بينما تعاني مستشفيات الضفة الغربية المحتلة من نقص في الخدمات الطبية، وتتأخر حملات التطعيم ضدّ فيروس كورونا، فإنّ الوفيات تستمر في الارتفاع، سواء للمصابين بالفيروس أو الحالات المرتبطة
عاصفة من الاحتجاجات والاستنكار، أثارتها وفاة بعض المصابين بفيروس كورونا الجديد في المستشفيات الحكومية في الضفة الغربية، في فلسطين المحتلة، مؤخراً، بعد تأكيد عائلات المتوفين، عدم تلقيهم الخدمات الطبية المناسبة، ونقص الأسِرَّة حتى في المراكز الطبية المخصصة لعلاج المصابين بالفيروس. من أبرز تلك القضايا وفاة طفل حديث الولادة بعد إجراء عملية ولادة قيصرية لوالدته وفاء مُرّار، من قرية بيت دقو شمال غرب القدس وسط الضفة الغربية، وهي حامل في الشهر الثامن، وذلك عقب إصابتها بفيروس كورونا، في مجمع فلسطين الطبي في مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية.
تقول شقيقة وفاء، الصحافية آلاء مُرّار لـ"العربي الجديد": "شقيقتي أُدخلت إلى مجمع فلسطين الطبي في الثالث والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، بعد تأكيد إصابتها بالفيروس، ولعدم توفر الأسرَّة في أقسام المستشفى، أُبقيَ على شقيقتي الحامل في غرفة فحص كورونا، إلى جانب قسم الطوارئ ليومين، من دون مراعاة ظروف حملها أو إصابتها بالفيروس، بالإضافة إلى اكتظاظ الغرفة بعشرة مرضى آخرين وجميعهم رجال، ولم تكن هناك أيّ مراعاة حتى لوجود امرأة حامل في الغرفة، ولم تتوفر خصوصية، فلم توضع ستائر أو غيرها".
بعد جهد تصفه عائلة مُرّار بالكبير، نُقلت ابنتهم إلى قسم العزل في المستشفى، وبطلب من العائلة فُحص الجنين على يد اختصاصيي الأمراض النسائية، وتقرر بعدها إجراء عملية قيصرية للأم، حفاظاً على حياة الجنين، وبعد العملية تبيّن عدم توفر حاضنة للطفل في المستشفى، أو أيّ مستشفى آخر في محافظة رام الله والبيرة، وعليه جرى نقل الجنين بالإسعاف إلى أحد المستشفيات التخصصية في مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، ليفارق المولود الحياة بعد اثنتي عشرة ساعة فقط من الولادة.
توضح آلاء مُرّار أنّ الحاضنة التي جرى نقل طفل شقيقتها عبرها في مركبة الإسعاف، كانت معطلة، ولم يحصل الطفل خلال ساعة ونصف من رام الله إلى نابلس على الأوكسجين الكافي، وعلى الرغم من محاولة الأطباء في المستشفى العربي التخصصي بنابلس إنعاشه، فقد وصل بجلد تحول لونه إلى الأزرق مفارقاً الحياة. تلفت مُرّار إلى أنّ أحد الأطباء في المستشفى العربي التخصصي، أكد وجود حاضنات في المستشفى الاستشاري في مدينة رام الله، كونه يعمل فيه أيضاً، وكانت مدة وصول الطفل من مجمع فلسطين الطبي بمدينة رام الله إليه أقل بكثير من وصوله لنابلس، ما قد يعني أنّ فُرصة بقائه حياً كانت أعلى، لو نُقل إلى المستشفى الاستشاري الأقرب، علماً أنّ حالة الطفل الصحية كانت سيئة في الأصل، قبل نقله.
تتابع متألمة: "ما زالت شقيقتي مصابة بفيروس كورونا، وهي الآن في المنزل، وتعاني من وضع نفسي سيئ جداً، إذ لا تتوقف عن البكاء أبداً".
في أحد منازل مخيم قلنديا، شمالي القدس، القريب من مدينتي رام الله والبيرة المتجاورتين، قصة أخرى يحكيها بمرارة عميقة لـ"العربي الجديد" الشاب مالك عقل شحادة، الذي توفي شقيقه محمد، قبل نحو أسبوع، عقب إصابته بفيروس كورونا الجديد، وذلك في المستشفى نفسه.
يقول شحادة: "لم يكن شقيقي محمد، وهو من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، يعاني من أيّ مشاكل في الكليتين، لكن في الثالث والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، نقلته إلى مجمع فلسطين الطبي، لتبدأ صنوف المعاناة بالتكشف لنا. بدأت المعاناة ببقاء أخي ساعات على كرسي بلاستيكي في غرفة الانتظار خارج قسم الطوارئ، وعلى الرغم من شعوره بضيق التنفس وآلام في جسمه، لم يشفع له ذلك باهتمام الطواقم الطبية، بحجة إضراب الأطباء حينها، ولم يُنقل إلى سرير بحجة نقص الأسرّة".
بعد جهد كبير، وإلحاح شحادة على الطواقم الطبية راجياً الاهتمام بأخيه محمد، جرى تزويده بالأوكسجين على الكرسي خارج الطوارئ، وبعد ساعات طويلة أُجريت له فحوص الدم، فتبيّنت حاجته لعملية غسل الكلى، وهو ما أصاب شحادة بالصدمة. اكتشف الأطباء إصابته بفيروس كورونا مع حلول المساء بينما كان على الكرسي البلاستيكي يتألم، وعقبها جاء أحد الأطباء لإجراء غسل الكلى في ممر الطوارئ وعلى كراسي الانتظار، ثم بعد محاولات جرى نقل محمد إلى سرير الطوارئ، والبدء في تهيئته للعملية.
