من منزل إلى آخر يتنقل الأطفال في قرى البحرين ومدنها، حاملين الأكياس المزينة والمزخرفة ومرتدين الأزياء الشعبية ومرددين الأهازيج. ويتكرّر هذا المشهد في كل عام ليلة منتصف شهر رمضان، إحياءً لتقليد "القرقاعون" أو "الناصفة" كما يُسمّى في مناطق أخرى، أو "الكريكشون" بحسب المسمّى القديم.
وتستعدّ الأسرة البحرينية لهذه المناسبة التي يُحتفى بها في الخليج العربي والعراق، قبل حلول منتصف الشهر. فتزيّن منازلها، وتحضّر أطباق الحلوى والمرطبات، وتشتري ما توزّعه على الأطفال الذين يطرقون أبوابها للحصول على القرقاعون. وهو كان يشمل في الأساس الفول السوداني أو "الكسكبال" بحسب اللهجة البحرينية والحمّص أو "النخج"، بالإضافة إلى بعض الحلويات. أما بعض العائلات الميسورة، فكانت توزّع مبالغ نقدية على الأطفال الذين يقصدونها.
واليوم، اختلف ما يوزّع على الأطفال في هذه الاحتفالية. وصارت الأسر تغلّف ما تنوي تقديمه وتزوّده بأسماء أطفالها وحتى صورهم. وهي تغلّفها إما في المنازل أو في محلات متخصصة بهذا النوع من التغليف. إلى ذلك، ثمّة من يوزع الحلويات والشكولاتة ورقائق البطاطس والمكسرات وغيرها، إلى جانب ما كان يوزع في الماضي.
ومع غروب الشمس، بعد صلاة المغرب والعشاء، يتنقّل الأطفال وبعضهم برفقة أهاليهم، بين منازل المنطقة للحصول على القرقاعون. وأحياناً قد يقصدون مناطق مجاورة أيضاً. وما زال الأهالي بغالبيتهم يحرصون على أن يرتدي أولادهم الملابس الشعبية. فنرى هؤلاء الصغار يلبسون الثوب العربي و"القحفية" - قبعة بيضاء - و"الغتره والعقال" أو "الوزار" للصبيان، في حين ترتدي الفتيات "البخنق" - وشاح الرأس المطرز بالزري - و"الفولق" مع الفساتين الشعبية.
من جهة أخرى، تعمد مناطق بحرينية عديدة في السنوات الأخيرة الماضية إلى إعداد موائد مفتوحة تمتد على طوال الشوارع في داخل الأحياء السكنية. كذلك يوزّع الفتية المأكولات والمشروبات على السيارات التي تعبر الأحياء، بالتزامن مع توفير ألعاب وخدمات التصوير وغيرها من النشاطات.
وفي بعض المناطق البحرينية لا سيّما في محافظة المحرق، تُنظّم في ليلة القرقاعون فعاليات مثل "الفريسه". ويُصار إلى تزيين نصف حصان مصنوع من الخشب بقطع قماش زاهية الألوان، ويرتديه أحد الأشخاص ويحرّكه على أنغام الطبول والقربة وغيرها من الآلات الموسيقية الخليجية الشعبية.
وفي هذه المناسبة تنشط تجارة الحلويات والمأكولات والملابس الشعبية والأغراض التي توزّع على الأطفال وأكياس القرقاعون الخاصة وغيرها.
ويُلاحظ أخيراً تراجع في احتفالات القرقاعون في بعض المناطق البحرينية، وسط استنكار مجتمعي. ولعلّ أحد أسباب تراجع هذه الاحتفالية، هو تحريم بعض الجهات الدينية المتشددة القرقاعون واعتباره بدعة، والتحذير من المشاركة فيه. أما في مناطق أخرى، فتزدهر هذه الاحتفالية لا سيّما وإن هذه المناسبة مرتبطة لدى الشيعة بذكرى ولادة الإمام الثاني من أئمة الشيعة (الإثنا عشرية) الحسن بن علي. كذلك، هم يحيون الاحتفالية في منتصف شهر شعبان أي قبل شهر من منتصف شهر رمضان. فالناصفة في منتصف شعبان ترتبط لدى الشيعة بذكرى مولد الإمام الثاني عشر.
تجدر الإشارة إلى أن القرقاعون أو الناصفة وعلى الرغم من الفرح الذي تبثه هذه الاحتفالية في نفوس الأطفال ومن فرصة اجتماع الكبار في منزل العائلة، إلا أن احتفالاتها لم تعد كما في السابق. ويعود ذلك إلى أن المشاركة في هذه المناسبات كانت من بين خيارات التسلية والترفيه المتوفرة للأطفال. أما مع التطوّر الحاصل، فقد تعدّدت أشكال الترفيه والتسلية، وضاعت هي بينها.
قرع الأبواب
تحتفل بلدان الخليج العربي والعراق وكذلك منطقة الأحواز أو الأهواز غرب إيران، بـ "القرقاعون". وتختلف تسميات هذه الاحتفالية من بلد إلى آخر. في الإمارات هي "حق الليلة" أو "حق الله"، وفي عُمان "الطَلْبة" أو "القرنقشوه"، وفي السعودية والكويت "القرقيعان"، وفي قطر "الكرنكعوه"، وفي العراق "الماجينة". وقرقاعون هو لفظ عامي مشتق من قرع الباب، إذ إن الأطفال يقرعون أبواب البيوت في هذه المناسبة. وثمّة من يقول إنه مشتق من "قرّة العين" أي ما فيه سرور الإنسان وفرحه.
اقرأ أيضاً: جدال بحريني حول قانون يحمي من العنف الأسري