لا تنتهي مشكلات طالبي اللجوء إلى أوروبا، لا سيما ألمانيا، بعد نجاحهم في الحصول عليه. فالذين يحتاجون إلى علاج ومتابعة طبيَّين، يجدون في عدم امتلاكهم اللغة عائقاً كبيراً.
لم يكن أمام زياد ابن مدينة حمص السورية، إلا لغة الإشارة وسيلة للتواصل خلال علاجه من مرض السرطان في ألمانيا التي وصل إليها كلاجئ في سبتمبر/ أيلول 2015. في مرّة، كادت اللغة أن تكون سبباً في وفاته بعدما اشتدّ مرضه ولم يمضِ على وجوده في مركز إيواء اللاجئين إلا ثلاثة أشهر. حينها، لم تتمكن زوجته من شرح وضعه للحرس الليلي في المخيم، ولم يصدّقوا أنّ حالته طارئة وتستدعي نقله فوراً إلى المستشفى، على الرغم من أنّه كان قد أصيب بنزيف حاد، ما دفعها إلى الصراخ والبكاء وتحميلهم مسؤولية حياته.
يروي زياد لـ "العربي الجديد" معاناته خلال فترة تلقيه العلاج في المستشفى، عندما لم يكن وضعه الصحي يسمح له بالتواصل ولا التركيز على ما يريد قوله للأطباء والممرضين. خلال الأيام الأولى، تسبّب ذلك بنوع من الإحباط، قبل أن يستعين بشخص متمكّن من اللغة الألمانية وقادر على التعامل مع المصطلحات الطبية، ليكون صلة وصل بينه وبين الكادر الطبي. ويؤكّد: "بذلت كلّ ما في وسعي للتواصل مع الأطباء، بكل الوسائل الممكنة. في النهاية، تجاوزت الخطر وأنا اليوم في وضع جيّد وفي تحسّن مستمر، خصوصاً أنّني أتلقى علاجي أخيراً عند طبيب متخصص من أصول عربية. وهو أمر يسهّل عليّ الكثير". من جهتها، تلفت زوجته إلى أنّه في هذه الأحوال، "معاناة أقارب المريض واكتئابهم، أصعب من مصاب المريض نفسه".
تجدر الإشارة إلى أنّ المرض بدأ يفتك بزياد قبل اندلاع الحرب في سورية. فخضع لعلاج، وكان الأطباء يعدونه خيراً. لكنّ اضطراره إلى مغادرة البلاد في عام 2013، انعكس عليه وعلى صحته سلباً. فهو تنقّل بين لبنان وتركيا قبل أن يبلغ ألمانيا. ويعيد زياد تردّي حاله إلى "الظروف والأوضاع السيئة والتهجير خلال السنوات الأخيرة". فهو لم يكن قادراً على زيارة طبيب متخصص بصورة دورية، كذلك فإنّ سكنه في مخيّم للاجئين مع مجموعة كبيرة من الأشخاص عرّضه إلى ضغط نفسيّ كبير في حين لم يتمكّن من الحصول على الغذاء اللازم. إلى ذلك، هو فقد ثلاثة من إخوته في الحرب الدائرة في البلاد.
أمّا رضوان الذي يعاني من داء السكري، فيلفت إلى أنّ "وضعي لم يكن حرجاً مثل زياد، إنّما مشكلتي تكمن في كلّ مرّة أراجع الطبيب". فهو يحاول قدر المستطاع التركيز على ما يطلبه منه طبيبه الألماني. ويقول: "في كلّ زيارة، أجد نفسي في موقف محرج وأشعر بارتباك، نتيجة عدم تمكّني من اللغة وفهمي للمصطلحات الطبية. وهذا ما يدفعني لاحقاً إلى الاستعانة بشخص مقرّب أثق به ليعيد شرح التقرير الطبي".
المترجم ضرورة
عن كيفيّة تعامل المستشفيات والمراكز الطبية مع هذه الحالات، يقول الأكاديمي حاتم م. - تحفّظ عن ذكر كامل هويته - الذي رافق عدداً من المرضى إلى عيادات الأطباء، إنّه "لا يوجد مترجمون معتمدون يرافقون المرضى، بل تكون الاستعانة بالأصحاب والأقارب". ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّه "في حالات كثيرة، يستعين أهل المريض بأحد أبناء الجالية الذي يثقون به إلى حدّ ما، وذلك مقابل بدل مادي قدره 50 يورو في الساعة. لكنّهم للأسف، يقعون في أحيان كثيرة ضحية بعض من يدّعي أنّه قادر على المساعدة في الأمر، إلا أنّه ليس كذلك". يضيف أنّ "المصطلحات الطبية، لا يتمكّن منها إلا الذين يدورون في فلك المجال نفسه، من ممرضين ومعالجين فيزيائيين ومتخصصين في علوم الحياة والكيمياء وعلوم المختبر. بالتالي، من درس أو عمل في مجالات أخرى كالهندسة أو الاقتصاد، لا يستطيع تقديم المساعدة نفسها للمريض كما هؤلاء". ويشير إلى أنّ "ثمّة شركات في البلاد تقدّم خدمات خاصة للمواطنين العرب الذين يقصدون ألمانيا للعلاج. وهي تتعاون عادة مع السفارات والقطاع الخاص والأفراد الذين يعالَجون على نفقتهم الخاصة. لكنّه لا يوجد أيّ تعاقد بين مقدّمي تلك الخدمات وجهات أخرى لمساعدة المرضى من اللاجئين".
وضع غير مقلق
في سياق متّصل، كان رئيس الجمعية الطبية الألمانية - تضم نحو 420 ألف طبيب - الدكتور فرانك أولريخ مونتغمري، قد أوضح لصحيفة "دي فيلت" أنّ التعاون بدأ مع مترجمين لمساعدة الأطباء في تشخيص الأمراض لدى بعض اللاجئين، ومنه ما يأتي عبر خدمة "سكايب". ولفت إلى أنّ الاختلافات الثقافية عادة ما تلعب دوراً غير مساعد، خصوصاً لدى المسلمين والمسلمات الملتزمين دينياً، لعدم تعبيرهم عن مشكلاتهم، حتى الصحية منها". لكنّ مونتغمري أوضح أنّ وضع اللاجئين الصحي ليس سيّئاً، لا سيّما الذي يتعلّق بالأمراض المعدية أو المزمنة، واصفاً الوضع بـ "غير المقلق". وهذا ما أكّده كذلك المعهد الاتحادي للأمراض المعدية، إذ إنّ اللاجئين بأكثريتهم المطلقة هم من جيل الشباب. وذكر مونتغمري أنّ المعدّل الوسطي لطبابة اللاجئ يصل إلى 2300 يورو أي أقلّ بـ 600 يورو عن المواطن الألماني.
وكان استطلاع للرأي أعدّته الجمعية الألمانية للطب الباطني قد بيّن أنّ 75 في المائة من اللاجئين تقريباً، وصلوا إلى البلاد وهم يعانون من نزلات برد وحمّى والتهابات في المعدة والأمعاء.