يمضي الاحتلال الإسرائيلي في خططه القاضية بأسرلة التعليم في المدارس الفلسطينيّة المقدسيّة. وهو الأمر الذي يحذر منه باحثون، فيما تعاني تلك المدارس من عجز يدفع بالتلاميذ إلى التسرّب.
يحذّر باحثون ومختصّون في شؤون التعليم الفلسطيني في القدس المحتلة، من المخاطر الناجمة عن قرارات وزارة المعارف وبلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة في ما يتعلّق بالمدارس الفلسطينية التي لا تطبّق حتى اليوم المنهاج الإسرائيلي. يُذكر أن الوزارة والبلدية مجتمعتَين طبقتاه على عدد من المدارس التابعة لهما قبل نحو عامَين.
ويرى هؤلاء أن التوجّه الجديد الذي عبّر عنه عضو الكنيست الإسرائيلي المتطرف نفتالي بينيت والمتعلق بتجفيف مصادر التمويل والدعم عن المدارس التي لا تطبق المنهاج الإسرائيلي بدلاً من الفلسطيني، من شأنه أن يؤدّي إلى انهيار قطاع التعليم المقدسي الذي تعرّض خلال السنوات القليلة الماضية إلى ضربة قاصمة بفعل إجراءات الاحتلال سواء باستهداف التلاميذ بالاعتقال أو منع أعضاء الهيئات التدريسية من أبناء الضفة الغربية من الالتحاق بوظائفهم في سلك التعليم المقدسي وتحديد عدد التصاريح الممنوحة لهؤلاء المدرّسين، بالإضافة إلى إرغام بعض المدارس على العمل بامتحان "بجروت" الإسرائيلي بدلاً من امتحان التوجيهي الفلسطيني.
في هذا الإطار، يقول رئيس لجنة أولياء الأمور في المدارس التابعة للمعارف والبلدية، المهندس عبد الكريم لافي، لـ"العربي الجديد" إن "بلدية الاحتلال كانت قد حوّلت قبل أكثر من عام مدرسة شعفاط السهل الابتدائية إلى مدرسة إعدادية لتعليم المنهاج الإسرائيلي، وأجبرت الأهالي على تسجيل أبنائهم فيها بعد إغلاق إحدى المدارس المقدسية". يضيف أن "بلدية الاحتلال وبالتزامن مع خطوتها تلك، فتحت قسماً كاملاً لتدريس المنهاج الإسرائيلي في مدرسة ابن خلدون في حيّ بيت حنينا، وواصلت تدريس هذا المنهاج في مدارس صور باهر للذكور وابن رشد".
ويتابع أن بلدية الاحتلال في القدس أدخلت نظام "البجروت" المطبق في مدارسها للمرحلة الثانوية، "إلى بعض مدارس المدينة المقدسة عبر المراكز والكليات التي أنشأتها على مدى الأعوام القليلة الماضية. كذلك شطبت وألغت كل ما هو وطني من كُتب من قبيل الرياضيات، والتربية الإسلامية، ولغتنا الجميلة والعلوم اللغوية، وجغرافيا الوطن العربي، والعالم الحديث والمعاصر، والصحة والبيئة. وحذفت نصوصاً ودروساً بأكملها، في حين حذفت كلمات أو جملاً أو تمارين من دروس وقصائد معينة".
ويتهم لافي سلطات الاحتلال بأنها "تعمل وفق استراتيجية تقوم على إحلال الفكر الصهيوني والسيطرة على الوعي الفلسطيني، وطمس الهوية العربية الإسلامية والمسيحية لمدينة القدس"، مشيراً إلى خطوات أخرى بدأت بفرضها منذ عامَين حين حرّفت المنهاج الفلسطيني وألغت فقرات ودروساً عديدة من مواد دراسية مختلفة. من هنا يدعو إلى "تحرّك فلسطيني عاجل لوقف هذا التدهور الخطير في قطاع التعليم الذي بات مستهدفاً أكثر من أي وقت مضى، تماماً كما هي حال القطاعات المقدسية الأخرى، سواءً السكانية أو الصحية أو التجارية التي تتعرض مجتمعة لأسوأ هجوم إسرائيلي يستهدف شطب كل ما له صلة بالهوية العربية للمدينة المقدسة. وهي إجراءات ازدادت خطورة في أعقاب الهبّة الشعبية مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي".
اقرأ أيضاً: عنصريّة تهيّئ للعام الدراسيّ في أراضي 48
خطر يتهدّد تلاميذ القدس
وفي حين تعاني المدارس التابعة لبلدية الاحتلال من نقص كبير في غرف الصفوف التي يتابع فيها أكثر من 60 ألف تلميذ مقدسي دراستهم، فإن ثمّة خطراً كبيراً يتهدّد هؤلاء التلاميذ وهو التسرّب المدرسي في ظل عدم توفّر مقاعد دراسية لآلاف منهم. يُذكر أن النقص الحاد في غرف الصفوف وصل مطلع هذا العام الى أكثر من 3200 غرفة.
وفي السياق ذاته، ارتفع عدد التلاميذ المقدسيين الذين هم خارج أي إطار تعليمي، إلى أكثر من 15 ألفاً، في حين تفتقر مدارس عديدة إلى مختبرات علمية وقاعات للاجتماعات وأخرى للرياضة، بالإضافة إلى عدم ملاءمة الأبنية المستخدمة كمدارس وقاعات تدريس، للتعليم، إذ هي مبان أو بيوت مستأجرة. ويعود ذلك إلى منع بلدية الاحتلال بناء مدارس فلسطينية، وما تواجهه بعض المدارس من قيود مشددة تمنعها من تحسين أبنيتها.