يقول شحادة: "تعرّض شقيقي محمد خلال غسل كليتيه لسوء المعاملة من الطاقم الطبي، وعندما أرجعته إلى سرير الطوارئ لم يستطع التمدد نتيجة تجمع الماء في رئتيه، فأبقيته على كرسي بلاستيكي إلى جانب السرير، وعندما عاد للغسل ثانية قرابة الثامنة مساءً من اليوم التالي، وصل الأمر بإحدى الطبيبات أن تطلب مني إعطاءه حقنة عوضاً عنها، لكنّي رفضت. وبعد جلسة ثانية من الغسل استطاع أخي أخيراً النوم في السرير".
قبل الجلسة الثانية من غسل الكلى للراحل، لم يهتم الطاقم الطبي في قسم الطوارئ بتفقده بحسب أخيه، كما بقي في مكان مفتوح على الرغم من إصابته بكورونا ما يعني رفع احتمال انتقال العدوى إلى المراجعين والمرضى الآخرين. يشير شحادة إلى انخفاض الأوكسجين لدى شقيقه بشكل حاد، ثم عودته للاستقرار، قبل نقله إلى قسم العزل، ويقول: "بعد منتصف الليل توجهت إلى المنزل لأخذ قسط من الراحة، وما إن وصلت حتى تلقيت مكالمة تفيد بوفاة أخي، الذي لو تلقى عناية طبية جيدة لما خسرناه".
عندما رأى شحادة شقيقه محمد في الكيس المخصص لوفيات كورونا تألم كثيراً، وتذكر أنّ والدته أيضاً مُصابة بالفيروس وقد مكثت في الفترة نفسها في قسم الطوارئ، كما مكث شقيقه. يقول: "لم أرد أن أخسر أمي أيضاً، لذلك توجهت بالرجاء لمحافظ رام الله والبيرة، ليلى غنام، وعقب ذلك تمكنا من نقلها إلى المستشفى الاستشاري التخصصي بمدينة رام الله للعلاج، وآمل أن تتحسن علماً أنّها لا تدري بعد بوفاة أخي".
بعد تداول وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بقوة حالات مثل هذه أثارت مخاوف السكان، توجهت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، إلى مجمع فلسطين الطبي، وأعلنت عن تجهيز قسم خاص بـ23 سريراً لمرضى كورونا، مع إعلانها عن جهوزية قسم الرئيس محمود عباس لاستقبال 11 إصابة كورونا في العناية المركزة، وهو ما أثار تساؤل الفلسطينيين عن سرعة ظهور تلك الأسِرّة في فارق زمني قصير من فورة غضب الناس وتفاعلهم مع ما وصفوه بـ"سوء الخدمات الطبية المقدمة إلى حدّ انهيار المرضى".
من جهته، يقول منسق الأسِرّة في ملف كورونا في وزارة الصحة الفلسطينية، عنان الراشد، لـ"العربي الجديد": "لدينا عدد مُحدد من الأسرّة في المستشفيات لمرضى كورونا، بالإضافة إلى مراكز علاجهم، كما وضعت الوزارة خطة افتتاح بعض المراكز في المستشفيات الحكومية إذا لزم الأمر، وهذا سيؤثر إيجاباً على الخدمات الأساسية للمواطنين التي تقدمها المستشفيات الحكومية".
ويعزو الراشد ما تداوله المواطنون عن "نقص الأسِرّة" - وهو ما ينفيه - إلى ارتفاع حاد في الإصابات بفيروس كورونا، إلى حدّ فاق قدرة المستشفيات وحتى مراكز علاج كورونا على استيعاب المزيد من الحالات، وذلك يعود بحسب الراشد، إلى استهتار الناس بالفيروس وعدم التزامهم بالإجراءات الوقائية ومنها إقامة الأعراس والمناسبات الاجتماعية خصوصاً، مع سرعة انتشار الفيروس بنسخته المتحورة البريطانية.
ويوضح الراشد أنّ وزارة الصحة اضطرت لإغلاق بعض الأقسام في مجمع فلسطين الطبي برام الله، الأسبوع الماضي، وتحويلها لعلاج مرضى كورونا، وفي المستشفى الآن 53 سريراً عادياً، و11 سريراً للعناية المركزة. يقول الراشد: "سنفتتح المزيد من الأقسام لاحتواء مزيد من الإصابات، نظراً للارتفاع الكبير في محافظتي رام الله والبيرة وسلفيت تحديداً، كما افتتحنا حديثاً في محافظة طوباس مركزاً لعلاج مرضى كورونا، لكنّ ما أخشاه عجز المنظومة الطبية عن تحمل كلّ هذه الأعباء إسوة بباقي دول العالم".
وما زال استنكار ما أسماه الفلسطينيون عدالة توزيع اللقاح تتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً مع إقرار وزارة الصحة الفلسطينية أنّ من استفاد من اللقاح وزراء وأعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وغيرهم ممن وُصفوا بـ"غير المستحقين للتلقيح" ضمن خطة الأولوية، وفق معايير منظمة الصحة العالمية، التي تقدّم الكوادر الطبية، على الجميع، وذلك في ظل شحّ اللقاحات التي وصلت إلى وزارة الصحة الفلسطينية، والتي بلغ عددها 12 ألف لقاح فقط، لكنّ السفير الفلسطيني في الصين، فريز مهداوي، أعلن أول من أمس الأحد، عن توقيع بلاده اتفاقية لتسلم 100 ألف جرعة من لقاح "سينوفاك" الصيني في الأيام القليلة المقبلة.