على مدى سنوات طويلة، لم يسلم التلاميذ في مدارس سورية من العنف. لا يقتصر الأمر على الضرب. فالبيئة "العسكرية" التي عاشوا فيها قد تكون أصعب. واليوم، يعاني أولئك الذين يدرسون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام الأمرّين، وخصوصاً إذا كانوا معارضين
ربما بدأت قصة العنف في مدارس سورية مع بداية حكم آل الأسد للبلاد في سبعينيات القرن الماضي. في ذلك الوقت، صدر قرار بتغيير لون اللباس المدرسي من الرمادي إلى الأخضر الزيتي الغامق، وهو لون البدلات العسكرية، بالإضافة إلى منع التلميذات من ارتداء التنانير، وإجبار التلاميذ في المرحلتين الإعدادية والثانوية على ارتداء اللباس العسكري الكامل، حتى الحزام والبوط العسكري الأسود والطاقية العسكرية. وقد يعاقب المخالف بالفصل من المدرسة.
ولم يسلم تلاميذ المرحلة الابتدائية من هذا القانون، وقد أجبروا على ارتداء المريلة البنية اللون. كانت الحجة منذ البداية أن سورية بلد مقاوم يواجه تحديات عسكرية. بالتالي، على الشعب أن يكون جاهزاً ليدافع عن البلاد في حال تعرض لهجوم. وربما كانت حصص التدريب العسكري المفروضة على تلاميذ المرحلتين الإعدادية والثانوية، مثالاً حقيقياً لسنوات القمع، عدا الضرب أو العقاب من خلال فرض الزحف وحتى كسر أظافر الفتيات.
وكان مدربو "الفتوة" مصدر رعب حقيقي لجميع التلاميذ، حتى المتفوقين منهم. إذ لا يتردد المدرس الذي يحمل عصا في معظم الأوقات، قبل أن يضرب تلميذاً لسبب تافه ومن دون محاسبة. لم يكن الضرب محصوراً بمدرسي الفتوة. فقد كان، ولفترة طويلة من حكم حافظ الأسد، مسموحاً من قبل جميع المدرسين. كثيرة هي القصص التي تتحدث عن ضرب مؤلم بالمسطرة أو العصا، وقد يصل الأمر حد الركل بالأرجل في حالات عدة.
تروي خالدة عبد الرحمن، وهي خريجة قسم الفلسفة في جامعة دمشق، لـ "العربي الجديد" ما حدث معها في المدرسة. تقول: "في الصف السابع، كنت متفوقة في مادة اللغة العربية. حدث مرة أن أخطأ المدرس في إعراب كلمة، فسارعت إلى التصحيح له. لكنه أصر على خطئه، وعندما ناقشته اقترب مني وضربني بكف يده، ثم بدأ يشد شعري. لن أنسى تلك اللحظات في حياتي ولن أسامحه ما حييت".
في بداية حكم بشار الأسد، وضمن سلسلة القرارات الإصلاحية التي لم يطبَّق منها شيء، أُقرّ قانون منع الضرب في المدارس. لكنه ظل، كغيره، يطبق بحسب مزاجية المدرسين ومدى دعمهم أو "واسطتهم" أو صلتهم بالجهات الأمنية، بالإضافة إلى نفوذ التلميذ.
وفي عام 2005، عضت إحدى المدرسات في ريف دمشق، وتدعى تيريزا، أحد تلاميذها، ما تسبب بنزيف في يده، فاضطر إلى تضميد يده لفترة طويلة. إلا أن الجهات المعنية اكتفت بنقل المدرّسة المدعومة إلى مدرسة أخرى في المنطقة نفسها، بعد تقديم الأهل شكوى إلى مديرية تربية ريف دمشق، من دون اتخاذ أي إجراء آخر بحقها.
