عاد اللقاء السنوي الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا ومختلف أنواع العنصرية للانعقاد أمس الأحد، في دورته الثالثة، بعد أن توقف العام الماضي، بسبب الاعتداءات الإرهابية التي تلاها فرض حالة الطوارئ.
واختار منظّمو اللقاء الذي دعت إليه جمعيات ومنظمات حقوقية وسياسية، عنوان "الإسلاموفوبيا وكراهية الأجانب في زمن الانتخابات"، بسبب تزامنه مع انطلاق الحملات الانتخابية في فرنسا، والتي لا تغيب عنها منذ عقود طويلة مواضيع الإسلام والأجانب وتدفق المهاجرين واللاجئين، وأيضا تتابع الاعتداءات والتضييق والهجمات.
وشهد اللقاء، الذي ساهمت في استضافته بلدية سان دونيه، تنظيم أربع طاولات نقاش، حاولت أن تلم بالموضوع الواسع من شتى الجوانب، وكانت الأولى عن "الإسلاموفوبيا منذ الاعتداءات الإرهابية"، وكانت أبرز المتدخلين فيها ليلى شرف من "التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا"، التي كشفت وضعا بالغ القسوة يعيشه المسلمون في فرنسا بعد الاعتداءات، خصوصا النساء، اللواتي يتعرضن للقسم الأوفر من هذه الاعتداءات، خصوصاً الاعتداءات الجسدية.
ورأت شرف أن حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية التي ترافقها فاقَمَت من الظاهرة، وأن هناك "تمظهرات جديدة للإسلاموفوبيا، مثلا، في الاستشارات الطبية والاستدعاءات أمام المصالح الاجتماعية وأيضا في المدارس، إذ يسمح المدرسون لأنفسهم باستخدام خطاب عنيف، ويصف بعضهم التلاميذ بسهولة بأنهم إرهابيون وجهاديّون، وأيضا سيادة مناخ عام من الشبهات والريبة، وهو ما يقود إلى ظاهرة خطيرة، اسمها: الوشاية، التي غالبا ما تستهدف أشخاصا أبرياء".
واستعرضت مثال طبيب فرنسي وشى بمريضة مسلمة لدى الدرك، بدعوى أن خطابها فيه رنات متطرفة، متذرعا بأن الرئيس فرنسوا هولاند ورئيس حكومته مانويل فالس "يطالباننا بأن نكون حذرين ومسؤولين"، والشيء الذي دفع الطبيب للوشاية، أن النقاش ابتدأ حين قال للأم المحجبة إن "الحجاب يتناقض مع قوانين الجمهورية".
ولم تخف شرف أن خطابات المسؤولين الفرنسيين تساهم في التأسيس للإسلاموفوبيا في فرنسا، واستشهدت بخطاب الوزيرة روسينيول، والذي تقول فيه إن النساء السود في أميركا كنّ راضيات بالعبودية، وكيف أن مانويل فالس، الذي جعل من محاربة الحجاب معركة أساسية له، دعم وزيرته، ثم قرار رؤساء بلديات فرنسية حظر البوركيني، من دون مرتكز قانوني.
من جانبه، قدم غوميس، وهو فرنسي اعتنق الإسلام وكان من ضحايا (ولا يزال) فرض حالة الطوارئ، التي مُدّد لها إلى يوم 15 يوليو/تموز 2017، شهادته عن ظروف استنطاقه وفصول محاكمته المستمرة، وكيف فقد عمله، ولا يزال يتردد على أطباء عديدين، إضافة إلى رفض بعض مسؤولي المساجد لرؤيته معهم بسبب التهمة التي تلاحقه. ونقل سؤال ابنته الصغيرة، التي لا يغيب عنها ما يحدث في فرنسا، وهي ترى الشرطة تنسحب من بيته بعدما دمّرت بابه الرئيسي وبعثرت محتويات البيت: "والآن، من سيحمينا من الإرهابيين، يا أبتي؟".
