قضية الرق وتهميش العبيد السابقين جوهرية في موريتانيا. وفي حديث "العربي الجديد" مع رئيس منظمة "وعي وقضية من أجل الوحدة الوطنية لمناهضة العبودية" السالك ولد أنل إضاءة على العبودية ومخلفاتها.
- ما هي الأهداف التي تسعون إليها في منظمة "وعي وقضية"؟
نحن تنسيق حقوقي شبابي مدني فكري يسعى لنشر الوعي بخطورة قضية العبودية ومخلفاتها وانعكاساتها السلبية على تماسك المجتمع ووحدته وتنميته. فالتراتبية القبلية التي بني عليها المجتمع الموريتاني قديما وقسمته إلى فسيفساء شرائحية وعلاقات اجتماعية عمودية غير متكافئة، تفرض علينا ضرورة التوعية بخطر الظلم والغبن والتهميش الذي يتعارض ومبادئ الدولة الحديثة.
كما نسعى إلى استثمار التنوع الثقافي والحضاري لمختلف مكونات الشعب الموريتاني إيمانا منا بأن هذا التنوع عامل ثراء وجمع وتوحيد. الواقع يشير إلى أنّ هناك نقصاً منهجياً وتربوياً كبيراً في ثقافة حقوق الإنسان، لأنّ الدولة منذ استقلالها 1960 اعتبرت العمل الحقوقي موجها ضدها. وهي بهذا التصور تتقاطع مع الزعامات الإقطاعية التقليدية القبلية والعشائرية التي تعتقد أنّ النشاط الحقوقي والمدني جاء لنزع امتيازاتهم. ولذلك في كثير من الأحيان نرى تحالفاً بين الدولة وشيوخ القبائل في مواجهة الحقوقيين. ومع ذلك، نسعى لنشر ثقافة حقوق الإنسان من أجل خلق الإنسان الموريتاني المدني الواعي بمقتضيات المرحلة ومتطلباتها.
- ما هي رؤيتكم لقضية العبودية في موريتانيا؟
الممارسات الاستعبادية ومخلفاتها وما نتج عنها من جهل وفقر، وإعاقتها الدائمة للسياسات التنموية والصحية والتعليمية والتوظيفية، جعلتنا نناهض هذه الممارسات اللاأخلاقية، والمتعارضة مع كل النظم والقوانين الدولية والوطنية من خلال مقاربات وطنية تعتمد الحل والشراكة الجادة والفعالة كمسلك نحو مجتمع العدل والمساواة الذي نطمح له. منسقيتنا تستمد رؤيتها من عوامل داخلية متعددة منها: الخصوصية الدينية للمجتمع الموريتاني، والتنوع الثقافي والشرائحي، والقناعة المتزايدة بضرورة الوحدة، وطي ملف الاسترقاق إلى غير رجعة، والتطلع إلى الأمام نحو مستقبل واعد لبناء دولة المواطنة.
- طالبتم بإطلاق حوار جاد وملزم مع كافة المنظمات الحقوقية والأحزاب ورجال الدين.. هل ترى أنّ ظروف الحوار متوفرة حاليا؟
ظروف الحوار متوفرة خارجياً في ظل التغيرات الإقليمية والدولية التي تؤثر سلباً أو إيجاباً على المواطن الموريتاني. كما أنّها متوفرة داخلياً، فالجميع مقتنع أكثر من أي وقت مضى بضرورة الجلوس إلى طاولة واحدة بين مختلف الفرقاء الاجتماعيين من العبيد والعبيد السابقين (الحراطين) وأسيادهم، وغيرهم من مكونات الشعب الموريتاني كالمعلمين والزنوج، للحديث وبندية تامة حول الشأن الاجتماعي الوطني الداخلي. ونحن في منظمة "وعي و قضية" طالبنا دوما ونكرر الطلب بإطلاق منتديات وطنية لدعم الوحدة الوطنية ومناهضة العبودية، يشارك فيها كل الفاعلين الدينيين والسياسيين والحقوقيين.
وأشير إلى أنّ تنامي ظاهرة العنصرية في المجتمع الموريتاني، واستشراء الفساد المالي والإداري، وفساد التعليم، وضعف الأداء الصحي، هو نتيجة رفض الحوار والجلوس إلى طاولة منتديات وطنية لمعرفة الأخطاء وتصحيحها.