ويتحدث مهند عن حادثة أخرى مشابهة. يقول: "ربما كنت عنيداً بعض الشيء، فقد تحديت أستاذاً كان يُعرف بعنفه مع التلاميذ حين كنت في الصف العاشر عام 2008، ورفضت الانصياع لأوامره بالخروج إلى الباحة. لكنني لم أكن أتوقع رد فعله إطلاقاً. ضربني فسقطتُ على الأرض، وراح يركلني بقوة ما أدى إلى كسر ساقي اليمنى". على أثرها، نقل إلى المستشفى واتُخذ قرار بفصله من المدرسة لمدة أسبوع، على أن يعود مع ولي أمره للتوقيع على تعهد بعدم عصيان ابنه الأوامر.
إلى ذلك، تتباين آراء المدرسين حول منع الضرب في المدارس. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الكادر التعليمي والإداري في سورية يقدر بنحو 385 ألفاً، بحسب الهيئة السورية للتربية والتعليم.
في السياق، يقول الأستاذ أدهم، الذي يدرس مادة الفيزياء في مدينة السويداء، إنه يعارض عقوبة الضرب مهما كانت الأسباب. يضيف أنه أب لطفلين، وقد يضطر إلى معاقبتهما أحياناً من دون أن يلجأ إلى الضرب. ويلفت إلى أن الضرب أسلوب تربوي فاشل، ولا يعتمده إلا مدرس فاشل. يضيف: "للأسف، مدارسنا مليئة بالقصص المؤلمة لتلاميذ تعرضوا للضرب والقمع منذ بداية حكم الأسد الأب وحتى اليوم"، مشيراً إلى أن "مؤسسة التربية والتعليم هي من إحدى أهم مؤسسات الدولة، لكن أصابها ما أصاب باقي مؤسساتنا من فساد وتدهور".
أما ماجدة، وهي معلمة في المرحلة الابتدائية في ريف دمشق، فلها رأي آخر. تقول: "لم يفسد التلاميذ إلا بعد قرار منع الضرب"، مشيرة إلى أننا "نضربهم لمصلحتهم، وحتى لا يعيدوا الأخطاء التي ارتكبوها". وتلفت إلى أن "للضرب هدفا آخر وهو التربية. كما أن تلاميذ هذا الجيل لا يحترمون أحداً، لذلك كان يجب عدم منع الضرب". تضيف أنها لا تؤيد الضرب المبرح، "لكن استخدام المسطرة قد يفيد كثيراً، وخصوصاً في المرحلة الابتدائية".
في الفترة التي سبقت الثورة السورية، وخلالها، اختلف قليلاً شكل العنف في المدارس. بالإضافة إلى الضرب، صار الأساتذة يمارسون العنف النفسي، وخصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. يقول سهيل وهو من صحنايا في ريف دمشق: "تعرضت للضرب خلال الثورة ثلاث مرات. الأولى بسبب عدم كتابة فرض اللغة العربية، علماً أن السبب الحقيقي كان العداء المبطن بيني وبين المدرسة الشبيحة، كوني أعارض النظام". يضيف: "حصل ذلك عام 2013 حين كنت في الصف التاسع. انفعلت وهددتها بالتقدم بشكوى ضدها، فقالت لي: أنت غبي ولا تعرف من يقف ورائي ويدعمني. وفعلاً، لم أستفد شيئاً من تقديم الشكوى".
وفي المرتين الثانية والثالثة، تعرض للضرب من أستاذ المدرسة "الشبيح" أيضاً، على حد قوله، "لأسباب سخيفة بهدف تخويفي ومنعي من الكلام ضد النظام. وكثيراً ما كان يهددني باستدعاء الأمن لاعتقالي". قصة سهيل ليست فريدة. فكثيرة هي القصص المماثلة في مختلف الأماكن التي يسيطر عليها النظام. على سبيل المثال، عمدت إحدى المدرسات في أشرفية صحنايا في ريف دمشق إلى استدعاء الأمن لاعتقال أحد التلاميذ، بعدما أعلن أنه ضد النظام وأيد الثورة ودافع عن أحد النازحين.
وقد تحول العنف في المدارس السورية في مناطق النظام بعد الثورة، من عنف يمارسه أستاذ ضد تلميذ لسبب أو لآخر، إلى عنف سياسي موجه من نظام أمني ضد تلاميذ يعتبرهم أعداء له، أو مشروع أعداء في المستقبل.