ويُظهر تقرير لجمعية حقوق المواطن في إسرائيل واقع التعليم في القدس، من خلال الإشارة إلى أن أكثر من مائتي طالب من مدرسة شعفاط الابتدائية للبنين في بلدة شعفاط شمال القدس، يواظبون على دوامهم في ساحة المدرسة أو في غرف مكتظّة من دون نوافذ، وذلك لعدم تمديد عقد إيجار أحد المباني. تجدر الإشارة إلى أن 920 تلميذاً يدرسون في هذه المدرسة في 27 غرفة صف موزّعة في ثلاثة أبنية استأجرت لهذه الغاية. لكن بلدية الاحتلال في القدس رفضت عرض صاحب العقار رفع بدل الإيجار، وبدلاً من توفير حل بديل أو حتى مؤقت لتلاميذ المدرسة، افتتحت السنة التعليمية بانتظام، ما يلزم الهيئة التدريسية على تعليم 80 تلميذاً في ساحة المدرسة، ومائة آخرين في غرفتين مستأجرتين في مبنى قريب من المدرسة من دون نوافذ ولا مراوح أو أجهزة تكييف.
من جهة أخرى، كانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد اتخذت قراراً قبل خمسة أعوام في التماس رفعته إليها جمعيتا حقوق المواطن و"عيرعاميم" الإسرائيليتين ضد بلدية الاحتلال لحلّ أزمة التعليم في القدس الشرقية، فرضت على البلدية خلاله حل أزمة النقص في غرف الصفوف خلال خمسة أعوام. وعلى الرغم من اقتراب انتهاء المهلة، إلا أن التلاميذ المقدسيين ما زالوا يعانون من نقص في هذه الغرف ومن اكتظاظ غير معقول في تلك المتوفرة ومن عدم ضمان مقعد للدراسة حتى بعد بدء السنة التعليمية.
تضارب في أعداد التلاميذ
وما يعكس حالة التهميش التي يعاني منها جهاز التعليم الفلسطيني في القدس المحتلة، هو عدم قدرة السلطات المسؤولة على الإجابة عن سؤال أساسي حول العدد الدقيق للأطفال الفلسطينيين في سنّ الدراسة الذين يقطنون في القدس الشرقية وعدد أولئك الذين يلتحقون بالمدارس. يُذكر أن 24 ألفاً و322 طفلاً مقدسياً لا يظهرون في أي قوائم ولا يعرف أين يتعلمون.
تظهر بيانات لمديرية التربية والتعليم في القدس أن إجمالي الأطفال في القدس الشرقية ما بين السادسة والثامنة عشرة وصل عام 2012 إلى 88 ألفاً و845 طفلاً، من بينهم 86 ألفاً و18 طفلاً التحقوا بمؤسسات تعليمية. لكن بيانات بلدية الاحتلال في القدس تشير إلى أن عدد الأطفال ما بين السادسة والثامنة عشرة أكثر بكثير، وقد بلغ في عام 2014 التالي 106 آلاف و534 طفلاً، ما يعني أن ثمّة 20 ألفاً و516 طفلاً لا يظهرون في سجلات مديرية التربية والتعليم في القدس، بالإضافة إلى ثلاثة آلاف و806 أطفال في الخامسة من عمرهم، وهو جيل الروضة الإلزامي، ليسوا مسجلين في أي روضة تعرف عنها المديرية.
ومع تفاقم أزمة هذا القطاع، فإن زيادة بنسبة لا تقل عن 5% في أعداد التلاميذ الذين لا تتوفّر معلومات حول مصيرهم، سجّلت خلال العام الدراسي 2015- 2016. ومع التوجّه الجديد الذي أعلنت عنه وزارة المعارف وبلدية الاحتلال الإسرائيليتين في القدس، فإن الضائقة ستكون مزدوجة. لكن أخطرها هو استهداف فكر هؤلاء التلاميذ وعقولهم في ما يشبه عملية غسيل دماغ لجيل كامل يتعرّض مع الأهالي لأسوأ ابتزاز تمارسه سلطات الاحتلال. وكان آخره اشتراط حصول عديد من المدارس البلدية والخاصة التي تتلقى دعماً مالياً من وزارة المعارف وبلدية الاحتلال، موافقة إدارات هذه المدارس على أسرلتها، من خلال تطبيق المنهاج الإسرائيلي الكامل وفرض امتحان "بجروت".
لدعم التعليم في القدس
يرى الكاتب والمحلل الإعلامي والسياسي راسم عبيدات والمتابع لشؤون التعليم في القدس، أن المطلوب فلسطينياً سواءً على مستوى السلطة ومنظمة التحرير أو على مستوى المؤسسات التعليمية الأهلية والخاصة وحتى بعض إدارات المدارس التابعة لبلدية الاحتلال ووزارة المعارف، هو تبنّي استراتيجية واضحة تعزز الهوية الوطنية الفلسطينية لقطاع التعليم في القدس وترصد لهذا القطاع الموارد المالية الكافية التي تخرج مدارس القدس من قبضة الابتزاز الإسرائيلي.
أما القيادي في حركة فتح حاتم عبد القادر فيقول إن المقدسيين الذين يخوضون منذ أكثر من ثلاثة أشهر هبة شعبية قدموا خلالها الشهداء، سوف يتصدون لهذا التوجه الإسرائيلي الجديد الذي يريد القضاء على قطاع التعليم، مشدداً "كما أفشلنا مخططاتهم في السابق سنفشلها حاضراً ومستقبلاً".
اقرأ أيضاً: نكبة مزمنة في مناهج تعليم مدارس أراضي 48