- هل ترى أن الاتهامات التي توجه إلى مناضلي الحراطين تعبر عن عنصرية السلطة أم أنّ هدفها هو النيل من مصداقية وسلمية المناضلين؟
المناضلون الحقوقيون سواء من الحراطين أو غيرهم، يسعون لخلق مجتمع مدني واعٍ وغالبا ما يصطدمون في رؤاهم بعادات المجتمعات التقليدية التي تبلغ درجة القداسة عند المحافظين. والاتهامات التي يمكن التحدث عنها نوعان: أولاً اتهامات يوجهها المجتمع للحقوقيين، خصوصاً الحراطين وغيرهم من أصحاب الدعوات الإصلاحية التي يعتبرها التقليديون المقلدون في المجتمع غريبة عليهم. وثانياً اتهامات يوجهها القضاء ويفترض فيها الاستقلالية، وينبغي أن تكون بناء على مخالفات مصنفة قانونياً، وهذه يجب عدم التدخل فيها لضمان استقلالية القضاء ولأنّ المتهم فيها يظل بريئاً ما لم تثبت إدانته.
- هل يتطوع "البيظان" (شريحة البيض) داخل جمعياتكم بأعداد مهمة؟
منسقية "وعي وقضية" كغيرها من المنظمات غير الحكومية تضم في صفوف مناضليها ومنتسبيها كل ألوان الطيف العرقي واللوني والشرائحي في موريتانيا، فهي ليست استثناء، وليست منظمة للحراطين فقط، بل لكلّ الموريتانيين بغض النظر عن أصولهم ولغاتهم.
- ما أكثر ما يهدد التعايش السلمي في المجتمع الموريتاني؟
انعدام الوازع القانوني، وانتشار الفساد المالي والإداري، وهيمنة القبيلة والجهة على مرافق الدولة، وتضخم الأنا عند الأفراد، كلها أمور تعيق التعايش السلمي الأفقي الحقيقي.
- ما رأيك بموقف رجال الدين؟
رجال الدين لهم من التأثير أكثر مما لغيرهم في توجيه المجتمع، وتقويم اعوجاجه، وتصحيح الأخطاء التي ترتكب فيه باسم الدين لمكانتهم العلية في نفوس الجميع. وكان يمكن أن يتم اختصار المسافة النضالية لمناهضي الاسترقاق، وألا يذهب مجهود الدولة سدى لعقود من الزمن في محاربة ظاهرة العبودية ومخلفاتها، لو أن فتاوى تحريم العبودية التي صدرت أخيراً عن رابطة العلماء الموريتانيين والشيخ محمد الحسن ولد الددو والداعية أحمد جدو ولد أحمد باهي وغيرهم، صدرت قبل ثلاثة عقود أو أربعة من الآن.
- حين نقارن نصيب الحراطين من مقاعد البرلمان ومناصب الولاة والموظفين السامين بنصيبهم من الأمية والفقر ما هي النتيجة؟
هناك غالبية عظمى من كل شرائح الشعب الموريتاني تعيش أمية وفقراً مدقعاً، وليس الحراطين جميعاً من الفقراء الأميين، كما أن غيرهم ليس من الأغنياء المتعلمين. التوظيف في موريتانيا لا يتم على أساس الكفاءة ولا الشهادة، بقدر ما يتم على أساس النفوذ القبلي أو الجهوي. ولذلك معظم الذين يتم انتخابهم في البرلمان الموريتاني أو تعيينهم وزراء أو سفراء.. فإنما اختيروا على أسس قبلية أو جهوية في أغلب الحالات. فالتراتبية القبلية تقتضي أن يترشح ابن سيد القبيلة أو أحد أقاربه أو مقربيه.. ويتم تعيينه حتى وإن كان عديم المؤهلات. ومجلس الشيوخ خير دليل على ذلك، فقد كان تجمعاً لرؤساء ووجهاء وأعيان القبائل. ولم يكن فيه حظ لحملة الشهادات من أبناء الشعب الموريتاني من ذوي الكفاءات أيا كانت شرائحهم.
- هل تؤيد إنشاء محاكم خاصة بجرائم الرق؟
طبعاً، وأن يكون قضاتها على دراية تامة بالقوانين المجرمة للاسترقاق.
سجين حقوقي سابق
السالك ولد أنل، سجين حقوقي سابق، ولد عام 1979 في نواكشوط. عمل أستاذاً ثانوياً في العديد من المؤسسات التعليمية، كما عمل مرشداً في التعليم عن بُعد في العاصمة الاقتصادية نواذيبو. وعام 2010 تولّى رئاسة مكتب نجم للإنتاج الإعلامي السمعي البصري، ونشر جريدة صوت المواطن. انضم إلى حركة "إيرا" المدافعة عن حقوق المسترقين بعد تأسيسها مباشرة، قبل أن ينسحب عام 2012 وينشئ مع رفاقه المنسحبين منظمة "وعي وقضية" لمناهضة العبودية التي يتولى رئاستها.
