"نظام غبي هذا الذي يراهن على الشباب"، كان التفسير الأعجب الذي ساقه مواطن مصري تجاوز الخمسين، كمبرر لإحجام الشباب المصريين عن المشاركة في الانتخابات.
يرى الرجل أن الشباب متقلبون بطبيعتهم، وأن خبرتهم المحدودة في الحياة لا تؤهلهم لاتخاذ قرارات مصيرية، خاصة تلك التي تتعلق بمستقبل الوطن، وأن على أي نظام حكم أن يتخلص من اهتمامه بهم، ويركز جهوده على الشعب الحقيقي المخلص لبلاده الحريص على مستقبلها، والمتمثل في الفئة التي تجاوزت الأربعين، في رأيه.
في العادة لا أناقش هذه الآراء، وفي الأغلب يكون ردّي ساخراً وأحيانا مزدرياً، لكنني وجدت نفسي أضحك، وقررت أن أجاريه في هذا الهراء العميق.
بداية قلت له إن النظام بلا شك غبي، وإلا ما توقع مشاركة الشباب، رغم أن التقارير واستطلاعات الرأي تؤكد عزوفهم. لم يعجبه الأمر لأنه استشعر مني هجوماً على نظام يدعمه، فرد قائلاً: النظام ليس غبياً، لكنه يحاول احتواء الجميع باعتبارهم مواطنين، والشباب جزء من الشعب.
وجدتني أكرّر على أسماعه من محفوظاتي "صحيح. والشعب لم يجد من يحنو عليه". انتبه مجدداً لسخريتي عندما تذكر أنني استخدمت جملة قالها رأس النظام، وأثارت سخريةً ما زالت مستمرة. لكنه لم يفقد جدّيته وحرصه على إقناعي بوجهة نظره. أظنّه لم يكن يتوقع مني الاستجابة للمشاركة في النقاش وقرّر ألاّ يضيّع الفرصة.
عاد لتكرار جمله المحفوظة، المبكية المضحكة، مواصلاً هجومه على الشباب بدعوى أنهم لا يحترمون الكبير، ولا يقدرون من يعمل ليل نهار لخدمتهم. الشباب على المقاهي وفي الطرقات أو يلعبون على الإنترنت، بينما الكبار يعملون بكدّ لصنع مستقبل البلاد.
قلت له إن النسبة الأكبر من سكان البلد من الشباب، وإن الشباب عانى طويلاً من الفقر والبطالة وسوء أحوال التعليم والصحة والخدمات، وإن من حقه أن يعبّر عن رأيه في جدارة أي نظام بحكمه.
انفجر غاضباً، معتبراً أنني لا أرغب في النقاش، معترضاً على سخريتي من كل ما يقول، وانتهى إلى أنني لم أتخلص بعد من نزق الشباب، وبالتالي فإنه لن يناقشني مجددا.
قلت له إنني لم أناقشه أصلاً، وإنما قررت مجاراته لمعرفة كيف يفكر، أو بالأحرى كيف لا يستطيع أن يفكر، ثم قررت أن أختم الحوار بتوضيح ما هو واضح للجميع، عداه، فقلت: نظامك يسجن ويقتل الشباب منذ سنوات. نظامك يسرق البلاد ويثبت الفاسدين ويقصي الشرفاء منذ عقود. نظامك يقمع الرأي ويقيّد الحرية منذ نشأته. ثم أنت الآن تتهم الشباب بعدم الحرص على مستقبل البلاد، والذي هو مستقبلهم وليس مستقبل النظام؟ فلتذهب أنت والنظام إلى الجحيم وليحيا الشباب.
اقرأ أيضاً: انتفاضة على العرب