أما الناشط ماثيو لوبيز، من حركة (سيرفي) في مدينة تولوز، فقدم للجمهور شهادات صادمة عن ضحايا حالة الطوارئ، ومن بينها "المواطن رشيد (ويتمتع ببنية جسدية قوية)، الذي وجد نفسه ذات يوم أمام جيش من الشرطة يستخرجونه من سريره عاريا، ويتعاقبون على ضربه، غير بعيد عن بناته الثلاث، وهم يصرخون: 129 (في إشارة إلى ضحايا مسرح باتكلان)، ثم اقتادوه إلى سيارته للبحث في محتوياتها، ولم يجدوا شيئا، إلا أن مصوّرا صحافيا (من صحيفة لاديبيش) كان حاضرا، وبِعلم الشرطة، بلا شك، التقط له سيلا من الصُوَر، خلال 20 دقيقة. ثم أعاده أفراد الشرطة إلى بيته، من دون اعتقال ولا أي استدعاء قضائي".
من جهته، ذكّر الإعلامي ألان غريش، وهو من منظّمي اللقاء، بالواقع القاسي الذي يعرفه اللاجئون في فرنسا، وبالحدث المأساوي الذي وقع قبل أيام، حين جرى اعتداء على مأوى للمهاجرين فتسبب في مقتل لاجئ. وكشف أن المأساة لم تتلقّ أي ردّ فعل في فرنسا.
وأكد القس جان كورتوديير، وهو مسؤول عن العلاقات مع المسلمين في مجمع الكنائس الفرنسية، على أن مهمة الكنيسة الأولى هي "إيواء الغريب واللاجئين، دون تمييز في اللون والدين، وهذا ما نفعله في كنيسة سان دونيه".
أما الرئيسة السابقة لمنظمة العفو الدولية، جونيفييف غاريغو، فشددت على أن الاتحاد الأوروبي لا يحترم معاهدات جنيف بخصوص اللاجئين، واصفة الاتفاق التركي الأوروبي بـ"اتفاق العار"، وأن استقبال الغرباء واللاجئين يحتاج، باستمرار، إلى محطات انفعالية تحرك الرأي العام، كَصُوَر الفتى الغريق إيلان السوري وصُوَر غرقى المتوسط، لكن الانفعالات الأخرى، كالاعتداءات الجنسية وإشاعات تسلل بعض الإرهابيين وسط اللاجئين، يستثمرها اليمين وبعض الصحافة وينفخون فيها.
وذكر الأكاديمي اليوناني ستاتيس كوفيلاكيس، الذي انشق عن ائتلاف اليسار الراديكالي "سيريزا"، فذكّر بدعم الشعب اليوناني، رغم حالته الاقتصادية السيئة، للاجئين والغرباء، رغم الحصار الرسمي، بإيعاز أوروبي. واستعرض كوفيلاكيس مختلف المبادرات الشعبية اليونانية التي تحاول فك العزلة عن اللاجئين السوريين الذين يقول عنهم إنهم "يوجدون في سجن يوناني حقيقي".
وفي موضوع "الإسلاموفوبيا في قلب الحملة الرئاسية"، الذي شارك فيه عالم الاجتماع سعيد بوعمامة، فأكّد أنها فرصة لمعرفة من يحق له أن يحظى بأصواتنا. ونوّه بتخلي هولاند، الذي خذل الأحياء الشعبية والضواحي والأقليات الضعيفة، رغم وعوده الانتخابية، عن السباق، من جديد.
واعتبر الأكاديمي فيليب مارليير، أن الإسلاموفوبيا حاضرة في هذه الانتخابات رغم رفض الكثيرين للمصطلح، ومن بينهم المرشح مانويل فالس، ورغم الظروف السيئة التي يعيش فيها اليسار، خاصة "الراديكالي"، الذي كان أكثر إنصاتا لهذه المواضيع من اليمين. ثم انتقد اليسار الراديكالي الفرنسي، خاصة قراءته للحرب في سورية "إنه يمسح من كل نقاشاته المحاربين من أجل سورية حرة وديمقراطية، الذين يعارضون، في آن، ديكتاتورية الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهذا الخطاب الإمبريالي الفرنسي الذي يُعارِض الإمبريالية الأميركية، ينكر أكثر من قرن من التقاليد والكفاحات الدولية".