عشقت أباها، كانت تكره أمها التي تعاملها باعتبارها كائناً بلا قيمة، لم يكن هذا سر عشقها لأبيها الوحيد، كان الرجل يستحق باعتباره نقيض الأم، لكن عشقها لأبيها دمرها على المدى البعيد.
مات الأب، فزاد تسلّط الأم، فقدت الفتاة مَن يناصرها، باتت تهرب من المنزل تحاشياً للصدام مع أمها، وافقت على العمل رغم حداثة سنّها، عمل شاق وتحرّشات وسخافات، لكنه أهون من البقاء في وجه تلك المرأة، التي تَصَادف أن تكون أمها.
مبكراً تعلّقت بشاب يكبرها بأعوام، رأت فيه صورة الأب الراحل، لم تكن جاهزة للزواج ولا حتى للحب، لكنها قررت أن تعتبره سفينة نجاتها.
لم يقاوم الشاب كثيراً، هي جميلة وصغيرة، مطالبها قليلة، وأهلها متوسطو الحال، ما يعني أنه، كشاب، لا يملك من حطام الدنيا الكثير، إلا قدرته على العمل وتطلّعه للمستقبل، وقادر على أن يتزوجها.
تزوجا، تم الأمر كله سريعاً، كانت هي متعجّلة للفرار للأبد من سجن أمها، وكان هو متعجلاً لتحصيل ما اعتبره فرصة لا تعوّض.
عملا معاً بجد، بدأت حياتهما العملية تثمر وزاد دخلهما معاً، باتا قادرين على الحصول على منزل، أصبحت هي في العشرين، وهو في نهاية العقد الثاني، كانا لسنوات يرفضان الإنجاب، خوفاً من تصاريف الزمن، أو بحسب قوله مرة: "الحمل والإنجاب سيعطلانا عن العمل".
قرّرا الإنجاب، كان متردداً، بينما كان لديها إصرار عجيب، كأي فتاة ترغب في أن تعيش الأمومة، أن تحمل وتلد وتربي. غريزة الأمومة كانت مسيطرة عليها، بينما غريزة جمع المال كانت تجعله يقاوم بقوة.
تجلس إلى نفسها، هي حريصة على ألا يصاب طفلها القادم بما عاشته من آلام نفسية، بسبب معاملة أمها لها، تنتهي إلى أنها ستعامله باعتباره مالك حياتها وملاك روحها، وليس فقط ابنها.
تنجب، يبدأ تركيزها مع الطفل يتنامى يوماً بعد يوم، تنشغل عن الزوج الذي يجد نفسه على الهامش، مقارنة برجلها الأول الذي أنجبته. الدلال الذي يناله الطفل يتجاوز الحدود ويضعه على أبواب النرجسية، رغم حداثة عهده بالدنيا.
الزوج المنبوذ في بيته، يلجأ إلى أخريات يعوّضنه عن غياب زوجته المنشغلة بطفلها، تتعدّد علاقاته النسائية، يتكرر غيابه عن المنزل. ينغمس في عالمه الجديد.
تكتشف هي خياناته، تواجهه، فيواجهها، يكتشف كليهما مدى التباعد بينهما، اتّسعت الهوّة حدّ عدم قدرة أيهما على التراجع، أو التنازل عمّا بات عليه.
يبحثان الانفصال بعدما بات حلاً وحيداً. لكن كيف العمل في أموال جمعاها معاً خلال سنواتهما الزوجية؟ ومَن يتولى الإنفاق على الطفل؟
يجلسان للاتفاق، بعد نقاش يصلان إلى نتيجة مفادها: "ما كان ينبغي أن نتزوج؟".