("مُوحَشٌ: [ و ح ش ]. (فاعل من أَوْحَشَ). :- مَكَانٌ مُوحَشٌ :- : قَفْرٌ لاَ أُنْسَ فِيهِ. قال بعضهم، إذا أقبل الليل استأنس كل وحشي واستوحش كل إنسي. والوحشة: الفرق من الخلوة. يقال: أخذته وحشة. ويقال للمكان الذي ذهب عنه الناس: قد أوحش، وطلل موحش؛ وقيل "لسلمى موحشا طلل يلوح كأنه خلل، المتنبّي"."الغني"، "لسان العرب")
يا قلقي! يُقال إن وحشة أخذته.
("أَخَذَ: (فعل). أَخَذَ الشيءَ: تناولَهُ وحصَلَ عَليهِ، قَبِلَهُ"، "المعجم الوسيط")
أي أنّه قابل بالوحشة. ويمكن القول حتّى إنّه يغذّيها ويحافظ عليها. يدلّلها.
يسير في أرجاء الشقة ويخال نفسه يطوف. في المطبخ: تِفْل من القهوة يحترق في كعب الركوة فوق نار خفيفة زرقاء أكثر ممّا هي حمراء. في غرفة الجلوس مذياع. "أهرب من قلبي أروح على فين ليالينا الحلوة في كل مكان". في غرفة النوم سرير واحد. سرير لشخصين اثنين وسرير لشخص واحد. قرب باب المدخل الخشبيّ كندرة من الجلد مرميّة لا أقدام تتّسع فيها. أسفل مرآة الحمّام زجاجة كولونيا مفتوحة. على الشرفة نبتة القرنفل رائحتها "مسك وعنبر يا روحي". نبتة القرنفل يحبّها ساكن الشقة لكنّه لا يسقيها. فقط يصلّي ليلاً كي تمطر السماء فلا تموت النبتة.
اليوم تمطر السماء. هذه فرصة لإعادته من حيث أخذته الوحشة، إنّما مرفوضة. الاستجابة لصلواته تعني أن أحداً ما في الأعالي يهتمّ لأمر النبتة. لكنّ في هذا عملاً من أعمال الطبيعة. يهرب المطر احتماء من السماء، ويهرب هو للسماء احتماء من المطر. نبتة القرنفل منسيّة، يتذكّرها عندما لا تمطر فقط ليحزن عليها أو ليغضب من السماء.
بسرعة، يتّجه نحو باب المدخل. يقف عنده. يطرق بعظام مفاصل أصابعه على خشبه. يركض باتجاه المطبخ. هناك، ينتظر ثوانيَ معدودة يصرخ خلالها "يلّا، جاي"، ثمّ يفتح الباب ليجد أن أحداً لا يقف خلفه. هكذا يلعب مع نفسه ألعاباً وسخة.
من زمان والنار تحت الركوة لا تنطفئ. يتفقّدها. ليست النار حمراء اليوم، ولا هي زرقاء ولا حرارة تنبعث منها. فرغت جرّة الغاز. لا بدّ من إعادة تعبئتها حتى يبقى تفل من القهوة يحترق في كعب الركوة فوق نار خفيفة. تلك هي العادة.
عندما يطرق العامل في شركة تعبئة الغاز الباب، يفتح له ليجد أنّ أحداً يقف حقاً خلفه. هذه فرصة أخرى لإعادته من حيث أخذته الوحشة، أيضاً مرفوضة. يُبقي العامل لثوانٍ طويلة عند الباب، ليتسنّى له أن يخيب ظنّه.
"فرغت جرّة الغاز بوقت قليل يا أستاذ، أليس كذلك؟"
"طبعاً. الأسبوع الماضي، انتحرت زوجتي. أغلقت باب المطبخ وفتحت أسطوانة الغاز. وأنا من وقتها، لا أطفئ النار تحت ركوة القهوة".
*("سماء البيت: رواقه، سقفه. وهي الشُّقّة التي دون العليا، أنثى وقد تُذكَّر. اللغة العربيّة المعاصرة")
اقرأ أيضاً: ثلاثُ ليالٍ للحب وقدح