في لبنان، قد تجد أطفالاً يعملون على التقاط الطيور التي تقنصها بنادق الصيادين. هذه مهنة تدر عليهم بعض المال في موسم الصيد. لكن يبقى خوف من خطرها عليهم
بات التقاط العصافير المقنوصة بخراطيش الصيادين في منطقة عكار الشمالية في لبنان، مهنة الصغار الذين لا تتعدى أعمارهم السنوات العشر. الفقر والبؤس دفع الأهالي إلى إرسال أبنائهم للعمل وجني المال. عند الرابعة فجراً، ينتظر عمر (7 سنوات) قدوم رفاق حارته، ليشكلوا صفاً واحداً عند مدخل بلدة العريضة. وحين يسمعون صوت هدير سيارة، يصرخ كل واحد منهم: "أنا لمّام بـ 5 آلاف ليرة لبنانية فقط (نحو ثلاثة دولارات)"، أي أنه يساعد في التقاط العصافير. ويرى أن الطفل الذي ينجح في إقناع "الزبون" (الصيّاد) بأخذه معه إلى الرماية، هو طفل ذكي.
غالبية الأولاد يعملون في هذه المهنة في موسم الشتاء، وتحديداً منذ بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول وحتى 22 نوفمبر/تشرين الثاني. بعدها، يعود البعض إلى مدارسهم، فيما يعمل آخرون في الزراعة. يقول عمر إنه يشعر بالملل في المدرسة وتضايقه قسوة الأساتذة وضربه بالعصا في بعض الأحيان. يرى نفسه رجلاً وليس طفلاً. يساعد حاملي البنادق في عملهم، ويحمل العصافير والحمام بين يديه.
يصف يوم عمله بـ"الممتع". يقول: "أرتدي ثيابي قبل النوم. أستيقظ وأتوجّه إلى مدخل القرية حيث المقاوص (الأراضي التي يستأجرها الصياد). وكلّما مرّت سيارة رباعية الدفع أعرض على سائقها المساعدة. أطلب القليل من المال، لكن في بعض الأحيان يكون الصياد كريماً، ويعطيني أضعاف ما أريده". يتابع: "يبدأ الصياد بتجهيز بندقيته وتصويبها نحو السماء. وحين يرى أي طائر، يطلق النار نحوه ويرديه قتيلاً. أركض وأبدأ البحث عن العصفور. إذا عثرت عليه أحصل على المال".
يقول عمر: " أتمنى أن أصبح صياداً في المستقبل. الرجل القوي هو الذي يحمل البندقية ويطلق النار ولا يخاف". يرغب في ادخار المال لشراء بارودة وخراطيش، ويحتفظ بها في غرفة نومه. يقول إن بلدته محاذية للحدود السورية، ويسمعُ أن الأوضاع الأمنية متدهورة. برأيه، البندقية ستجلب له ولعائلته الأمان.
لعُدَي (7 سنوات) قصة مختلفة. يرفض فكرة القتل تماماً. يمازحه صديقه قائلاً: "هذا طير". يجيبه عُدَي رافعاً رأسه إلى الأعلى: "للطير روح مثل الإنسان. فلماذا نقتله؟". عانى هذا الطفل من مرارة الحرب في بلاده. كره الصيد بوصفه مهنة وهواية. لم يحتمل رؤية صديقه يحمل عصفوراً مقتولاً بين يديه، ويخشى أن يصاب برصاص طائش. يذكّره مشهد الدماء بمشاهد القتل والدمار في حلب، ويقول إنه لا يحب كل شخص يحمل "الكلاشين" و"الرشاش". لذلك، فضل العمل في تأمين أراضٍ خاصة للصيد.
هرب عدي من سورية بعد اشتداد الحرب. توفي والده وتولت زوجة عمّه تربيته، بعدما أُخذ بالقوة من أحضان والدته. فبرأي عائلة والده، "من العار أن يُربّى الابن في كنف أم رفضت الخضوع لرغبات أهل الزوج والهرب معهم إلى لبنان".
من جهته، يقول عمه: "الظروف المعيشية باتت صعبة للغاية. قررت اللجوء إلى لبنان، وتحديداً إلى بلدة العريضة القريبة من الحدود السورية. بدأت العمل كمزارع في الأراضي بالإضافة إلى تربية المواشي لأتمكن من توفير الطعام لعائلتي وابن أخي". وهو لم يفرّق أبداً بينه وبين أولاده، على حد قوله. يضيف: "رفضت أرملة شقيقي القدوم معنا، وفضلت البقاء إلى جانب والدتها في حلب. أخذت الولد وجئنا إلى هنا. أحياناً، أسمح له بالتواصل معها عبر الهاتف، فهي والدته في النهاية وأنا لست ظالماً. أردت فقط حماية الأولاد من الصواريخ، التي كانت تنهمر فوق رؤوسهم بشكل عشوائي، ولا تميز بين مدني وعسكري ومقاتل. أدخلته إلى المدرسة، إلا أنه يعمل في موسم الصيد فقط".
يضيف العم أن "عدي يحب أن يكون طبيباً في المستقبل ليعالج المصابين والمرضى. أتمنى أن أحقق له هذه الأمنية في المستقبل".
في المقابل، يقول أحد المواطنين، اكتفى بالتعريف عن نفسه بـ"والد سامي"، إن "التقاط العصافير والركض خلفها هو مهمة كلاب الصيد وليس الأولاد". يرفض فكرة إرسال الأولاد إلى السهل لمساعدة أصحاب البنادق في ممارسة هواية غير مرحب بها، من عدد من أهالي المنطقة. يقول: "عدا عن كونها مزعجة وتقلق راحة الجيران، فإنها تشكل خطراً على حياة الأطفال، وخصوصاً أولئك الذين يذهبون بثياب رثّة لا تقيهم البرد. فكيف لهم أن يتحملوا هذه المشقة؟". يضيف أن "البارود والشظايا المتطايرة من فوهة البندقية قد تؤذي الطفل". ويعلق ساخراً: "هذا يعني أنهم يخرجون من مصيبة الفقر ليقعوا في مصيبة أخرى، وهي المرض والمستشفيات".
اقرأ أيضاً: هذه الدول هي الأكثر قتلاً للطيور