّ عينيها تشعّان بحب العمل، إذ تتجوّل بنشوة داخل الورشة التي تعد الفوضى فيها ديكوراً وطقوساً خاصة بالحدادة، وتداعب أدوات العمل كلاعب كرة.   

تقول وردة لـ"العربي الجديد" وهي في ورشة يملكها زميل لها استعان بها لإنجاز طلبات: "بدأت العمل بالحدادة منذ عام 2000. ومضى الآن 22 عاماً على اقتحامي المهنة التي تعلمت أصولها من خالي الذي كنت أتابع عمله بنهم كبير فلقنني طرق تقطيع الصفائح الحديدية، ثم تحويلها إلى أشكال نوافذ وأبواب وزخارف للزينة أيضاً. ومنذ ذلك الوقت بدأت أعمل في عدة ورش لكسب قوتي وقوت أسرتي".

تضفي جمالية خاصة على أعمالها (العربي الجديد)
تضفي جمالية خاصة على أعمالها (العربي الجديد)

تعتبر وردة أنّ استمرار شغفها بالمهنة نابع من التحديات التي عاشتها: "الظروف تصنع غالباً النجاح، ودخولي مهنة الحدادة كان إلى جانب شغفي الكبير، اضطراري الى العمل كي أعيل إخوتي حين واجهت مع أمي ظروفاً صعبة، فنحن نشأنا بلا أب، ولم تسمح الظروف بنجاحي شخصياً في الدراسة. وبفضل العمل والجهد تجاوزنا الفقر، وحرصت على مساعدة والدتي في تدريس أخوتي وإعالتهم أيضاً، وتزويج ستة منهم". تضيف: "حبي لأسرتي دفعني إلى التفاني في مهنة الحدادة، واستفدت من الدعم المعنوي الدائم الذي رافق يومياتي، ومضيت قدماً في شغفي الذي اكتشفه خالي".

صنعت الظروف نجاح وردة معمري (العربي الجديد)
صنعت الظروف نجاح وردة معمري (العربي الجديد)

وبعدما قررت شقّ طريقها في مهنة يقتصر العمل فيها على الرجال فقط، استأجرت محلاً صغيراً، في منطقة عين السمارة بقسنطينة، حيث عملت وحدها، ما مثّل خياراً صعباً جداً بالنسبة إليها، خصوصاً في البداية حين كافحت لصنع اسم في المنطقة. وتقول: "كان التحدي الأكبر الذي كسبته تغيير نظرة المجتمع إلى امرأة تعمل في الحدادة التي تحتاج إلى قوة جسمانية وتفانٍ في العمل وتحدّي الصعوبات اليومية. لكنني استفدت أيضاً من قدرتي على دخول بيوت وإنجاز أعمال فيها، أو من أجل أخذ مقاسات لأعمال مطلوبة".
تتعامل وردة مع أدوات الحدادة بحرفية عالية، إذ اعتادت ارتداء لباس العمل ووضع النظارات الخاصة لدى تقطيع الألواح الحديدية وتطويعها بالنار، ثم تشكيلها لصنع الأدوات الخاصة بالأبواب والنوافذ والشرفات والسلالم والمطابخ، وتصاميم تحف وزخارف. وأعجب الناس بمهاراتها وتفانيها في مهنتها، وأمانتها في تسليم الطلبات في الوقت المحدد.

تعلمت أصول الحرفة من خالها (العربي الجديد)
تعلمت أصول الحرفة من خالها (العربي الجديد)

تصف وردة المهنة بأنّها "قاسية، لكنّها تكافئ من يعطيها الجهد المطلوب". وترى أنّ اجتهادها والتزامها بالعمل والمواعيد أكسباها الاحترام، ووفرّا لها فرص التعاون مع حرفيين آخرين يعملون في تجارة مواد الحدادة، ما سهّل استمرارها. وتشير إلى أنها تنقل المواد الأولية بنفسها، وتقطعها كي تصنع منها أشكالاً وتحفاً بأحجام مختلفة باستخدام آلات التلحيم وأدوات ثقيلة. وتوضح أنها تحضر تصاميم جديدة بحسب رغبة الزبائن الذين تعرض عليهم أحياناً منتجات صنعتها سابقاً تعتبر أنها تلبي احتياجاتهم. 
تشدد على أنّ الإرادة والتحدي عاملان مهمان للنجاح، فهي نافست الرجال في حرفة لا تقترب منها النساء في الجزائر، وبفضل تفانيها في العمل، غيّرت نظرات أشخاص كُثر إلى امرأة تعمل في مجال خاص بالرجال، علماً أنّها المرأة الوحيدة التي تمارس هذه المهنة في مدينة الجسور المعلقة، لكنّها استقطبت أيضاً زبائن كُثراً من مختلف المناطق. 
وتحاول وردة التجديد في مهنتها عبر إدخال لمسات غير اعتيادية، واستحداث نماذج في صنع اللوازم الحديدية لتزيين السلالم والنوافذ وأبواب المحلات.

المرأة
التحديثات الحية

تملك وردة طموحاً كبير جداً، إذ تحلم أن تحصل على مساعدة من الأجهزة الحكومية لدعم مشاريع لتوسيع عملها، وتجهيز ورشة أكبر تضم كلّ المستلزمات الحديثة في مهنة الحدادة، بعدما اكتسبت خبرة كبيرة ونجحت في استقطاب زبائن. وتلفت إلى أنها تستخدم وسائل التواصل لتسويق أعمالها ونشر صور ومقاطع فيديو لنماذجها في الحدادة، في سبيل توسيع دائرة زبائنها إلى مناطق مجاورة لقسنطينة. وتنشد في المستقبل تحقيق حلم فتح ورشة خاصة بفنّ الحدادة، تستغل فيها خيالها لصنع قطع مميزة.

المساهمون