إقرأ أيضاً: "التعفيش" للسطو على ممتلكات السوريّين
ربما بدأت قصة العنف في مدارس سورية مع بداية حكم آل الأسد للبلاد في سبعينيات القرن الماضي. في ذلك الوقت، صدر قرار بتغيير لون اللباس المدرسي من الرمادي إلى الأخضر الزيتي الغامق، وهو لون البدلات العسكرية، بالإضافة إلى منع التلميذات من ارتداء التنانير، وإجبار التلاميذ في المرحلتين الإعدادية والثانوية على ارتداء اللباس العسكري الكامل، حتى الحزام والبوط العسكري الأسود والطاقية العسكرية. وقد يعاقب المخالف بالفصل من المدرسة.
ولم يسلم تلاميذ المرحلة الابتدائية من هذا القانون، وقد أجبروا على ارتداء المريلة البنية اللون. كانت الحجة منذ البداية أن سورية بلد مقاوم يواجه تحديات عسكرية. بالتالي، على الشعب أن يكون جاهزاً ليدافع عن البلاد في حال تعرض لهجوم. وربما كانت حصص التدريب العسكري المفروضة على تلاميذ المرحلتين الإعدادية والثانوية، مثالاً حقيقياً لسنوات القمع، عدا الضرب أو العقاب من خلال فرض الزحف وحتى كسر أظافر الفتيات.
وكان مدربو "الفتوة" مصدر رعب حقيقي لجميع التلاميذ، حتى المتفوقين منهم. إذ لا يتردد المدرس الذي يحمل عصا في معظم الأوقات، قبل أن يضرب تلميذاً لسبب تافه ومن دون محاسبة. لم يكن الضرب محصوراً بمدرسي الفتوة. فقد كان، ولفترة طويلة من حكم حافظ الأسد، مسموحاً من قبل جميع المدرسين. كثيرة هي القصص التي تتحدث عن ضرب مؤلم بالمسطرة أو العصا، وقد يصل الأمر حد الركل بالأرجل في حالات عدة.
تروي خالدة عبد الرحمن، وهي خريجة قسم الفلسفة في جامعة دمشق، لـ "العربي الجديد" ما حدث معها في المدرسة. تقول: "في الصف السابع، كنت متفوقة في مادة اللغة العربية. حدث مرة أن أخطأ المدرس في إعراب كلمة، فسارعت إلى التصحيح له. لكنه أصر على خطئه، وعندما ناقشته اقترب مني وضربني بكف يده، ثم بدأ يشد شعري. لن أنسى تلك اللحظات في حياتي ولن أسامحه ما حييت".
في بداية حكم بشار الأسد، وضمن سلسلة القرارات الإصلاحية التي لم يطبَّق منها شيء، أُقرّ قانون منع الضرب في المدارس. لكنه ظل، كغيره، يطبق بحسب مزاجية المدرسين ومدى دعمهم أو "واسطتهم" أو صلتهم بالجهات الأمنية، بالإضافة إلى نفوذ التلميذ.
وفي عام 2005، عضت إحدى المدرسات في ريف دمشق، وتدعى تيريزا، أحد تلاميذها، ما تسبب بنزيف في يده، فاضطر إلى تضميد يده لفترة طويلة. إلا أن الجهات المعنية اكتفت بنقل المدرّسة المدعومة إلى مدرسة أخرى في المنطقة نفسها، بعد تقديم الأهل شكوى إلى مديرية تربية ريف دمشق، من دون اتخاذ أي إجراء آخر بحقها.
ويتحدث مهند عن حادثة أخرى مشابهة. يقول: "ربما كنت عنيداً بعض الشيء، فقد تحديت أستاذاً كان يُعرف بعنفه مع التلاميذ حين كنت في الصف العاشر عام 2008، ورفضت الانصياع لأوامره بالخروج إلى الباحة. لكنني لم أكن أتوقع رد فعله إطلاقاً. ضربني فسقطتُ على الأرض، وراح يركلني بقوة ما أدى إلى كسر ساقي اليمنى". على أثرها، نقل إلى المستشفى واتُخذ قرار بفصله من المدرسة لمدة أسبوع، على أن يعود مع ولي أمره للتوقيع على تعهد بعدم عصيان ابنه الأوامر.