إقرأ أيضاً: "لحراطين" ضحيّة العبوديّة في موريتانيا
- ما هي الأهداف التي تسعون إليها في منظمة "وعي وقضية"؟
نحن تنسيق حقوقي شبابي مدني فكري يسعى لنشر الوعي بخطورة قضية العبودية ومخلفاتها وانعكاساتها السلبية على تماسك المجتمع ووحدته وتنميته. فالتراتبية القبلية التي بني عليها المجتمع الموريتاني قديما وقسمته إلى فسيفساء شرائحية وعلاقات اجتماعية عمودية غير متكافئة، تفرض علينا ضرورة التوعية بخطر الظلم والغبن والتهميش الذي يتعارض ومبادئ الدولة الحديثة.
كما نسعى إلى استثمار التنوع الثقافي والحضاري لمختلف مكونات الشعب الموريتاني إيمانا منا بأن هذا التنوع عامل ثراء وجمع وتوحيد. الواقع يشير إلى أنّ هناك نقصاً منهجياً وتربوياً كبيراً في ثقافة حقوق الإنسان، لأنّ الدولة منذ استقلالها 1960 اعتبرت العمل الحقوقي موجها ضدها. وهي بهذا التصور تتقاطع مع الزعامات الإقطاعية التقليدية القبلية والعشائرية التي تعتقد أنّ النشاط الحقوقي والمدني جاء لنزع امتيازاتهم. ولذلك في كثير من الأحيان نرى تحالفاً بين الدولة وشيوخ القبائل في مواجهة الحقوقيين. ومع ذلك، نسعى لنشر ثقافة حقوق الإنسان من أجل خلق الإنسان الموريتاني المدني الواعي بمقتضيات المرحلة ومتطلباتها.
- ما هي رؤيتكم لقضية العبودية في موريتانيا؟
الممارسات الاستعبادية ومخلفاتها وما نتج عنها من جهل وفقر، وإعاقتها الدائمة للسياسات التنموية والصحية والتعليمية والتوظيفية، جعلتنا نناهض هذه الممارسات اللاأخلاقية، والمتعارضة مع كل النظم والقوانين الدولية والوطنية من خلال مقاربات وطنية تعتمد الحل والشراكة الجادة والفعالة كمسلك نحو مجتمع العدل والمساواة الذي نطمح له. منسقيتنا تستمد رؤيتها من عوامل داخلية متعددة منها: الخصوصية الدينية للمجتمع الموريتاني، والتنوع الثقافي والشرائحي، والقناعة المتزايدة بضرورة الوحدة، وطي ملف الاسترقاق إلى غير رجعة، والتطلع إلى الأمام نحو مستقبل واعد لبناء دولة المواطنة.
- طالبتم بإطلاق حوار جاد وملزم مع كافة المنظمات الحقوقية والأحزاب ورجال الدين.. هل ترى أنّ ظروف الحوار متوفرة حاليا؟
ظروف الحوار متوفرة خارجياً في ظل التغيرات الإقليمية والدولية التي تؤثر سلباً أو إيجاباً على المواطن الموريتاني. كما أنّها متوفرة داخلياً، فالجميع مقتنع أكثر من أي وقت مضى بضرورة الجلوس إلى طاولة واحدة بين مختلف الفرقاء الاجتماعيين من العبيد والعبيد السابقين (الحراطين) وأسيادهم، وغيرهم من مكونات الشعب الموريتاني كالمعلمين والزنوج، للحديث وبندية تامة حول الشأن الاجتماعي الوطني الداخلي. ونحن في منظمة "وعي و قضية" طالبنا دوما ونكرر الطلب بإطلاق منتديات وطنية لدعم الوحدة الوطنية ومناهضة العبودية، يشارك فيها كل الفاعلين الدينيين والسياسيين والحقوقيين.
وأشير إلى أنّ تنامي ظاهرة العنصرية في المجتمع الموريتاني، واستشراء الفساد المالي والإداري، وفساد التعليم، وضعف الأداء الصحي، هو نتيجة رفض الحوار والجلوس إلى طاولة منتديات وطنية لمعرفة الأخطاء وتصحيحها.
