قاسية حياة النازحين في العراق، وخصوصاً في شهر رمضان. كثيرون منهم قضوا أيامهم ولياليهم في العراء، أو في خيم لا تقيهم حرّ الصيف ولا تحميهم من العقارب والأفاعي ليلاً. إلى ذلك، ثمّة من يعيش في مبان لا تصلح للسكن، من دون كهرباء ولا مياه. بالتالي، يعاني أكثر من ثلاثة ملايين نازح في داخل البلاد من ظروف معيشية صعبة، ويعجز كثيرون منهم عن تناول اللحوم بسبب تردّي حالتهم المادية. ولولا المنظمات الإنسانية، لكانت كارثة حقيقية.
تبدو المؤسسات الحكومية والوزارات عاجزة عن تقديم الدعم اللازم للنازحين أو أنها لا تكترث لحالهم، علماً أن محافظة الأنبار شهدت نزوحاً كبيراً قبل نحو عام ونصف العام، تلتها محافظات صلاح الدين والموصل وديالى وحزام بغداد. ويقول الناشط المدني عمر الدليمي لـ "العربي الجديد" إن النازحين يعيشون ظروفاً سيئة للغاية في المخيمات والأبنية قيد الإنشاء وبيوت الطين.
ويوضح الدليمي أن خلال "تفقّدنا أحوال النازحين، وجدنا المئات منهم يقطنون في أماكن لا تصلح للسكن. هؤلاء لم يتذوقوا اللحوم أو الفواكه أو الخضار منذ أشهر. حتى أنهم محرومون من المياه الباردة في رمضان، ويفطرون على الخبز والتمر". يضيف: "من جهتنا، نقدم لهم مساعدات غذائية بحسب تبرعات ميسوري الحال، علماً أنها محدودة".
ويتوزّع النازحون في شمال البلاد وغربها ووسطها، وتعاني أكثريتهم بسبب البطالة، ما يضطرهم إلى الاعتماد على المساعدات التي تقدمها بعض المنظمات الإنسانية. في السياق، يقول محمد جار الله (42 عاماً) وهو نازح من بلدة الصقلاوية شمال الفلوجة، إنه "لولا المنظمات الإنسانية، لهلكنا. مر نحو عام ونصف العام على نزوحنا، من دون أن يتفقد أحوالنا أي مسؤول سياسي. كأنهم بذلك يتعمدون تهميشنا".
اقرأ أيضاً: لا غنى عن لعبة "المحيبس" في رمضان
وجوه الصائمين بمعظمها شاحبة. إلى ذلك، يفتقدون طقوسهم بعض الشيء، وإن كانوا يسعون جاهدين إلى الحفاظ على الحد الأدنى. هم يشتاقون إلى الأذان وصلاة التراويح وزحمة الشوارع وتبادل أطباق المحلبي والحساء بين الجيران.
في السياق، يقول جاسم عارف (57 عاماً) وهو من تكريت، إن "رمضان هذا العام يمر علينا ونحن بعيدون عن مدننا وأهلنا. نفتقد كل شيء، الطعام والمياه الباردة. نعيش في مناطق تصل الحرارة فيها إلى خمسين درجة مئوية". يفتقد عارف أيضاً الجلسات المسائية مع الأصدقاء والأقارب. أكثر ما يضايقه هو رؤية أطفاله يتضورون جوعاً، فيما يعجز عن تأمين الحليب لهم.
يقول ناشطون وعدد من منظمات المجتمع المدني إن النازحين يعانون من الجوع والعطش، بالإضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة واضطرار عدد كبير من الناس إلى السكن في مناطق نائية وصحراوية أو في بيوت من الطين وغيرها، لعجزهم عن استئجار منزل. ويوضح رئيس منظمة الرحمة الإنسانية علي الهاشمي لـ "العربي الجديد" أنه "خلال تفقدنا أحوال النازحين في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى، وجدنا عائلات من دون مأوى. فيما سكن آخرون في خيام لا مياه فيها أو كهرباء. ويضطر الصائمون منهم إلى تحمّل درجات الحرارة المرتفعة".
يتابع الهاشمي قائلاً: "نحن نقدّم بعض المساعدات كالمواد الغذائية، علماً أنها لا تكفي لسد احتياجات جميع النازحين". من جهة أخرى، يبدو قلقاً بسبب انتشار الأمراض، خصوصاً وأن المخيمات تفتقد الأدوية والأطباء. يُذكر أن أمهات لجأن إلى إطعام أطفالهن الأرزّ لعدم قدرتهنّ على شراء الحليب.
للعام الثاني على التوالي، يقضي النازحون من الأنبار شهر رمضان خارج بيوتهم. يبكي الحاج علي مزاحم (63 عاماً)، كلّما اقترب موعد الإفطار. يرفع يديه إلى السماء، ويدعو الله أن تنتهي هذه المأساة ليتمكن من العودة إلى بيته. يقول لـ "العربي الجديد" إنه اضطر إلى النزوح وعائلته المكوّنة من ثمانية أفراد، مضيفاً "مللنا التشرد والذل الذي نعيشه في بلدنا وكأننا غرباء. في الوقت نفسه، لا نستطيع العودة إلى مناطقنا خشية القصف الحكومي الذي يقتل العشرات يومياً. أريد رؤية مدينتي قبل أن أموت".
وعلى الرغم من الفقر، لم تختفِ العادات والتقاليد الرمضانية في المخيمات. تراهم يتبادلون الحساء والتمر الذي يحصلون عليه من المنظمات الإنسانية، ويقتسمون أرغفة الخبز بين بعضهم البعض. ويقول هنا الناشط مضر العاني لـ "العربي الجديد" إن "الحزن يغلب على القاطنين في المخيمات وخصوصاً في هذا الشهر. لا مياه ولا كهرباء، وتكاد حرارة الشمس تحرق الخيم التي تؤوي أولئك الذين تركوا ديارهم وأموالهم هرباً من الصواريخ. مع ذلك، تراهم يجولون على الخيام قبل موعد الإفطار، ويتبادلون ما تيسر من طعام".
إلى ذلك، يحمّل النازحون والناشطون الحكومة العراقية مسؤولية تهميشهم، وعدم تأمين حاجاتهم الأساسية من غذاء ودواء ومراكز إيواء. ويطالبون الأمم المتحدة بالتدخل لإيقاف معاناتهم الإنسانية، وتزويدهم بضروريات للعيش.
اقرأ أيضاً: العراقيّون يتمسّكون بالمحلبي