إلى ذلك، تتباين آراء المدرسين حول منع الضرب في المدارس. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الكادر التعليمي والإداري في سورية يقدر بنحو 385 ألفاً، بحسب الهيئة السورية للتربية والتعليم.
في السياق، يقول الأستاذ أدهم، الذي يدرس مادة الفيزياء في مدينة السويداء، إنه يعارض عقوبة الضرب مهما كانت الأسباب. يضيف أنه أب لطفلين، وقد يضطر إلى معاقبتهما أحياناً من دون أن يلجأ إلى الضرب. ويلفت إلى أن الضرب أسلوب تربوي فاشل، ولا يعتمده إلا مدرس فاشل. يضيف: "للأسف، مدارسنا مليئة بالقصص المؤلمة لتلاميذ تعرضوا للضرب والقمع منذ بداية حكم الأسد الأب وحتى اليوم"، مشيراً إلى أن "مؤسسة التربية والتعليم هي من إحدى أهم مؤسسات الدولة، لكن أصابها ما أصاب باقي مؤسساتنا من فساد وتدهور".
أما ماجدة، وهي معلمة في المرحلة الابتدائية في ريف دمشق، فلها رأي آخر. تقول: "لم يفسد التلاميذ إلا بعد قرار منع الضرب"، مشيرة إلى أننا "نضربهم لمصلحتهم، وحتى لا يعيدوا الأخطاء التي ارتكبوها". وتلفت إلى أن "للضرب هدفا آخر وهو التربية. كما أن تلاميذ هذا الجيل لا يحترمون أحداً، لذلك كان يجب عدم منع الضرب". تضيف أنها لا تؤيد الضرب المبرح، "لكن استخدام المسطرة قد يفيد كثيراً، وخصوصاً في المرحلة الابتدائية".
في الفترة التي سبقت الثورة السورية، وخلالها، اختلف قليلاً شكل العنف في المدارس. بالإضافة إلى الضرب، صار الأساتذة يمارسون العنف النفسي، وخصوصاً في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. يقول سهيل وهو من صحنايا في ريف دمشق: "تعرضت للضرب خلال الثورة ثلاث مرات. الأولى بسبب عدم كتابة فرض اللغة العربية، علماً أن السبب الحقيقي كان العداء المبطن بيني وبين المدرسة الشبيحة، كوني أعارض النظام". يضيف: "حصل ذلك عام 2013 حين كنت في الصف التاسع. انفعلت وهددتها بالتقدم بشكوى ضدها، فقالت لي: أنت غبي ولا تعرف من يقف ورائي ويدعمني. وفعلاً، لم أستفد شيئاً من تقديم الشكوى".
وفي المرتين الثانية والثالثة، تعرض للضرب من أستاذ المدرسة "الشبيح" أيضاً، على حد قوله، "لأسباب سخيفة بهدف تخويفي ومنعي من الكلام ضد النظام. وكثيراً ما كان يهددني باستدعاء الأمن لاعتقالي". قصة سهيل ليست فريدة. فكثيرة هي القصص المماثلة في مختلف الأماكن التي يسيطر عليها النظام. على سبيل المثال، عمدت إحدى المدرسات في أشرفية صحنايا في ريف دمشق إلى استدعاء الأمن لاعتقال أحد التلاميذ، بعدما أعلن أنه ضد النظام وأيد الثورة ودافع عن أحد النازحين.
وقد تحول العنف في المدارس السورية في مناطق النظام بعد الثورة، من عنف يمارسه أستاذ ضد تلميذ لسبب أو لآخر، إلى عنف سياسي موجه من نظام أمني ضد تلاميذ يعتبرهم أعداء له، أو مشروع أعداء في المستقبل.
إقرأ أيضاً: "التعفيش" للسطو على ممتلكات السوريّين