خلال العقد المنصرم، سُجّل تقدّم ملحوظ على مستوى التعليم في تركيا عموماً، إلا أن عدم المساواة في فرص التعليم بالنسبة إلى الأطفال الأتراك ما زال أمراً واضحاً. ويعود ذلك وفقاً لإحصاءات تركية، إلى أسباب كثيرة، في مقدّمتها الفوارق في المستويين الاقتصادي والاجتماعي وأيضاً سوء تنظيم توزيع المدارس بحسب الكتل السكانية، والإدارة المركزية لوزارة التعليم.
يبيّن "تقرير عن النجاح الأكاديمي والمساواة في نظام التعليم التركي" أعدّته مجموعة مبادرة تطوير التعليم التركية، أن 6% من الأطفال الأتراك في عمر التعليم الابتدائي لا يلتحقون بالمدارس. كذلك، من بين كل عشرة تلاميذ يتخلّف ثلاثة عن الالتحاق بالتعليم الإعدادي. وبينما تلتحق أكثر من 80% من الفتيات بالمدارس في غرب تركيا، تنخفض هذه النسبة إلى 47% في جنوب شرق البلاد، بينما لا يتجاوز الذكور نسبة 55% لأسباب اجتماعية. يُذكر أن جنوب شرق البلاد يتميّز بنموذج الحياة الزراعي العشائري، الذي لا يولي التعليم اهتماماً كبيراً، ولا يرى أيضاً أي فائدة من تعليم الفتيات، بالإضافة إلى ابتعاده عن مراكز التعليم الكبرى.
ويؤكد التقرير على أن العاملَين الاقتصادي والاجتماعي يلعبان دوراً محورياً وأساسياً في المستوى، إذ يزداد الالتحاق بالمدارس مع ارتفاع مستوى الأهل التعليمي. ترتفع نسبة التحاق أبناء الوالدين الحاملين شهادة ثانوية بنسبة 24%، لتبلغ 30% إذا كان الآباء حاصلين على شهادة جامعية. أما من الجهة الاقتصادية، فيرتفع الإنفاق على التعليم أيضاً بحسب مستوى العائلة الاقتصادي. أيضاً، يرتفع إنفاق الآباء خريجي الجامعات ثلاثة أضعاف بينما يرتفع إنفاق خريجي الثانويات ضعفَين عن المعدل الوسطي للإنفاق على التعليم.
لا يتعلق عدم المساواة في فرص التعليم بذلك، إلا أن توزيع المدارس وفقاً للكتل السكانية يلعب دوراً كبيراً، ليس فقط بين الولايات وإنما داخل الولاية الواحدة. ولا يقتصر ذلك على تلك الشرقية، بل يشمل أيضاً ولاية إسطنبول. وعلى الرغم من أن بلديتَي إسنيورت وباشاك شهير في إسطنبول متلاصقتان، إلا أن ظروف التعليم والخدمات التي تقدّمها المدارس تكاد تكون مختلفة تماماً.
اقرأ أيضاً: مدارس تركية لا تحمي أطفالها
يبلغ عدد تلاميذ إسنيورت 98 ألف تلميذ بينما لا يتجاوز 64 ألفاً في باشاك شهير، فتحصل الأخيرة على المستوى الثامن في عدد الطلاب الذين ينجحون في تخطي امتحان الدخول للثانوية بينما تحتل إسنيورت المرتبة 31. ويعلل مدير الإدارة التعليمية في باشاكشهير، إسماعيل بالتاجي، هذا الاختلاف قائلاً: "بعض الصفوف لدينا لا تضم أكثر من 20 تلميذاً، لكن في إسنيورت يتجاوز عددهم الخمسين، وذلك بسبب سوء إدارة العمران". ويشرح: "بنت إدارة التخطيط العمراني (توكي) في إطار التحديث العمراني، تجمعات سكنية عديدة، من دون تخطيط منظم للمدارس والإدارة التعليمية. بالتالي، أدت الهجرة السكنية باتجاه هذه المناطق إلى ارتفاع عدد التلاميذ، الأمر الذي لم يترافق مع رفع عدد المدارس أو زيادة ميزانية الإدارة التعليمية". يضيف بالتاجي أن "ثمة خللاً آخر في توزيع المدرّسين، إذ يزداد طلب المدرّسين للانتقال إلى المدارس في المراكز، والتي تتمتع بإدارة مواصلات جيدة. لذلك لا نرى هناك نقصاً في عدد المدرّسين، بينما نعاني نحن من نقص كبير ونعتمد على غير المتخصصين الذين توظفهم الدولة بعقود مؤقتة إلى حين توظيفهم بعقود دائمة، فيطلبون نقلهم إلى المراكز. لذلك، لا نستطيع استحداث فصول، بالإضافة إلى عدم توفر ميزانية خاصة للمدارس تتيح لها إدارة أمورها بعيداً عن البيروقراطية وعن احتياجاتها الأساسية".
من جهته، يؤكد المدرّس أحمد مؤذن أوغلو بأن "عدم المساواة في فرص التعليم أكبر من أن ينسب فقط إلى المستوى الاقتصادي أو ذلك الاجتماعي أو التعليمي للعائلة أو سوء تخطيط التوزيع العمراني. ثمة سبب أهم وهو مستوى المدرّس الذي يؤدي الوظيفة كلها. ويوضح أن "لا آلية في وزارة التربية والتعليم تستطيع وضع صورة واضحة ومعايير لتقييم مستوى المدرّسين"، مضيفاً: "ولكي لا أذهب بعيداً، أضطر إلى إرسال ابني إلى معاهد خاصة لتلقي دروس خصوصية، لأن مستوى المدرّسين في المدرسة الحكومية سيئ، ولا يستطيع أحد الضغط على هؤلاء لتحسين أدائهم، إذ لا معايير واضحة لذلك". ويتابع مؤذن أوغلو أن "المشكلة الأخرى المهمة هي الإدارة المركزية للتعليم. لا بدّ من منح إدارة التعليم المحلية والبلديات دوراً أكبر، لتسهيل التحرك بديناميكية أعلى لمعالجة المشاكل على المستوى المحلي، من دون انتظار بيروقراطية وزارة التعليم، بما في ذلك السماح للبلدية بإعادة توزيع ميزانيتها أو فرض ضرائب إضافية على السكان لاستخدامها في القطاعات المهمة كالتعليم".
اقرأ أيضاً: أطفال سجناء مع أمهاتهم