تحتضن محافظة الإسكندرية (شمال مصر) الأسواق الشعبية في مختلف مناطقها وأحيائها. ويتردد على تلك الأسواق يومياً، متسوقون من جميع الطبقات والمستويات الاجتماعية، يجدون فيها كل ما يمكن تخيله من بضائع.
بالرغم من أن تلك الأسواق القديمة بأكثرها، تُعدّ متنفساً حيوياً لعدد كبير من الأسر وأحد المعالم التي اشتهرت بها المدينة الساحلية على مر العصور، إلا أن غياب الرقابة الحكومية والأزمات لا سيما التلوّث الصحي والبيئي فيها، أصبحت أمراً يؤرق شريحة واسعة من سكان المناطق المحيطة.
محمود فاروق موظف، بالنسبة إليه "للأسواق الشعبية أهميتها لدى المواطنين البسطاء، لا سيما وأنها تقع بالقرب من التجمعات السكنية. وهي تؤمّن لزبائنها حاجياتهم بأسعار مقبولة". ويشير إلى أن "مناطق وأحياء بكاملها ازدهرت بسبب شهرة أسواقها". يضيف أنها "أصبحت أشبه بمعارض مفتوحة أو متخصصة مثل سوق زنقة الستات، أحد أعرق الأسواق وأشهرها في مصر وليس في الإسكندرية فحسب". وإلى زنقة الستات، نجد أسواق الميدان وراتب وباب عمر باشا في وسط مدينة الإسكندرية.
الحاجة سعاد حسن ربة منزل، ترى أن "المواطنين الذين يقصدون تلك الأسواق هم بأكثريتهم من المعوزين أو من أبناء الطبقة المتوسطة". وتلفت إلى أن "البلطجية وأصحاب السوابق يتحكمون ببعضها، فيفرضون الإتاوات على الباعة وسط غياب تام للجهات الرسمية". إلى ذلك، تتحدّث عن "غياب الرقابة وإقبال البعض على شراء السلع الرخيصة أو تلك مجهولة المصدر، بغض النظر عن جودتها. وهو الأمر الذي يستغله بعض التجار، فيعمدون إلى زيادة الأسعار أو بيع السلع المقلدة أو المغشوشة، خصوصاً في المواسم الكبرى والأعياد".
الدكتور إبراهيم سعد طبيب في وزارة الصحة، يرى أن "أوجه القصور والإهمال في هذه الأسواق، متعددة. ويأتي ذلك نتيجة غياب رقابة الحكومة. والتغاضي عنها يؤدي إلى تفاقم المشكلة ويصعب حلها، خصوصاً وأن أكثرها لا تلبّي شروط السلامة الصحية أو البيئية لا للعاملين فيها ولا للتجار ولا للمواطنين الذين بالكاد يستطيعون التحرّك وسط تلال القمامة". ويطالب بإعادة النظر فى تطوير هذه الأسواق ووضع تصميمات موحدة، بالإضافة إلى عدم إغفال أوضاع الباعة الجائلين. هي وفي حال تطويرها، سوف تتحوّل مناطق جاذبة للمستهلك والسياح الأجانب على حدّ سواء".
اقرأ أيضاً: للشقيانين في مصر رمضانهم
من جهته، يقول رئيس مجلس نقابة الباعة الجائلين محمد عبد المنعم إنهم اتفقوا منذ أكثر من عام مع محافظة الإسكندرية على تقنين أوضاعهم وبناء أكشاك لهم، وجمعوا رسوماً من أعضاء الجمعية. لكن الاتفاق لم ينفّذ". ويشير إلى أن "أي تطوير أو تحديث لا يراعي وضع الباعة الجائلين وتقنين أوضاعهم، لن يرى النور. وجودنا أصبح من أساسيات الأسواق الشعبية". ويوضح قائلاً: "جمعنا أكثر من 10 آلاف توقيع للتأكيداً على موافقتنا على نقل أماكن انتشارهم من الميادين العامة إلى أكشاك ومحلات بعيدة عن مواقع الزحمة، بالتنسيق مع المحافظة".
أما رئيس المجلس الشعبي المحلي السابق الدكتور طارق القيعي، فيرى أن "الأسواق الشعبية أصبحت مصدر قلق للسلطات المحلية قبل المواطنين، ولا بدّ من التصدي لهذه المشكلة بحلول عملية وعلمية مدروسة لمعالجة التداخلات بين الأطراف المعنية". ويوضح أن "من الناحية الاجتماعية، لا يجد الآلاف فرص عمل، ومصدر رزقهم الوحيد هو في هذه الأسواق. لكن نازحين من المحافظات الأخرى ينافسونهم". ويقترح "إعداد خطط متكاملة للتطوير تتناسب وظروف كل سوق على حدة، وتراعي البعد الاجتماعي للتجار والباعة الجائلين، إلى جانب الشروط البيئية والصحية، وتلحظ كذلك توفير الخدمات اللازمة من كهرباء ومياه وصرف صحي. ويوضح أن "تطوير هذه الأسواق من شأنه أن يحوّلها أسواقاً نموذجية تساهم فى تنمية التجارة والاقتصاد المصري".
لقمة بالحلال
في ميدان الشهداء في الإسكندرية، يشكو الحاج عماد ناصف وهو بائع خضار، قائلاً: "حتى لقمة العيش مش راضيين يسيبونا نأكلها بالحلال". وينتقد ما وصفه بمطاردة شرطة المرافق للباعة الجائلين، "كأننا مجرمون". ويؤكد على أن "لا رزق لنا غير ما تؤمنه هذه الأسواق. نحن لا نملك المال لشراء محلات خاصة، وكل ما نريده هو تقنين أوضاعنا أو توفير أماكن بديلة مرخّصة، بدلاً من محاربتنا".
اقرأ أيضاً: باعة مصريّون يلحقون الزبائن إلى الساحل