بعدما بات عدد من السياسيين الدنماركيين، على رأسهم وزيرة الدمج انغا ستويبرغ، يتبنون مقترحات اليمين المتطرف لناحية بث إعلانات تهدف إلى "ترهيب" طالبي اللجوء، ومنعهم من الوصول إلى الدنمارك، يقول خبراء إن ذلك لن يكون له أي تأثير للحد من تدفق اللاجئين إلى كوبنهاغن ودول أوروبية أخرى.
وتشكو الدنمارك من زيادة أعداد اللاجئين، وخصوصاً السوريين، في وقت تستقبل فيه السويد عشرات الآلاف من طالبي اللجوء. وفي النصف الأول من العام، استقبلت البلاد حوالي 75 ألف لاجئ، بينما لم يحضر إلى كوبنهاغن إلا بضعة آلاف. ويرى خبراء أن هؤلاء لا يفكرون في الرفاهية. وبحسب الباحثة الرفيعة المستوى في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية في مجال اللجوء والهجرة، نينا سورنسن، فإن تلك الحملة التي يريدها السياسيون "لن يكون لها أي فاعلية في الحد من تدفق اللاجئين. فهؤلاء يفكرون في إيجاد أماكن آمنة قبل أي شيء آخر".
وتأتي تصريحات سورنسن رداً على تبني ستويبرغ نشر إعلانات في الصحف الأجنبية، بالإضافة إلى تلك العربية والتركية، بهدف "إبعاد اللاجئين عن حدود الدنمارك". في السياق، يقول الخبراء في مجال الهجرة إن محاولة إبقاء اللاجئين بعيدين عن حدود الدنمارك والاتحاد الأوروبي أمرٌ يصعب تحقيقه إذا ما نظرنا إلى المناطق القريبة التي يتجهون إليها، فهناك دول غنية وأخرى فقيرة. وتقول سورنسن إن "التقسيم العادل للاجئين لم يجر كما ينبغي بين الدول الغنية والفقيرة، كما أن ليست جميع الدول قادرة على تحمل الأعباء الاقتصادية".
وكانت وكالة الحدود الأوروبية "فورنتكس" قد لفتت إلى إنشاء العديد من الصفحات على "فيسبوك" وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، التي تنشر إعلانات لتجار يقدمون وعوداً برحلات هجرة إلى مختلف البلدان الأوروبية، في مقابل مبالغ مالية.
إلى ذلك، يعترف كثيرون من معسكر اليسار، وخصوصاً حزبي الشعب الاشتراكي واللائحة الموحدة، بأنه جرى إقناع بعض المواطنين بما تعرضه وسائل الإعلام والصحف الدنماركية، حول وعود اللجوء عبر يخوت، وكأن هؤلاء اللاجئين قادرون على القيام برحلات سياحية باهظة الثمن. أمر يرى فيه بعض اللاجئين، الذين عانوا للوصول إلى بلاد اللجوء، أمراً مضراً جدا لمن يبحث بالفعل عن بلد آمن. ويقول أحد اللاجئين السوريين الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن حديث بعض اللاجئين عن المزايا الاقتصادية لهذه الدولة، وسؤالهم الجهات المعنية فور وصولهم عن المساعدات المالية ومدى إمكانية حصولهم على منزل، جميعها أمور يجري تداولها بين المسؤولين.
هذه الأجواء تساهم في تكريس بيئية يمينية تهدف إلى تسويق التشدد. وبدعم من الشارع، تسعى إلى سن تشريعات سيكون لها تأثير على اللاجئين الفقراء، وهذا ما يتحدث عنه بعض الذين تعرضوا للنصب والاحتيال من قبل المهربين.
ما نشرته "فرونتكس" عن أن بعض المهربين يقدمون خدمات ونصائح عن أنظمة البلدان التي قد يلجأ إليها البعض، وتعميمها على طالبي اللجوء في مناطق النزاع، وخصوصاً السوريين، دفعت بأعضاء حزب الشعب اليميني المتطرف إلى طرح السؤال التالي: "من الذي يريد اللجوء ويملك كل تلك الأموال، لو لم تكن الأسباب اقتصادية؟". ويرد عدد من السياسيين والخبراء قائلين: "لا يمكن التعميم. بعض اللاجئين يخاطرون بحياتهم عبر البحر من دون أن يفكروا في وجهة أخيرة قبل نجاتهم".
وتجدر الإشارة إلى أن صحيفة "يولاندس بوستن" (ذات توجه يميني معاد للمهاجرين)، كشفت من خلال مراسليها في تركيا عن أساليب التهريب تلك، ما دفع ستويبرغ إلى الرد عبر القناة التلفزيونية الدنماركية الأولى، قالة إنه "سيجري العمل بهدف نشر هذه الإعلانات في تركيا، بسبب كثرة عمليات التهريب". وتلفت إلى أنه "من الغريب فعلاً أن يسافر المرء عبر بلدان عدة قبل الوصول إلى الدنمارك والنرويج والسويد وألمانيا". لكن آخرين يرون أن "قوانين اللجوء وظروف رومانيا وهنغاريا، تفاقم معاناة اللاجئ بالمقارنة مع بلده".
ويبدو أن الدنمارك ترغب في إطلاق حملة دعائية وإعلانات تشير إلى تقليص المساعدات المالية إلى النصف، بالإضافة إلى عدد من الإجراءات الأخرى، كما أعلنت ستوبيرغ، لتحذو بذلك حذو أستراليا. وبحسب مكتب الإحصاء الأوروبي، استقبلت الدنمارك بين عامي 2008 و2015، 45 ألف طالب لجوء، من دون أن يعني ذلك أن جميعهم حصل على اللجوء. وبحسب الأرقام الصادرة عن "دائرة الأجانب" الدنماركية، وصل 545 طالب لجوء إلى الدنمارك في شهر أبريل/نيسان الماضي.
اقرأ أيضاً: انتخابات الدنمارك تحسم الجدل حول الاقتصاد والمهاجرين