في حين تتوالى تداعيات المرسومَين الوزاريَين الصادرَين عن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني في المغرب، تنظّم التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدرّبين وقفة احتجاجية اليوم أمام البرلمان في الرباط، مطالبة بردّ الاعتبار إلى المدرّسين وتنديداً بالقمع الذي تعرّضوا له في تحركات سابقة. وكان الاحتجاج الذي نُظّم الخميس الماضي في خمس مدن مغربية، قد ووجه بالهراوات، ليحظى المحتجّون في منطقة أنزكان (جنوب) بالمقدار الأكبر من عنف القوات الأمنية.
وكان المرسومان المتعلقان بفصل التدريب عن التوظيف وتخفيض منحة التدريب، قد دفعا المدرّسين المغاربة المتدرّبين إلى التحرك. ومنذ ثلاثة أشهر تقريباً، يجوب آلاف من هؤلاء شوارع مدنهم بالوزرة البيضاء والشرائط الحمراء، مطالبين الوزارة بسحب المرسومين اللذَين يلزمانهم بخوض مباراة للحصول على الوظيفة الحكومية بدلاً من الإدماج المباشر الذي كان يُعمل به في السابق، بالإضافة إلى تخفيض منحة المتدربين من 245 يورو شهرياً إلى 120 يورو.
والاحتجاجات السلميّة التي انطلقت قبل ثلاثة أشهر، رفعت شعاراً موحداً "لا للمرسومين - كلنا الأساتذة المتدربون". لكنها ووجِهت أخيراً بعنف القوى الأمنية التي تدّخلت في أكثر من منطقة بالهراوات والصدام المباشر لمنع المدرّسين من تنظيم احتجاجاتهم في الشارع. وهو ما أسفر عن إصابات في صفوف المحتجين تراوحت بين جروح ورضوض وكسور. وقد أدانت مؤسسات حقوقية وحزبية مواجهة القوى الأمنية احتجاجات "أساتذة الغد"، وأعدّت ذلك تعدياً على حقوق التجمعات والتظاهرات التي ينص عليها القانون.
يوضح الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المغربي محمد الصبار لـ "العربي الجديد"، أن "اللجوء إلى العنف واستخدام القوة لتفريق التظاهرات هو أمر طبيعي يحدث في مختلف الدول الديمقراطية. والاحتجاجات التي تخرج إلى الشارع المغربي تأتي عفوية ومن دون ترخيص، ومن الطبيعي أن تلجأ السلطات إلى القوة. لكنه عنف غير متناسب مع طبيعة الاحتجاجات، ونحن نتحفظ عليه حتى لا يؤدي إلى إصابات بين المتظاهرين". يضيف: "نحن نحاول إيجاد خريطة طريق للتظاهر بشكل طبيعي، ونحاول الضغط لإخراج قانون يتعلق بالحكامة الأمنية، من شأنه أن ينظم العلاقة بين السلطات والمحتجين".
اقرأ أيضاً: مغربيّات يحصدن الفراولة في إسبانيا
وكانت القوة فد استخدمت في أكثر احتجاجات الأساتذة تقريباً. ويشير منسّق فرع أكادير التابع لـ "التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين" الحسين آيت عمر لـ "العربي الجديد"، إلى أن قبل عشرة أيام تقريباً "تعرّض المحتجون إلى عنف غير مسبوق، ومنعت التظاهرة من الخروج من مراكز التدريب على الرغم من أننا أعلنا عن برنامج احتجاجي سلمي". يضيف: "نحن نحمّل مسؤولية التعنيف إلى الحكومة والوزارة، ولن يزيدنا القمع إلا إصراراً على التمسك بمطالبنا بإلغاء المرسومين. كذلك فإننا ندافع عن مجانية التعليم والتمدرس العمومي في الوقت الذي تخطط فيه الحكومة لنظام التعاقد مع المدرّسين المتدربين".
من جهته، يقول عضو التنسيقيّة في طنجة بلال الياسفي لـ "العربي الجديد": "الأسبوع الماضي عندما وصلنا مكان الاحتجاج العام، فوجئنا بقوة أمنية كبيرة تهاجمنا. مُنعنا من حقنا في التجمّع السلمي". يُذكر أن المدرّسين الموظفين عمدوا إلى وضع شارات حمراء في يوم تضامني مع المحتجين الثلاثاء الماضي، كتعبير احتجاجي على ما تنتهجه الحكومة.
وكان رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران قد صرّح أمام شبيبة حزب العدالة والتنمية أن المدرّسين المحتجين "مخطئون (...) ووظيفة نحو 9500 مضمونة. وهذا العام، قدّمنا لهم منحة بقيمة ألف درهم مغربي ( 100 يورو)". ويلفت إلى أن "ثمة من يقف وراء احتجاجاتهم. وننصحهم ألا يكونوا ضحية. ننصحهم بالدخول (إلى مراكز التدريب) وبالقراءة".
إلى ذلك، وقّعت أكثر من 15 هيئة نقابية وحقوقية سياسية على بيان مشترك، أعلنت فيه تضامنها المطلق مع المدرّسين المتدربين وإدانتها لكل مظاهر العسكرة والتجييش الأمني ضد احتجاجاتهم. ويقول رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في طنجة عبد المنعم الرفاعي لـ "العربي الجديد" إن "العنف يدفعنا إلى التأكيد على أن الدولة تنتهج المقاربة الأمنية في معالجة مواضيع اجتماعية. الاحتجاجات في الشارع سلمية، لكنها تقابل بالعنف وبالإفراط في استخدام العنف، مثلما حدث مع المدرّسين المتدربين. كذلك فإن احتجاجاتهم هي عبارة عن وقفات، والوقفات غير السيارة لا تحتاج إلى ترخيص، بالتالي العنف الموجّه إليهم مخالف للقانون".
ويوضح الرفاعي أن "السلطات لم تتّبع الإجراءات المناسبة خلال الاحتجاجات الأخيرة، إذ يجب إصدار المنع من جهة مختصة لتُبلّغ به الجهات المنظمة شفوياً في الميدان، عن طريق ضابط قضائي يرتدي زياً معيناً ويحمل راية حمراء ويذيع أمام المتجمهرين أن الاحتجاج ممنوع وأن العصيان سيخلّف عواقب. لكن السلطات لم تحترم هذه الإجراءات ولم تستخدمها".
اقرأ أيضاً: يونس الشيخ علي.. جمع طنجيس القديمة وطنجة الحديثة