- هل ترى أن الاتهامات التي توجه إلى مناضلي الحراطين تعبر عن عنصرية السلطة أم أنّ هدفها هو النيل من مصداقية وسلمية المناضلين؟
المناضلون الحقوقيون سواء من الحراطين أو غيرهم، يسعون لخلق مجتمع مدني واعٍ وغالبا ما يصطدمون في رؤاهم بعادات المجتمعات التقليدية التي تبلغ درجة القداسة عند المحافظين. والاتهامات التي يمكن التحدث عنها نوعان: أولاً اتهامات يوجهها المجتمع للحقوقيين، خصوصاً الحراطين وغيرهم من أصحاب الدعوات الإصلاحية التي يعتبرها التقليديون المقلدون في المجتمع غريبة عليهم. وثانياً اتهامات يوجهها القضاء ويفترض فيها الاستقلالية، وينبغي أن تكون بناء على مخالفات مصنفة قانونياً، وهذه يجب عدم التدخل فيها لضمان استقلالية القضاء ولأنّ المتهم فيها يظل بريئاً ما لم تثبت إدانته.
- هل يتطوع "البيظان" (شريحة البيض) داخل جمعياتكم بأعداد مهمة؟
منسقية "وعي وقضية" كغيرها من المنظمات غير الحكومية تضم في صفوف مناضليها ومنتسبيها كل ألوان الطيف العرقي واللوني والشرائحي في موريتانيا، فهي ليست استثناء، وليست منظمة للحراطين فقط، بل لكلّ الموريتانيين بغض النظر عن أصولهم ولغاتهم.
- ما أكثر ما يهدد التعايش السلمي في المجتمع الموريتاني؟
انعدام الوازع القانوني، وانتشار الفساد المالي والإداري، وهيمنة القبيلة والجهة على مرافق الدولة، وتضخم الأنا عند الأفراد، كلها أمور تعيق التعايش السلمي الأفقي الحقيقي.
- ما رأيك بموقف رجال الدين؟
رجال الدين لهم من التأثير أكثر مما لغيرهم في توجيه المجتمع، وتقويم اعوجاجه، وتصحيح الأخطاء التي ترتكب فيه باسم الدين لمكانتهم العلية في نفوس الجميع. وكان يمكن أن يتم اختصار المسافة النضالية لمناهضي الاسترقاق، وألا يذهب مجهود الدولة سدى لعقود من الزمن في محاربة ظاهرة العبودية ومخلفاتها، لو أن فتاوى تحريم العبودية التي صدرت أخيراً عن رابطة العلماء الموريتانيين والشيخ محمد الحسن ولد الددو والداعية أحمد جدو ولد أحمد باهي وغيرهم، صدرت قبل ثلاثة عقود أو أربعة من الآن.
- حين نقارن نصيب الحراطين من مقاعد البرلمان ومناصب الولاة والموظفين السامين بنصيبهم من الأمية والفقر ما هي النتيجة؟
هناك غالبية عظمى من كل شرائح الشعب الموريتاني تعيش أمية وفقراً مدقعاً، وليس الحراطين جميعاً من الفقراء الأميين، كما أن غيرهم ليس من الأغنياء المتعلمين. التوظيف في موريتانيا لا يتم على أساس الكفاءة ولا الشهادة، بقدر ما يتم على أساس النفوذ القبلي أو الجهوي. ولذلك معظم الذين يتم انتخابهم في البرلمان الموريتاني أو تعيينهم وزراء أو سفراء.. فإنما اختيروا على أسس قبلية أو جهوية في أغلب الحالات. فالتراتبية القبلية تقتضي أن يترشح ابن سيد القبيلة أو أحد أقاربه أو مقربيه.. ويتم تعيينه حتى وإن كان عديم المؤهلات. ومجلس الشيوخ خير دليل على ذلك، فقد كان تجمعاً لرؤساء ووجهاء وأعيان القبائل. ولم يكن فيه حظ لحملة الشهادات من أبناء الشعب الموريتاني من ذوي الكفاءات أيا كانت شرائحهم.
- هل تؤيد إنشاء محاكم خاصة بجرائم الرق؟
طبعاً، وأن يكون قضاتها على دراية تامة بالقوانين المجرمة للاسترقاق.
سجين حقوقي سابق
السالك ولد أنل، سجين حقوقي سابق، ولد عام 1979 في نواكشوط. عمل أستاذاً ثانوياً في العديد من المؤسسات التعليمية، كما عمل مرشداً في التعليم عن بُعد في العاصمة الاقتصادية نواذيبو. وعام 2010 تولّى رئاسة مكتب نجم للإنتاج الإعلامي السمعي البصري، ونشر جريدة صوت المواطن. انضم إلى حركة "إيرا" المدافعة عن حقوق المسترقين بعد تأسيسها مباشرة، قبل أن ينسحب عام 2012 وينشئ مع رفاقه المنسحبين منظمة "وعي وقضية" لمناهضة العبودية التي يتولى رئاستها.
إقرأ أيضاً: "لحراطين" ضحيّة العبوديّة في موريتانيا