كومة من الفحم أشعلها أبو مصطفى وزوجته التي تساعده في عمله، دسا فيها قطعاً طويلة من الحديد الذي تحول إلى اللون الأحمر كالجمر، انهالا عليه بالطرق والتقطيع فور خروجه من النار، ليصبح بعد ذلك سيفاً جاهزاً للاستخدام والتزيين، بعد سَنِ أطرافه.
مهنة الزوجين لا تعتمد سوى على الفحم ومولد لضخ الهواء، وفي حال انقطاع الكهرباء، يتم استخدام "قربة" فارغة تم وصل طرفها بأنبوب حديدي، يصل بينها وبين الفحم، ويقوم أحدهما بالضغط عليها كي يصل اندفاع الهواء الى الفحم، ما يزيد من اشتعاله وقوته وقدرته على صهر الحديد.
على ملامح أبو مصطفى (56 عاماً)، نقشت علامات التعب والإجهاد، الذي رافقه منذ الصغر، لكنه يقول إنه رفض التخلي عن مهنة والده التي انتقلت معه من يافا، بالداخل المحتل، إلى مصر، وصولاً إلى غزة، ويضيف ممازحاً: "لو عرض عليّ منصب مدير بنك، لن أترك مهنتي التي أحب".
ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنه بدأ تلك المهنة وهو في السابعة من عمره، حين كان يساعد والده في نفخ القربة والطرق على الحديد المنصهر، رافقته حتى هذه اللحظة، وسيورثها الى ابنه مصطفى، كي تنفعه في اللحظات الحرجة من عمره.
الأوضاع الصعبة التي يمر فيها قطاع غزة أثرت على عمل أبو مصطفى، الذي يقول إن سعر الفحم تضاعف نتيجة الحصار الإسرائيلي بشكل كبير، ويضيف: "في السابق كانت مهنة مجدية، لكنها الآن بالكاد توفر لنا قوت يومنا". ويتابع: "أوضاعنا الاقتصادية سيئة للغاية، وأعيش في منزل بالإيجار، ويقوم رجال الخير بدفع إيجاره"، مبيناً أن أوضاع أهالي غزة الاقتصادية السيئة، أجبرته على خفض سعر منتوجاته التي تستهلك وقتاً وجهداً كبيرين، حتى يتم صناعتها وتجهيزها.
ويضيف: "تزيد معاناتنا عندما يتم قطع التيار الكهربائي، ونضطر الى استخدام القربة التي تتطلب جهداً إضافياً"، موضحاً أن عدم امتلاكه للنقود يحول بينه وبين تجهيز محل تجاري خاص به، يمكنه من عرض منتوجاته، وتحسين أوضاع عائلته الاقتصادية.
ويوضح أبو مصطفى أنه يصنع جميع أدوات الحدادة الخاصة بالنار، مثل البلطات، السواطير، السكاكين، السيوف، الخناجر، الكلاليب، محشات الزرع، المناجل، المطارق، الأزاميل، وغيرها، الى جانب عدد من المصنوعات الخاصة بالزينة.
ويبين أنه يذهب بأدواته للأسواق، ويبدأ بالعمل أمام الناس، ما جعله معروفاً عند شريحة كبيرة من المواطنين الذين يتجمهرون حوله، كي يشاهدوا تحول الحديد الى أدوات جاهزة للاستخدام، لافتاً الى أن غلاء سعر المواصلات، لا يمكنه في بعض الأحيان من الذهاب.
وتوضح زوجته عايشة حسين، انها تساعد زوجها منذ اليوم الأول لزواجهما، وتقول: "اختصرنا شهر العسل الى ستة أيام، نزلنا بعدها الى العمل، كان زوجي يشعل النار، وأنا أنفخ القربة، وأطرق الحديد، حتى يتشكل ويخرج بشكله المطلوب".
وتتابع، وقد ظهرت عليها علامات التعب: "لا شك أنها مهنة صعبة للغاية ومرهقة جسدياً، لكننا لا نملك سواها، وقد اعتدنا عليها منذ سنوات طويلة، حتى أصبح لدينا ستة أبناء، نسعى لتربيتهم دون مد يدنا للتسول، ونحتاج فقط من يقف الى جانبنا".
إقرأ أيضا:
إحصاء: نصف المجتمع الفلسطيني من النساء
مستشفى في غزة يستخدم "منظار الكبسولة" للمرة الأولى
هواية جمع التاريخ في غزة