بمساعٍ فردية أطلق الناشط حسين كرسوع (39 عاماً) من قطاع غزة مبادرة لدعم المصالحة بين الأهالي تحت شعار "التنازل عن الحق القانوني ودعم الحق العشائري لدعم تطبيق المصالحة".
تهدف المبادرة إلى الضغط على العائلات التي تضررت خلال الانقسام الفلسطيني منتصف عام 2007 للتنازل عن حقوق أبنائها الضحايا والمصابين، من أجل إتمام تعميم المصالحة بينها.
كرسوع الذي يعمل مصوراً صحافياً، تضرر خلال الاقتتال بين حماس وفتح، وفقد أخاه وسام، الذي قتل في إحدى المواجهات المسلحة. كان أخوه يعمل مع جهاز الأمن الوطني الفلسطيني.
وعام 2007 كان هو نفسه عرضة لاعتداء بالضرب على يد مجهولين بسبب خلفيته السياسية. تسبب ذلك في كسر أربعة أضلع من صدره، ونزيف داخلي. لكنه صمّم مع ذلك، بعد مضي 8 أعوام على فراق أخيه وإصابته، على إطلاق مبادرة تحقق مصالحة حقيقية بين العائلات المتضررة.
يقول كرسوع لـ"العربي الجديد": "من منطلق شخصي وأسري، تعلمت من الوالدة تغليب المصلحة العامة على المصلحة الشخصية". يعتبر كرسوع أن ملف المصالحة أكثر أهمية من ملفات رواتب الموظفين والحصار والكهرباء، التي تستحوذ على الإعلام. ويشير إلى أنّ قطاع غزة يواجه مشاكل عديدة بين العائلات مع استمرار ثقافة الثأر.
يقول: "فكرت بالمصلحة العامة، وبدأت بنفسي. فقد تنازلت عن حقي الشخصي من أجل الوطن. دم أخي ليس رخيصاً لكنّ الوطن المفكك أهم بكثير". يتابع: "النسيج الاجتماعي مفكك، ولا بدّ من خطط حقيقية وعملية، لا شكلية فقط كما نشهده اليوم".
شاور كرسوع عدداً من مخاتير العائلات الكبيرة في قطاع غزة قبل إطلاق مبادرته. فتجاوبوا معه بشكل كبير، ودعموا الفكرة. يشدد كرسوع على أنّ المخاتير الذي تحدث معهم هم من ضمن لجنة المصالحة الاجتماعية المعتمدة بشكل أساسي من قبل لجنة المصالحة الفلسطينية التي تتبع لحكومة الوفاق الوطني.
كما زار أكثر من عشر عائلات لطرح المبادرة عليهم، فواجه معارضة من بعضها، وموافقة من بعضها الآخر. إحدى العائلات فقدت ابنها الوحيد الذي كان يبلغ من العمر 20 عاماً. رفضت الفكرة بشكل مبدئي، إلا أنها مع محاولات من كرسوع، وافقت على إسقاط الحق الشخصي القانوني إذا كان ذلك من أجل المصلحة الوطنية.
كما أنّ عائلة أخرى فقد ابنها قدميه، وافقت على المبادرة بعد جلسات عديدة مع كرسوع ومخاتير منطقتها. كما وافقت على تشجيع عائلات أخرى متضررة، ونشر الطمأنينة بين المواطنين، وعدم العودة إلى الاقتتال.
ومع ذلك، يعاني كرسوع اليوم، من صعوبات عديدة في جولاته بين أهالي القطاع، أبرزها تخوف العائلات من إعلان تنازلهم عن دم ابنهم أو مسامحة من تسبب بإصابته. يقول: "العائلات متخوفة لأنّ قطاع غزة مجتمع مغلق. وفي اعتقادهم فإنّ تنازلهم يعدّ وصمة عار لهم. ولذلك ألجأ إلى المخاتير من أجل إقناعهم بمدى سلامة قراراتهم".
يستعين خلال زيارته للعائلات بالمبادئ القرآنية، في المسامحة ونشر السلام، خصوصاً أنّ عائلات غزة متعددة الثقافات من قرويين فلاحين وسكان مدن وبدو تختلف عادات كلّ منهم. وتعمل المبادئ الدينية على تقريب وجهات النظر في ما بينهم.
وعلى صعيد العائلات التي قبلت المبادرة، فقد وضعت شرطاً أساسياً هو جدية النقاش بين الأطراف جميعاً. يشير كرسوع إلى حراك شبابي انطلق سابقاً من أجل الضغط على أطراف الحوار الوطني من أجل حل ملفات المصالحة والعديد من الأزمات القائمة في غزة، لكن لم يأتِ بمنفعة حقيقية. وفي هذا الإطار، ينوه إلى أنّ لجنة المصالحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني، لم تنزل حتى اليوم إلى الأرض لتتشاور مع عائلات الضحايا والمتضررين. وهو ما ينعكس سلباً على العائلات، وكذلك على الحكومة التي تبدو متجاهلة للملف.