استوقف مجسّم السيجارة العملاقة الملفوفة بحبل الإعدام، المدخنين المارين بالقرب من شاطئ البحر في العاصمة اللبنانية بيروت، أمس الأحد. زمّ بعضهم شفتيه على سيجارته وأخرج هاتفه لالتقاط صورة "سيلفي" مع السيجارة العملاقة، في حين نفث بعض آخر دخان سجائرهم تعبيراً عن عدم اهتمامهم بالمشهد.
تنقلت السيجارة العملاقة، طوال يوم أمس، بين أيدي المدخنين وغير المدخنين على الكورنيش البحري، كجزء من حملة "كن ذكياً، لا تبدأ"، التي نظمتها جمعية الإرشاد والإصلاح الخيرية الإسلامية بالتعاون مع وزارتي الصحة العامة والشؤون الاجتماعية، من ضمن فعاليات اليوم العالمي لمكافحة التدخين الذي حددته منظمة الصحة العالمية في 31 مايو/ أيار من كل عام.
تشير مديرة البرنامج الوطني للوقاية من الإدمان في وزارة الشؤون الاجتماعية، أميرة ناصر الدين، إلى "أهمية مشاركة لبنان في إحياء اليوم العالمي لمكافحة التدخين وتقديم نماذج مميّزة للعمل، كالنشاط الذي يجمع بين التوعية حول مخاطر التدخين من خلال الجمعيات الأهلية المشاركة وبين التمارين الرياضية التي تساعد في تحسين صحة المواطنين". وفي هذا الإطار، قدمت فرقة "باركور" استعراضات فنية، كذلك شارك عدد من سائقي الدراجات الهوائية في سباق قصير على الكورنيش تخلله توزيع منشورات صحية وبالونات تحمل شعار الحملة.
من جهتها، نظمت جمعية "حياة حرّة بلا تدخين" لقاءً لتلاميذ المدارس، تحت شعار "نحو تطبيق شامل للقانون 174" الخاص بمنع التدخين في الأماكن العامة المغلقة، والذي أقره البرلمان اللبناني في عام 2012. ويلفت مسؤول البرنامج الوطني لمكافحة التدخين في وزارة الصحة، فادي سنان، إلى أن "الدولة التي أقرت القانون 174 لم تصرف أي موازنة لتطبيقه".
وفي إطار إحياء فعاليات اليوم العالمي هذا العام، ركّزت منظمة الصحة العالمية على الفوائد الاقتصادية لمكافحة التدخين، إذ تشير إحصائيات المنظمة إلى "تجاوز الضرائب الحكومية المفروضة على التبغ 31 مليار دولار أميركي بعد القضاء على الإتجار غير المشروع بمنتجات التبغ، وهو ما يساهم في النهوض بقطاعات الصحة في البلدان".
اقرأ أيضاً: التدخين أسوأ ممّا يُعرف عنه
أما عنوانها لهذا العام فأتى "مكافحة الإتجار غير المشروع بمنتجات التبغ"، في محاولة للحدّ من معدلات الوفيات الناجمة عن الأمراض المتصلة بالتبغ، والتي تصل إلى نحو شخص واحد كل ست ثوانٍ (بحسب إحصاءات المنظمة)، أي ما يعادل نحو ستة ملايين نسمة سنوياً. وتشير توقعات المنظمة إلى أن هذه المعدلات من شأنها أن ترتفع لتصل إلى أكثر من ثمانية ملايين شخص سنوياً بحلول عام 2030. تجدر الإشارة إلى أن ما يزيد عن 80% من هذه الوفيات التي يمكن تلافيها، تسجّل في صفوف سكان البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
وبالنسبة إلى لبنان الذي يندرج على قائمة البلدان متوسطة الدخل، يؤدي غياب التطبيق الفعلي لقانون منع التدخين في الأماكن العامة المغلقة بالإضافة إلى سهولة حصول الأطفال دون 18 عاماً على السجائر من المحلات ـ على الرغم من عدم قانونية بيعها لغير الراشدين - إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض الرئوية. وتظهر دراسة أعدها الدكتور جاد شعبان، من الجامعة الأميركية في بيروت، بعنوان "آفة التدخين على لبنان: أرقام تقديرية للآثار الاقتصادية لاستهلاك التبغ"، أن 53% من الراشدين اللبنانيين مدخنون. وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 60% لدى الفئة العمرية ما بين 13 و15 عاماً. وتشخّص نحو ألف إصابة سنوياً بأمراض سرطانية مرتبطة بالتدخين، مع استهلاك كل شخص راشد لنحو 12 علبة سجائر شهرياً.
وفي ظل غياب الدور الحكومي أو تدخل كارتيلات صناعة التبغ حول العالم للحد من أثر قوانين مكافحة التدخين، تحاول الجمعيات الأهلية مواصلة الضغط من خلال حملات التوعية التي لا تقتصر على اليوم العالمي لمكافحة التدخين، بل تتجاوزه لتصل إلى كل مدخن طوال أيام السنة.
ممنوع منذ 1575
احتفلت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها أمس، اليوم العالمي لمكافحة التدخين. وكان أول قانون لمنع التدخين في العالم قد صدر في عام 1575 من قبل "المجلس الكنسي المكسيكي" الذي حظر التدخين في كنائس المكسيك والمستعمرات الإسبانية. من ثم أصدر البابا أوربان السابع قانوناً يحظر التدخين في الكنيسة أو حتى على شرفتها في عام 1590. وفي عام 1633 منع السلطان العثماني مراد الرابع التدخين في السلطنة العثمانية.
اقرأ أيضاً: الصحة العالمية: ثلث مراهقي شرق المتوسط مدخنون