أثار قيام السلطات المحلية في مدينة خانقين في محافظة ديالى شرق العاصمة العراقية بغداد، إزالة آثار ذات طابع عسكري تعود إلى الجيش الروسي إبان الحرب العالمية الأولى، جدلاً واسعاً في الشارع العراقي بين مؤيد ورافض، وسط دعوات من مثقفين وناشطين لحماية تلك "الآثار".
وأقدمت حكومة مدينة خانقين المحلية (90 كم شرق بغداد) على إزالة مواضع قتال وملاجئ عسكرية صخرية حفرها الجيش الروسي خلال الحرب مع الدولة العثمانية في القرن الماضي، وظلت صامدة طيلة الفترة الماضية داخل مناطق وحقول زراعية في المنطقة.
وقال رئيس المجلس المحلي لمدينة خانقين، سمير محمد، في بيان الثلاثاء، مبرراً إزالة تلك الآثار: إن مزارعي القضاء وجهوا طلباً للسلطات المحلية لرفع مواضع وملاجئ عسكرية تتواجد على أراضيهم، وبادرت دوائر بلدية القضاء برفعها ونقلها إلى مكان آمن بعد مخاطبة الجهات المعنية بالموضوع.
فيما اعتبرت منظمات مدنية الخطوة تدميراً لآثار المحافظة، وقال رئيس منظمة "تراث"، ماجد الصالحي إن "هذه المواضع عبارة عن ملاجئ صخرية كان يتخذها الجنود الروس كمواضع قتالية في فترة الحرب الروسية العثمانية، ويعود تاريخ هذه المواضع للفترة ما بين عامي 1900-1925 وكان الأجدر بالسلطات الحفاظ على تلك المواقع".
وتابع الصالحي "هناك أكثر من 900 موقع أثري في محافظة ديالى تواجه مخاطر العبث والتدمير بسبب غياب عمليات التأهيل والصيانة والحماية".
اقرأ أيضاً:"نمرود الأثرية" في العراق آخر ضحايا "داعش"
وذكر مؤرخون أن "الملاجئ عبارة عن مواضع صخرية محصنة أشبه بالغرفة متوسطة الحجم مربعة الشكل في كل جانب منها توجد فتحة صغيرة لإطلاق النار، كان يستخدمها الجنود الروس في حربهم مع الجيش العثماني.
وقال الناشط العراقي في مجال الآثار، نادر أحمد لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب الحفاظ على الآثار العراقية من السادة الأغبياء المسؤولين عن إدارة البلاد. المواقع الأثرية أزيلت بجرافات عملاقة دمرت قسم منها وأتلفت الأخرى بشكل كامل، وهذا العمل يصنف كعمل داعشي ينفذه من ابتلينا بهم ونصبوا علينا حكاماً في غفلة من الزمن".
واعتبر أن عملية إزالة تلك الآثار، تنهي آخر آمال إجبار الروس على الاعتراف بقتل آلاف العراقيين في تلك الحرب وفي هذه المدينة بالتحديد، واصفاً التصرف بالجاهل، ومؤكداً، أن محتويات تلك الغرف أثمن بكثير من خارجها حيث حوت على كتابات ومذكرات جنود روس توثق تلك الفترة.
وأوضح الباحث في التاريخ المعاصر، حامد جميل الجنابي، لـ"العربي الجديد" أنه "لا يخفى على المؤرخين والباحثين الحروب العديدة التي اندلعت بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية آنذاك، حيث خاضت الدولتان ضد بعضهما أكثر من 14 حرباً امتدت من عام 1568 إلى عام 1922، وكانت الإمبراطورية الروسية حليفة للبريطانيين آنذاك.
وكانت عشائر ديالى تقاتل مع الدولة العثمانية ضد القوات الروسية الحليفة للبريطانيين بعد وصول القوات الروسية إلى قضاء خانقين، حيث كانت المنطقة تحت الانتداب البريطاني، الأمر الذي دفع الروس إلى إنشاء مواضع دفاعية صخرية محصنة آنذاك لجنودهم في قضاء خانقين الحدودي مع إيران، والتي شهدت توغلاً للقوات الروسية بعد هزيمتها في معركة تاتنبيرغ عام 1914 أمام القوات الألمانية، ما دفع القوات الروسية إلى التوغل في الأراضي الفارسية لتأمين المدن الهامة هناك".
ويضيف الجنابي" كانت قبائل خانقين العربية تقوم بغارات تستهدف طريق المواصلات ما يمنع وصول الإمدادات العسكرية من الجنوب إلى خانقين، وفي عام 1917 أخلت القوات الروسية قضاء خانقين الحدودي وانسحبت إلى إيران تاركةً خلفها مواضعها الدفاعية وملاجئها المحصنة التي بقيت حتى يومنا هذا، ثم انسحبت القوات العثمانية من القضاء ودخلته القوات البريطانية عام 1917.
اقرأ أيضاً:مخلّفات الحروب.. كارثة مستمرة في العراق