يُحرَم عدد كبير من السوريّين اللاجئين والنازحين والمغتربين اليوم، من حقّهم في إجراء معاملات قانونيّة أو رسميّة في الداخل السوري. فهؤلاء يواجهون العديد من العقبات القانونيّة التي تفرضها المؤسسات الحكوميّة عليهم، والتي تبدأ بمتاعب الحصول على وكالات قانونيّة من السفارات السوريّة المنتشرة في الخارج لضرورة الحصول على رضا الجهات الأمنيّة، وتصل إلى تعثّر تصديقها وإمكانيّة الاستفادة منها في الداخل.
يتوجّب على المغتربين السوريّين إجراء وكالة قانونيّة مصدّقة لمن ينوب عنهم في القيام بأي من عمليات البيع والشراء، واستلام الأموال المصرفيّة والمستحقات الماليّة والمعاملات الجامعيّة والرسميّة، بالإضافة إلى عقود الزواج.
ويكشف المحامي غانم عبه جي أن "آلاف السوريّين لا يستطيعون حتى طلب إجراء توكيل باسمهم، بسبب إقامتهم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو كونهم لاجئين في إحدى الدول".
ويشكو سوريّون كثر من المعاملة السيئة من سفارات بلادهم في العديد من الدول غير الصديقة للنظام السوري.
يروي غسان (تحفّظ عن ذكر اسم شهرته) المقيم في تركيا، أن "معاملة موظفي القنصليّة في إسطنبول للسوريّين، لا تختلف عن منهجيّة النظام في معاملة معارضيه في الداخل. فمئات المراجعين يقفون يومياً في طابور طويل. وعند احتجاج أي منهم، يعمد رجال الأمن إلى قمعهم وإسكاتهم بالعصي. وقد يرفض الضابط المسؤول أوراق أي مُراجع من دون إيضاح السبب. كذلك، فإن هذا الضابط لا يكفّ عن الشتم وإطلاق عبارات التخوين للمراجعين بسبب إقامتهم في تركيا".
من جهتها، تقول عفاف المقيمة في الأردن إن "معاملة موظفي السفارة السوريّة في الأردن ليست أفضل حالاً. معظم طلبات الوكالات وتجديد جوازات السفر لا تُقبل في السفارة أصلاً، إلا بعد محاولات عدّة أو دفع رشاوى".
أما السوريّون المقيمون في السعوديّة، فيتكبّدون عناء السفر إلى البحرَين لتسوية أوراقهم في السفارة السوريّة هناك، بسبب استمرار إغلاق السفارة في الرياض. ويتحدّث أحمد عن عجزه عن السفر بسبب "قرب انتهاء صلاحيّة جواز سفري. كذلك، أنا عاجز عن تجديده أو القيام بأي إجراء قانوني عبر السفارة".
وفي سعيها إلى التضييق على المواطنين وإخضاعهم لسيطرة الأجهزة الأمنيّة، اشترطت مكاتب وزارة الخارجيّة في المدن السوريّة أخيراً حصول طالب الوكالة على موافقة أمنيّة خاصة بالموكّل حتى تقوم بمصادقتها، ليستطيع بعدها الاستفادة منها في مؤسسات الدولة المختلفة.
ويشير المحامي عصام (تحفّظ أيضاً عن ذكر اسم عائلته) إلى أن "الحصول على هذه الموافقة الأمنيّة يتمّ من فروع الأمن المركزيّة في دمشق". ويكشف أنّ "الهدف من هذا الإجراء هو حرمان جميع المطلوبين السياسيّين والسوريّين المعارضين من حقوقهم المدنيّة في المؤسسات القانونيّة، ومنعهم من الحصول على أوراق ثبوتيّة ورسميّة من سورية".
ويوضح أن "جميع الوكالات غير المرضي عن أصحابها أمنياً، لا يعاد إرسالها إلى مكتب الوزارة. وبذلك لا تعود إلى أصحابها أبداً".
فتحت هذه الإجراءات المشدّدة في الحصول على "الوكالات" داخل سورية، الباب واسعاً أمام تدخّل عدد كبير من السماسرة والمحامين لتيسير الأمر في مقابل المال. ويروي أحد الموكلين ياسر طفش، أنه لم يحصل على تصديق وكالته "إلا بعد دفع مبلغ 60 ألف ليرة سوريّة لأحد المحامين المتعاملين مع الأفرع الأمنيّة في دمشق".
إلى ذلك، يحرم النظام آلاف السوريّين من حق التحكّم في ممتلكاتهم وأرزاقهم في داخل البلاد. ويقول أبو طه من حلب الذي يقيم اليوم في تركيا، إن "جميع ممتلكاتي في حلب مجمّدة. ولا أستطيع الاستفادة منها على الرغم من حاجتي الماسة إلى المال".
ويشرح وضعه قائلاً: "اضطررت إلى مغادرة البلاد قبل التصرّف بممتلكاتي خوفاً من الاعتقال، بعد اتهامي بدعم الثوار هناك. ومنذ ذلك الحين، لم يتمّ تصديق أي وكالة مني، ولا أستطيع حتى تأجير العقارات".
ويوضح عبه جي أن "عصابات كثيرة نشطت مؤخراً في تزوير وكالات قانونيّة على أنها صادرة من المحاكم في داخل سورية. وبذلك، لا تحتاج الوكالة المزوّرة إلى موافقة أمنيّة". يضيف أن "ثمّة ازدياداً بنسبة 60 في المائة عن العام السابق في عمليات التزوير التي تم اكتشافها في محاكم حلب وحدها، وأن عمليات التزوير بمعظمها استهدفت مغتربين في خارج البلاد حتى يصعب اكتشاف الأمر، إذ يقوم مزوّرون بموجب الوكالة ببيع ممتلكات الموكّل أو سحب أمواله المصرفيّة".